استحضر الأميركيون أشباح فضيحة ووتر غيت مرات عدة، خلال احتدام السجال الانتخابي الرئاسي في الأشهر القليلة الماضية، وقارنوا بين الكشف عن تورط الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون، بزرع أجهزة تنصت في مقر الحزب الديمقراطي في واشنطن عام 1972، وبين تورط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعمليات التجسس الإلكترونية التي تعرضت لها اللجنة الوطنية الديمقراطية، وقرصنة رسائل ووثائق داخلية مهمة وتسريبها إلى موقع ويكيليكس.
والفضيحة السياسية الأكبر في تاريخ الانتخابات الأميركية، التي أجبرت نيكسون على التنحي والاستقالة من منصب الرئاسة، كانت حاضرة بقوة مع توالي فضائح الشهر الأخير من الحملات الانتخابية، من وثيقة البيانات الضريبية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، التي كشفت تهربه من دفع ضرائب فدرالية تقدر بحوالي مليار دولار، إلى نشر "واشنطن بوست" شريط "إكس هوليوود"، الذي يكشف جانباً فضائحياً من علاقات ترامب النسائية، ثم ما تلا ذلك من اتهامات بالتحرش الجنسي وجهتها سيدات أميركيات ضد المرشح الرئاسي، وذلك قبل مفاجأة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، جيمس كومي، ورسالته الشهيرة إلى الكونغرس قبل أيام قليلة من توجه الأميركيين إلى صناديق الاقتراع، للإبلاغ عن إعادة التحقيقات بقضية بريد هيلاري كلينتون الإلكتروني، وهو ما اعتبرته المرشحة الديمقراطية السبب الأول لهزيمتها في الانتخابات.
في اليومين الماضيين أيضا حضرت أشباح ووتر غيت، لكن سرعان ما أدرك الرأي العام الأميركي أن حجم الأزمات السياسية والتحولات والسوابق التاريخية التي تشهدها البلاد بسبب هذه الفضائح، قبل نحو أسبوع من انتقال السلطة، هو أكبر بكثير من أن يختصر ويقارن بتداعيات ووتر غيت والصدمة التي أحدثتها في الحياة السياسية الأميركية.
فالحرب السبرانية والإعلامية والسياسية المفتوحة، التي تتوالى فصولها على جبهات نيويورك، موسكو، واشنطن، والتي اشتدت مع اقتراب موعد تأدية الرئيس الأميركي الجديد خطاب القسم الدستوري وانتقاله إلى البيت الأبيض، ليتسلم مقاليد الحكم من إدارة الرئيس باراك أوباما، تنذر بانفجارات سياسية من العيار الثقيل قد تؤدي إلى وقوع أزمة دستورية وسياسية كبرى في الولايات المتحدة، لم تشهد لها مثيلا منذ أزمات الحرب الأهلية ومعارك الانفصال والاتحاد بين الرئيس الأميركي الأسبق إبراهام لينكولن، وكونفدرالية الجنوب الانفصالية.
ولعل أخطر المؤشرات على تصاعد حدة الأزمة السياسية وانعكاساتها السلبية المباشرة على قدرة الرئيس المنتخب على إدارة شؤون البلاد، تتمثل بالاتهامات المتبادلة وغياب الثقة بين الرئيس الأميركي الجديد ومديري الأجهزة الأمنية والاستخبارية، على خلفية اتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الأميركية.
وظهرت الخلافات بشكل مباشر بعد تسريب تقارير مختلف حول مدى صحتها إلى وسائل الإعلام الأميركي، تضمنت معلومات عن الدعم الاستخباري الروسي لحملة ترامب الانتخابية، وعن قنوات التواصل والتنسيق بين الجانبين، وكذلك معلومات عن ملف أعدته الأجهزة الاستخبارية الروسية حول فضائح ترامب الجنسية والمالية.
ويتهم ترامب مسؤولي الأجهزة الاستخبارية الأميركية، الذين اجتمع معهم قبل أيام قليلة، بتسريب تلك التقارير إلى وسائل الإعلام. ما استدعى أيضا استئناف حربه المعلنة على عدد من وسائل الإعلام الأميركية التي نشرت تلك التقارير.
ومن تداعيات أزمة العلاقة مع روسيا، عودة الخلاف إلى سابق عهده بين فريق ترامب وعدد من رموز الحزب الجمهوري، كأعضاء مجلس الشيوخ، جون ماكين، ولندسي غراهام، وماركو روبيو. وظهر ذلك بوضوح خلال جلسة الاستماع التي عقدها مجلس الشيوخ لريكس تيليرسون، وزير الخارجية المعين، الذي رفض خلال مشادة مع روبيو وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمجرم حرب، على خلفية المجازر ضد المدنيين السوريين التي ارتكبتها القوات الروسية في حلب. فيما شارك السيناتور غراهام بكتابة مشروع قانون في الكونغرس يفرض عقوبات جديدة على روسيا، ردا على عمليات التجسس السبراني والتدخل في الانتخابات الأميركية.
ويحتاج ترامب إلى تأييد كل الأعضاء الجمهوريين الـ 52 في مجلس الشيوخ، لضمان تمرير المصادقة على فريقه الحكومي. وبالتالي فإن بإمكان الثلاثي الجمهوري ماكين غراهام روبيو عرقلة تعيين بعض الوزراء، وخصوصاً من أصحاب الحقائب الرئيسية مثل الخارجية التي كانت قد شهدت منافسة حادة بين عدد من المرشحين، أبرزهم ميت رومني، الرجل القوي في "الإستبلشمنت" الجمهوري، قبل أن يعلن ترامب اختياره مدير شركة إكسون المعروف بصداقته مع بوتين.