تتصاعد المخاوف في المغرب من عودة الحجر الصحي الشامل، جراء ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد، الأمر الذي يزيد من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية للبلد المتوقع أن يشهد انكماشاً لم يسجله منذ تسعينيات القرن الماضي.
وفرض المغرب منذ 20 مارس/آذار الماضي حجرا صحيا شاملا، استمر قرابة شهرين قبل أن يقلص الحظر تدريجياً، بنهاية يونيو/حزيران، بينما كان الاقتصاد قد تكبد خسائر يومية بنحو 100 مليون دولار، إلا أن عودة معدلات الإصابة والوفيات للارتفاع خلال الأيام الأخيرة دفعت الحكومة إلى إغلاق أحياء سكنية وشواطئ في مدينتي مراكش والدار البيضاء الأكثر تضرراً من كورونا، وتشديد المراقبة في المنافذ المؤدية إليهما، وفق بيان صادر يوم الخميس الماضي.
وجددت هذه الإجراءات المخاوف من عودة الحظر الشامل، بينما يعاني الاقتصاد العليل بالأساس من صعوبات. ويقول محمد الرهج، الخبير في المالية العمومية، إنه في حال اضطرار السلطات العمومية إلى فرض الحجر الصحي الشامل مرة أخرى وتشديده، فإن ذلك يعني أنه ستكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد، الذي تضرر في فترة الحجر السابقة.
ويوضح الرهج في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحجر الصحي المشدد، سينعكس على الفئات العاملة في القطاعين الرسمي وغير الرسمي على حد سواء، بل إن الوضع سيكون أشد وطأة من فترة الحجر الصحي السابقة.
ويشير إلى أن التداعيات قد لا تقتصر على العاملين في القطاع الرسمي وغير الرسمي، وإنما ستطاول إيرادات الدولة، التي يتوقع أن تتراجع كثيراً من الجباية (الضرائب)، ما سينعكس على قدرتها على الإنفاق عبر الموازنة.
وكان توقف نشاط العاملين في القطاع غير الرسمي، دفع الحكومة إلى توفير دعم يتراوح بين 80 و115 دولاراً في الشهر، حيث تظهر البيانات الرسمية استفادة نحو 5.5 ملايين أسرة من هذا الدعم، بعضها يعمل في القطاع غير الرسمي.
وتولت الدولة عبر صندوق مكافحة الجائحة الذي ضخت فيه 3.3 مليارات دولار، توفير مساعدات لفائدة من فقدوا عملهم جزئيا أو كليا من المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي، حيث هم ذلك حوالي 950 ألفا من المنخرطين.
كما عمدت الدولة، عبر البنك المركزي، إلى خفض سعر الفائدة الرئيسية وإعفاء المصارف من الاحتياطي الإلزامي من أجل تسهيل توفير القروض للشركات، في الوقت نفسه وسّعت ضمان قروض الشركات عبر شركة الضمان المركزي، والتي يتوقع أن تصل إلى نحو 7.5 مليارات دولار.
ويرى مصطفى ملغو، الخبير الاقتصادي، أن الأموال التي يجري العمل على ضخها لفائدة الشركات، يراد منها تشجيع الإنتاج، غير أنه في حال عودة الحجر الصحي الشامل بسبب الحالة الوبائية، لن يكون هناك طلب كاف يمكنه استيعاب القدرات الإنتاجية، خاصة مع ما سينجم عن الوضع من تراجع حاد للإيرادات.
وتتوقع الحكومة أن يسجل الاقتصاد انكماشاً لأول مرة منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي، نتيجة تأثر مجموعة من القطاعات، خاصة المصدرة، ما يؤدي إلى ارتفاع عجز الموازنة.
وكانت الحكومة قد وقعت ورجال الأعمال والمصارف، على ميثاق للنمو والتشغيل، بعد الإعلان عن خطة للإنعاش الاقتصادي بقيمة 12 مليار دولار، من أجل مواجهة تداعيات الأزمة الناجمة عن كورونا.
وربطت الحكومة في مشروع قانون المالية التعديلي، الذي عرضته على البرلمان، دعم الشركات التي تعاني من صعوبات جراء الجائحة، بشرط الحفاظ على 80% من فرص العمل، ما يعني ضمنيا إجازة تسريح 20%.
وتترقب المندوبية السامية للتخطيط، أن يفقد الاقتصاد المغربي 712 ألف فرصة عمل في العام الحالي، ليقفز معدل البطالة إلى 14.8% مقابل 9.2% في العام الماضي.
وكان العاهل المغربي، محمد السادس، قد قال يوم الخميس الماضي، في خطاب بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، إن عدم احترام التدابير الصحية التي سنتها السلطات العمومية، يسير ضد جهود الدولة التي تمكنت من دعم العديد من الأسر التي فقدت مصدر رزقها، معتبرا أن "الدعم لا يمكن آن يدوم إلى ما لا نهاية لأن الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانيات".
وأكد العاهل المغربي، الذي حث على التعبئة من أجل التحكم في انتشار فيروس كورونا، على أنه إذا استمرت الأعداد في الارتفاع، فإن اللجنة العلمية المتخصصة بوباء كوفيد ـ 19، قد توصي بإعادة الحجر الصحي، بل وزيادة تشديده، مضيفا أن مثل هذا القرار في حالة اتخاذه فإن "انعكاساته ستكون قاسية على حياة المواطنين، وعلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".
ويرى الخبير الاقتصادي المهدي فقير أن الوضعية الحالية، تتعدى الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية، حيث أضحت تتخذ بعدا وجوديا، ما يقتضي انخراط الجميع في التعبئة من أجل التأكيد على خطورة الوضع، خاصة من قبل المجتمع المدني والأحزاب السياسية.