مع اشتداد البرد في تونس، تواجه فئات اجتماعية عدّة صعوبات في توفير الدفء، فالشتاء قاسٍ جداً في محافظات عين دراهم وطبرقة والكاف والقصرين وسيدي بوزيد، وجوار العاصمة تونس، إذ لا تجد عائلات كثيرة ما يساعدها على التحمل والصمود.
ترتجف السبعينية فاطمة جاب الله، من البرد الذي تسلل إلى جسدها المنهك. تحاول عبثاً أن تمدّه بالدفء، لكن بطرق بدائية، إذ تحرك يديها وتحف كفيها بعضهما ببعض. الطقس بارد والأمطار تهطل في يوم شتوي عادي، لكنّه ليس عادياً على فقراء تونس، فهؤلاء لا يملكون ما يواجهون البرد القارس به. وفاطمة تبيع المناديل الورقية على الرصيف. تفترش قطعة كرتونية مبللة وتحاول ما أمكنها تجاهل الطقس البارد كي تتمكن من كسب قوت يومها. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تقطن في منطقة نعسان، بالضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، بمفردها، في غرفة مستأجرة، بعدما هجرها زوجها، ولا أبناء لديها. تؤكد أنّها لا تملك أغطية كثيرة تحميها من البرد، وتضطر إلى إشعال الحطب أو الفحم للتدفئة ولإعداد قليل من الخبز أو طبخ طعام العشاء، ما تسبب في حروق تركت آثارها على يديها.
لا تعاني فاطمة وحدها من قساوة الظروف المناخية وبرودة الطقس، إذ يواجه الستيني، عبد الحميد الحفصي، من منطقة العمران، وسط تونس، ظروفاً اجتماعية صعبة، وتزداد معاناته في فصل الشتاء، إذ يفتقر بيته إلى أبسط الضروريات من أغطية وتجهيزات لمقاومة البرد. يقول لـ"العربي الجديد": "أعمل بائعاً متجولاً. بيتي متواضع جداً، وهو قديم حتى من ناحية الطابع المعماري، فمعظم البيوت من هذا الطابع تفتح على الفناء، أي وسط المنزل، وهذا الفناء من دون سقف، ما يجعل المرور من غرفة إلى أخرى في فصل الشتاء معاناة حقيقية". يضيف أنّ ما يجنيه بالكاد يكفي للمعيشة، وهو ما جعله عاجزاً عن اقتناء وسائل تدفئة وأغطية صوفية إضافية، فاكتفى بالقليل وبالقديم منها، وهي لا تؤمن الدفء اللازم له ولجميع أفراد أسرته". وبدورها، تعاني جليلة، وهي من محافظة القصرين، وسط غرب تونس، من ظروف اجتماعية قاهرة، إذ تشكل هذه الفترة من الشتاء والأيام المقبلة كابوساً لها ولعائلتها، فلا تكفيها المياه التي تتسرب إلى بيتها، بل يضاف إليها البرد القارس الذي يجتاح أغلب الغرف بسبب تشقق الجدران وقِدم النوافذ.
تؤكد رئيسة جمعية "دار تونس" روضة السمراني، لـ"العربي الجديد"، أنّ العديد من الفئات تعاني في فصل الشتاء، مشيرة إلى أنّ هناك عائلات كثيرة تعيش في مساكن غير مهيأة لاستقبال فصل الشتاء. تقول إنّها زارت عائلات في مرناق ومنوبة ودواء هيشر وفي بعض المناطق الحدودية مثل منطقة بلخير التابعة لمعتمدية القصر بولاية قفصة، وكانت أغلب ظروف قاطنيها صعبة. تكشف أنّها عاينت في مرناق بالضاحية الجنوبية للعاصمة تونس مساكن سقفها من القصدير، ففي فصل الصيف تكون شديدة الحرارة وفي الشتاء باردة، أما في منطقة بلخير بقفصة فهناك مساكن أرضيتها ترابية، مشيرة إلى أنّ أغلب هذه العائلات لا يمكنها توفير مستلزمات بسيطة كالأغطية ووسائل التدفئة. تضيف أنّه على الرغم من وجود 21 ألف جمعية تقريباً تعنى بالشأن الاجتماعي في تونس، فإنّ المساعدات التي تقدمها ضعيفة، بل هي في حالات كثيرة مخجلة ولا تعالج المشكلة من جذورها، أي أنّها لا توفر ما تحتاج إليه هذه الأسر المعدمة والفقيرة. تتابع أنّ غياب التنسيق بين الجمعيات وراء تشتت الجهود.
وتقول السمراني إنّه بالإضافة إلى هذه الفئات، فإنّ هناك أيضاً من يعيشون في الشارع، أي من دون مأوى، وعددهم في ارتفاع، إذ إنّ آخر إحصاءات الجمعية كشفت عن وجود 3 آلاف مشرد في مختلف المحافظات التونسية، وذلك في عام 2014، لكنّ الرقم ارتفع في ظل غلاء المعيشة وتدهور الظروف الاجتماعية، مبينة أنّ من بينهم أطفالاً ومسنين، وأغلبهم ينامون في المحطات والشوارع، ويكونون عرضة للبرد والتقلبات المناخية. وتؤكد أنّ الجمعية تنتظر أن يرى النور المشروع الذي تعده ولاية تونس بالتنسيق مع بلدية القصبة، والمتمثل في إعداد مقر كبير للفئات المتضررة من الفيضانات، أو الآتية إلى العاصمة للتداوي، ولا تجد مكاناً تقيم فيه، وهو مكان مخصص لمشردين أيضاً، وبذلك قد يصبح لهؤلاء ملجأ آمن ذات يوم.
يتولى الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي (منظمة اجتماعية غير حكومية) بحسب البرنامج الوطني لفصل الشتاء، الذي ينطلق في شهر ديسمبر/ كانون الأول، في إطار الاستعداد لموجة البرد، توزيع مساعدات تتمثل في أغطية وملابس صوفية ومواد غذائية، إذ تتكثف القافلات الإنسانية والمساعدات التي تشمل أغلب المحافظات. ويؤكد مدير المستودعات بالاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي، مراد الخنّوسي، لـ"العربي الجديد"، أنّ المساعدات كانت تقتصر على 4 ولايات، لكنّها تشمل اليوم 24 ولاية، والأولوية في المساعدات مخصصة للشمال الغربي والمناطق الحدودية التي تعتبر الظروف المناخية فيها أصعب، كما أنّ العديد من العائلات تعاني من نقص الأغطية ووسائل التدفئة. يشير إلى أنّه بالإضافة إلى المساعدات الثابتة واليومية، فإنّ هناك مساعدات ظرفية بحكم عضويتهم في اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث، وكلّما طرأت مستجدات بسبب الظروف المناخية، كالفيضانات والثلوج، فإنّهم يتدخلون لصالح الفئات المتضررة. ويكشف أنّهم ينسقون مع المصالح الديوانية التي تمنحهم البضائع التي تُحجز في قضايا التهريب، ومنها الأغطية والملابس، وتوزع على الفئات الاجتماعية الضعيفة، مبيناً أنّهم زاروا مؤخراً القصرين حيث استفادت 600 عائلة معوزة في معتمديات فوسانة وسبيطلة والعيون وحاسي الفريد، من تلك المساعدات. يضيف أنّه يجرى التنسيق مع المعتمديات التي تتولّى تحديد قائمة العائلات المعوزة، ويسعون إلى تلبية ما يمكن تلبيته من مساعدات، خصوصاً في فصل الشتاء، لمواجهة البرد.
يتابع الخنّوسي أنّ كلفة المساعدات المخصصة للتقلبات المناخية وموجة البرد بلغت 8 مليارات دينار (ملياران و714 مليون دولار أميركي) العام الماضي. لكن لا يمكن التكهن بعدد الحالات التي تستجيب للتدخل هذا العام، مضيفاً أنّ الظروف الصعبة تفرض على بعض العائلات توفير قوت اليوم فلا يمكنها توفير الغطاء أو تجديده واقتناء ملابس للأطفال. وعلى الرغم من انطلاق وزارة الشؤون الاجتماعية في توزيع مساعدات إنسانية للمحتاجين في حركة استباقية للتقلبات المناخية ولموسم البرد والأمطار، فإنّ المساعدات تبقى دون المأمول.