منذ مارس/ آذار الماضي، بدأ "صندوق محاربة الفساد" التابع للمعارض الروسي ألكسي نافالني بنشر فيديوهات ضمن سلسلة تحقيقات حول عمل رئيسة شبكة "آر تي" مارغاريتا سومنيان، متهماً إياها باستغلال منصبها لجني مئات الملايين. فبعد تصريحات لرئيسة القناة التي تترأس أيضاً تحرير "روسيا سيفودنيا" و"سبوتنيك"، قالت فيها إن "آرتي" تقدمت على محطات عالمية مثل "سي إن إن" و"بي بي سي" وتجاوز عدد مشاهدات برامجها على موقع "يوتيوب" أكثر من 10 مليارات مشاهدة، شكّك تحقيق نشرت نتائجه المحامية المقربة من نافالني، لوبوف سوبول، على "يوتيوب"، بهذه الأرقام. واتهم التحقيق إدارة القناة بالعمل على زيادة مشاهدات فيديوهات القناة باللجوء إلى طرق ملتوية من ضمنها الترويج في مواقع إباحية. وذكر أن "كثيراً من التعليقات على الفيديوهات ليس لها معنى، وفي الوقت ذاته متشابهة"، مشيراً إلى أن المستخدمين يكتبون نفس التعليق من اسم واحد بعدد من اللغات الآسيوية. وخلص إلى أن القناة عمدت إلى شراء مشاهدات وتعليقات إضافية من بورصات في آسيا مهمتها "نشر هذا الفيديو مع أي تعليق". وبحسب التحقيق، فإن "زيادة عدد المشاهدات والتعليقات تتم عبر الترويج لها ضمن مواقع جنسية إباحية (بورنو)"، وعرض التحقيق بعض الأمثلة عن زيادة المشاهدات وارتفاعها من عدة آلاف إلى ملايين المشاهدات بعد شهور أو سنوات من تحميلها على "يوتيوب".
وبعد سلسلة التحقيقات حول الأساليب مخادعة وغير الأخلاقية لرفع مستوى مشاهدات فيديوهات قناة "آر تي" الحكومية أعدها الصندوق، تقدمت القناة بدعوى أمام القضاء ضد نافالني والمحامية المقربة منه لوبوف سوبول وموقع "زناك. كوم". وطالبت كل طرف بدفع نصف مليون روبل، كما التقدم باعتذار رسمي، ونفي أكثر من 25 عبارة في فيديوهات ونصوص اتهمت فيها رئيسة الشبكة مارغاريتا سومنيان بخداع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والاستفادة من موارد الدولة لجمع مبالغ طائلة والتربح مع "زوجها المدني" الإعلامي تيغران كيوسيان، عبر تشغيل شركات إنتاج ودعاية تستخدم إمكانات القناة الحكومية ويذهب دخلها إلى حسابات مصرفية تعود لهما أو لمقربين من العائلة.
ونقلت "زناك. كوم" عن مصادر مطلعة أن الدعوى المرفوعة من قبل قناة "آر تي" تطالب بـ "تكذيب 13 تعليقا لنافالني، و12 تصريحا لسوبول، وثلاثة مقاطع من مقالة لزناك.كوم نقلتها عن فيديو سوبول، من ضمنها عنوان المقالة "المسيء"، وهو "مارغاريتا سومنيان تخدع الجميع ومنهم مسؤولها الرئيس فلاديمير بوتين". كما تطالب الدعوى بتكذيب ما جاء في التقرير بأن "لا أحد عمليا يشاهد القنوات"، وعبارات مثل "زيادة ساحرة" (في المشاهدات)، و"موازنة خيالية تذهب إلى الجيوب، فيما تشدد الدعوى على أن "آر تي" تعدّ "قناة إخبارية رائدة يشاهدها يومياً نحو 100 مليون شخص في 47 بلداً".
وكانت القناة تقدمت بشكوى في بداية يونيو/ حزيران الماضي، لكن خطأ في اسم موقع " زناك. كوم" أجّل تحديد موعد لبحثها، وبعد التصحيح، سوف تبت محكمة في موسكو بالقضية في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل.
وذكر المركز الصحافي للقناة أن الحديث عن رفع عدد المشاهدات (بالطرق المذكورة) "يهين آلاف العاملين في آر تي... الأدب والقانون لا يسمحان لنافالني بالبصق على وجوهنا... ويبقى لنا اللجوء للقضاء". مشدداً على أن "مارغاريتا سومنيان صحافية مهنية، ومديرة إعلامية حصلت على أوسمة حكومية لعملها الصحافي منذ لحظة تأسيس القناة في 2005 وتعد رئيسة تحريرها".
ترأست سومنيان تحرير شبكة " آر تي" منذ بدايتها، ووقع الاختيار عليها حين كان عمرها 25 عاماً. وكانت تعمل سابقا عن قناة "روسيا 1" ضمن الوفد الإعلامي المرافق للرئيس بوتين. وبعد إطلاق قناة باللغة الإنكليزية، توسع عمل الشبكة إلى اللغات العربية والإسبانية والفرنسية وهي تخطط لإطلاق النسخة الألمانية في العام الحالي. وبحسب تحقيقات نافالني فإن موازنة الشبكة بلغت في العام الحالي إلى 27.3 مليار روبل (الدولار قرابة 70 روبلا).
وطاولت اتهامات نافالني سومنيان بالكسب غير المشروع، واستغلال وظيفتها لجني نحو 719 مليون روبل في ثلاث سنوات. وذكر المعارض الليبرالي في أحد الفيديوهات تحت عنوان "الطفيليون" أن سومنيان استغلت استوديوهات "آر تي" لإنتاج برنامج زوجها الذي يبث على قناة حكومية أخرى هي "إن تي في" بعنوان "النشرة الدولية". وفي الفيديو، عرض نافالني كيف استطاع تأمين مشاركة أحد أعضاء فريقيه في حضور تسجيل إحدى حلقات البرنامج الذي وصفه بأنه "الأتفه" بين البرامج السياسية على القنوات الروسية، في استوديوهات "آر تي". وقال إن كيوسيان وسومنيان تقاضيا مئات الملايين من البرنامج في السنوات الثلاث الماضية عبر طرق احتيال بتسجيل شركات وهمية للإنتاج والدعاية تعود عائداتها في المحصلة إلى حساباتهما المصرفية وفق صيغة معقدة.
وعرض نافالني كشوفاً قال إنها تثبت أن سومنيان تستغل استوديوهات وموظفي "آر تي" لإنتاج برامج زوجها بشكل شبه مجاني، بينما تحصل على نحو ثلثي التكاليف. وذكر أن العائلة جنت نحو 300 مليون روبل إضافية عبر شركات يديرها أقرباؤهم ومقربون منهم للدعاية. وضرب مثلاً عن الترويج لشركة الطيران الروسية "أيرفلوت"، واتهم سومنيان وزوجها بإعداد تقارير إخبارية "محجوزة" الهدف منها الدعاية لإيرفلوت وغيرها من المؤسسات مقابل الحصول على أموال. وذهب المعارض الروسي إلى أن سومنيان تغطي على "فسادها" عبر تقاسمه مع أطراف أخرى، وتوظيف وهمي لأبناء مسؤولين. وفي أحد الفيديوهات، ذكر نافالني أن أحد أبناء أليكسي غروموف، النائب الأول للديوان الرئاسي والمسؤول المباشر في الكرملين عن ملف الإعلام يعمل رئيساً للتحرير في القناة براتب كبير، وأن ابنه الثاني تقاضى نحو 3 ملايين روبل في العام الماضي مقابل عمل في إحدى شركات الدعاية التابعة لسومنيان التي تقودها أختها، حسب تقرير نافالني.
وفي إطار الحملة التي أطلقها المعارض الليبرالي على سومنيان وزوجها، ذكر في تحقيق ثالث أن الزوجين حصلا على 46 مليون دولار كمكافآت عن كتابة وإخراج فيلم "جسر القرم.. صنع بالحب" مقابل 10 ملايين لباقي الممثلين والفنيين. كما اتهمها بتوفير عمل لأقاربهما مقابل مبالغ كبيرة في إنتاج الفيلم لتحصل العائلة على 70 في المائة من تمويل الفيلم الحكومي المقدر حسب مصادر بنحو 100 مليون روبل. ومعلوم أن الفيلم عرض نهاية 2018 وتولت سومنيان كتابة القصة والسيناريو، وأخرجه زوجها. ويعرض الفيلم في شكل دراما فكاهية - عاطفية مراحل بناء الجسر الذي يصل بين القرم والبر الروسي بعد ضم شبه الجزيرة في ربيع 2015. وبحسب مراقبين، فقد جاء الفيلم مملاً وبحبكة درامية، فيما صنّفه موقع "كينو بويسك" المتخصص بالبحث عن أفلام السينما على أنه الأسوأ في البلاد في 2018.