وقال الناشط حسن الحلبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن معارك أمس الإثنين في شمال حلب باتت تتركز بين مزارع منطقة الملاح الشمالية، التي سيطرت عليها قوات النظام وقوات مليشيا لواء القدس وقوات مكونة من مليشيات أجنبية يوم الأحد، وبين باقي منطقة الملاح التي تحتفظ قوات المعارضة السورية بالسيطرة عليها. وتحاول المعارضة استعادة السيطرة على مزارع الملاح الشمالية. ولفت الحلبي إلى أن جهود المعارضة الرامية لاستعاد هذه المزارع لم تكلل بالنجاح بعد بسبب استمرار القصف الروسي العنيف على خطوط إمداد المعارضة في منطقة الكاستيلو وعلى نقاط تمركزها في منطقة الملاح ومنطقة تل مصيبين المجاورة.
وكانت الطائرات الروسية قد بدأت منذ الخامس والعشرين من شهر يونيو/ حزيران الجاري حملة قصف عنيف وغير مسبوق على مناطق سيطرة المعارضة في ضواحي الملاح وحندرات شمال حلب، وفي بلدات ومدن كفرحمرة وحريتان وحيان وعندان وبيانون ومعارة الارتيق وأورم الكبرى. وشمل القصف استخدام القنابل الضخمة والصواريخ الفراغية بالإضافة إلى استخدام أسلحة محرمة دولياً على رأسها القنابل العنقودية والقنابل الفوسفورية. وقد بثّ ناشطون محليون خلال الأيام الثلاثة الماضية مقاطع مصورة تظهر استخدام طائرات روسية لعشرات القنابل العنقودية والفوسفورية في قصف مناطق سيطرة المعارضة شمال حلب.
وتحشد قوات النظام منذ شهرين قوات كبيرة شمال حلب، وتحاول بشكل شبه يومي التقدم نحو مناطق سيطرة المعارضة في منطقتي الملاح وحندرات بهدف الوصول إلى أوتوستراد الكاستيلو الذي بات منذ أشهر خط الإمداد الوحيد الذي يصل مناطق سيطرة المعارضة في حلب بمناطق سيطرتها في ريفها وبريف إدلب.
ويمتد طريق الكاستيلو الذي تسعى قوات النظام لقطعه من دوار الجندول في مدخل حلب الشمالي باتجاه منطقة الشقيف الصناعية التي تسيطر عليها المعارضة وصولاً إلى منطقة الليرمون التي تسيطر عليها المعارضة أيضاً ومن ثم بلدة حريتان شمال حلب ومنها إلى باقي مناطق سيطرة المعارضة في أرياف حلب الشمالية والغربي وفي ريف إدلب الشمالي. ويبلغ طول هذا الطريق من دوار الجندول وصولاً إلى مدينة حريتان شمال حلب نحو ثلاثة عشر كيلومتراً تسعى قوات النظام منذ أشهر إلى السيطرة على أي نقطة على هذا الطريق بهدف فصل مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب عن مناطق سيطرتها في ريفها.
وستكون قوات المعارضة في وضع حرج جداً في حال تمكنت قوات النظام من قطع طريق الكاستيلو، ذلك أن نحو ثلثي مساحة مدينة حلب، وهي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ستصبح تحت حصار كامل، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى حصار نحو مائتي ألف مدني لا يزالون يقيمون إلى اليوم في مناطق سيطرة المعارضة بمدينة حلب بالرغم من استمرار القصف العشوائي على الأحياء التي يقطنونها منذ نحو أربع سنوات.
ويرجح أن ينتِج ذلك مآسي إنسانية كبيرة في حلب نتيجة انقطاع إمدادات المواد الغذائية والطبية. ويعود ذلك إلى أن قيام المؤسسات الإغاثية ومنظمات المجتمع المدني السورية بتخزين كميات كبيرة من الأغذية والمواد الطبية في مناطق سيطرة المعارضة ربما لن يجدي نفعاً في دفع الكارثة الإنسانية المنتظرة خصوصاً في حال قررت قوات المعارضة الدفاع عن مدينة حلب إلى النهاية والصمود في حالة الحصار إن حصلت، وهو ما يرجحه مراقبون للوضع في حلب.
وسيكون بمقدور قوات المعارضة الصمود لوقت طويل في مدينة حلب في حال حصارها، ذلك أنها تملك خبرة طويلة في حرب الشوارع. كما أنها تمكنت خلال الأعوام الأربعة الماضية من رسم خطوط دفاع داخل مدينة حلب وحافظت عليها بشكل كامل بالرغم من محاولات قوات النظام المستمرة لخرقها.
كذلك باتت قوات المعارضة في حلب تملك خبرة كبيرة في عملية التفخيخ وحفر الخنادق وبناء المتاريس. كما أنها باتت تملك أعداداً كبيرة من القناصين ذوي الخبرة الذين يشكل وجودهم عاملاً حاسماً في المعارك الجارية في المدن.
وعلى المستوى اللوجستي، يشير مراقبون إلى أن حصار حلب لن يكون له أثر كبير على قوات المعارضة الموجودة في مدينة حلب وخصوصاً في الأشهر الأولى للحصار، إذ إن قوات المعارضة قد قامت بلا شك بتخزين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر في مناطق سيطرتها في حلب خلال الأشهر الماضية، بحكم تواصل مساعي قوات النظام لحصار حلب ووضوح هدفها في هذا السياق منذ وقت طويل. كما أن صمود قوات المعارضة شمال حلب أمام قوات النظام خلال الأشهر الماضية، منذ بدء التدخل الروسي في سورية العام الماضي، أعطاها وقتاً كافياً للاستعداد للسيناريو الأسوأ والمتمثل باحتمال وقوعها بحالة حصار كامل في مدينة حلب.
كذلك يبقى احتمال نجاح المعارضة في فك الحصار عن نفسها في حلب قائماً خصوصاً إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار نجاح قوات المعارضة باستعادة السيطرة على مناطق استراتيجية هامة جنوب حلب خلال الشهر الجاري، كان في مقدمتها منطقة خان طومان ومناطق محيطة بها، بعد تكبيدها قوات المليشيات العراقية وقوات حزب الله والحرس الثوري الإيراني خسائر كبيرة في الرجال والعتاد.