شباب تونس ينتحرون

21 مايو 2015
+ الخط -
أضرم البوعزيزي النار في نفسه ذات شتاء سنة 2010. لم يكن يعلم ربما في ذلك الوقت أنه فجّر بركان الغضب لدى أبناء وبنات وطنه، وأن البركان لن يخمد غليانه بسهولة، كما لم يكن أحد يظن أن جزءاً من شباب هذا البلد سيسلكون نفس الطريق مع اختلاف الأسباب والغايات.
في شهر أبريل/ نيسان 2015 قُدر عدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار بتسع وأربعين، وتوزعت على 13 محافظة تونسية، 39 منها لشباب تحت سن 35، وذلك حسب إحصائيات المرصد الاجتماعي التونسي، وهو مشروع أطلقه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمتابعة ورصد الحراك الفردي والجماعي في تونس.

والمنتدى جمعية تأسست في 31 مارس/آذار 2011 من قبل مجموعة من الحقوقيين، الذين كانوا ينشطون ضمن "لجان دعم التضامن مع الحركات الاجتماعية "، خلال السنوات العشر الأخيرة قبل الثورة.

هكذا إذن، خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2015 تم تسجيل 193 حالات ومحاولات انتحار، بينما قُدر العدد الإجمالي للسنة الماضية بـ ،203 مما يشير إلى توسع ظاهرة الانتحار في المجتمع التونسي. من الملاحظ أيضا أن حوالى 80 في المائة من مجموع حالات الانتحار ومحاولات الانتحار، في تونس، خلال الشهر الماضي تعود لشباب تحت سن 35، من ضمنهم أطفال لم يتجاوزوا الخامسة عشرة. وفي المقابل تم رصد 7 حالات انتحار ومحاولات انتحار فقط خلال نفس الشهر من سنة 2014 ، "أرقام مفزعة"، هكذا يصفها الباحثون في المرصد الاجتماعي التونسي.

لكن الواقع أمرّ من ذلك بكثير. هذا ما يؤكده عبد الستار السحباني، رئيس الجمعية التونسية لعلم الاجتماع وأحد خبراء المرصد الاجتماعي التونسي، في حديثه مع "جيل العربي الجديد": "الأرقام التي نقدمها تبقى محدودة، إذ لا توجد أية جهة رسمية مهتمة بالظاهرة، كما أن العديد من العائلات تخفي محاولات الانتحار، وتسعى لإدارة المسألة بإمكانياتها الذاتية خوفاً من الفضيحة، كما يتجنب الكثيرون الحديث في هذا الموضوع لخلفيات دينية".

خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، وبحسب رصد قام به المرصد الاجتماعي التونسي، انتحرت فتاة عمرها 23 سنة في حفوز من محافظة القيروان،(وسط تونس)، بسبب خلافات مع العائلة. كما توفي شاب في الثلاثين من عمره السنة الماضية بمحافظة المنستير حرقاً، بسبب فشله في الزواج من الفتاة التي يحبها.

ومن أهم الأسباب المعلنة للانتحار لدى الشباب مشكل البطالة المزمنة، أو الطرد من العمل، فقد سُجل العديد من الحالات ذات العلاقة بمشكلة البطالة والمشاكل المالية، كمحاولتي الانتحار لشاب في الكاف ولاعب كرة قدم بالنادي القربي بمحافظة نابل لأسباب مالية خلال الشهر المنقضي.

يتضح أيضا وجود رابط بين الفضاء التعليمي وإقدام العديد من الشبان على الانتحار. يلاحظ الباحثون أن أغلب حالات الانتحار لدى الشباب، الذين يزاولون دراستهم، تتم خلال السنة الدراسية. وقد تم خلال الشهر الماضي تسجيل محاولة انتحار تلميذة عمرها 18 سنة بالسبيخة من محافظة القيروان، واتضح أن السبب طردها من المعهد، إضافة إلى انتحار تلميذ في أولى سنواته في الإعدادي بجومين من محافظة بنزرت شنقا.
في تونس اليوم، يضع شباب حدا لحياته قصد جلب الانتباه وتعبيرا عن الحيف والظلم أيضا،  ففي الشهر الماضي وبالقلعة الخصبة بالكاف انتحر شاب لعدم تمكينه من الكهرباء في منزله، وانتحرت فتاة في سيدي بوزيد إثر منعها من زيارة والدها في السجن.

يقول الأخصائي في علم النفس، عماد الرقيق، لـ"جيل العربي الجديد": " إن معدلات الانتحار لدى الشباب مرتفعة في تونس، مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى، والمشكل أساساً يكمن في العائلة التونسية التي صارت مشتتة ومادية وغير متوازنة. يفقد الشاب في تونس، اليوم، ثقته في نفسه وفي الآخر، ثم تدريجياً تتحول مشاعره إلى كره للذات، ثم للحياة، وتفقد الحياة  بذلك قيمتها."
بصفة عامة، يؤكد الباحثون بالمرصد الاجتماعي التونسي أنه لا يمكن حصر الأسباب أو تحديدها بشكل قطعي، لكن عملا بحثيا لمدة تناهز السنتين في المرصد بيّن أنه من الممكن اعتبار البطالة والمشاكل المالية، إضافة إلى الضغوطات المهنية والأوضاع الدراسية الصعبة والمشاكل العائلية والنفسية والعاطفية، أهم العوامل المسببة لحالات الانتحار لدى الشباب في تونس.

أما عن طريقة الانتحار المعتمدة، فيتحدث بعض الناس عن أثر المحاكاة نظراً لتسجيل عشرات حالات الانتحار حرقاً، كالبوعزيزي، كما يعتمد الشاب التونسي طرقاً أخرى، كالشنق وتناول المواد السامة والأدوية واستعمال الأسلحة، أو الارتماء من أمكنة عالية.

ويوضح المختص في علم الاجتماع، عبد الستار السحباني، لـ"جيل العربي الجديد": "حالات الانتحار لدى مَنْ هم أقل من 35 سنة مرتفعة في المحافظات الداخلية الفقيرة وأيضاً في المحافظات الساحلية، وهي تشمل الجنسين بالتساوي تقريباً، فالأسباب خلفها معقدة ومتعددة، والمشكل يتفاقم ويتطلب تحركاً عاجلاً".

ويضيف: "نقوم بمتابعة حالات الانتحار منذ فترة، لكننا لسنا على تواصل مع السلطات الرسمية. سمعنا مؤخراً أن هناك نية لدراسة هذه الظاهرة، بعد أن تطورت، لكن إلى حد الآن لا شيء ملموس على أرض الواقع، إضافة إلى غياب مراكز الإحاطة والمرافقة لمتابعة من حاول الانتحار ومحاورتهم لتجنب تكرار المحاولة".

مؤخراً، تعددت الدعوات في تونس لإيلاء هذه المسألة ما تستحقه من الجهات الرسمية، والانطلاق في استراتيجية وطنية للحدّ منها، والبحث في الأسباب العميقة للانتحار وتأثيراته، المباشرة وغير المباشرة، على محيط الضحايا أو المرافقة، التي يتوجب توفيرها بالنسبة لكل من حاولوا الانتحار، حتى لا يعيدوا الكرّة، هذا علاوة على مراجعة المنظومتين التربوية والتعليمية.

(تونس)
المساهمون