لطالما شهدت مدينة بنقردان الواقعة جنوب شرقي تونس على الحدود الليبية، تحركات أمنية كبيرة، خصوصاً بعد الثورة في تونس، وذلك بهدف التصدي لعمليات التهريب وتكثيف المراقبة الأمنية مخافة تسريب السلاح من ليبيا عبر المسالك الصحراوية. لكنّ المنطقة اليوم تشهد أزمة شديدة، كثيراً ما نبّه إليها عدد لا بأس به من المراقبين والخبراء. بعض هؤلاء طالب بضرورة التصدي لعمليات التهريب التي من شأنها أن تؤدي إلى دخول الأسلحة أو الجماعات الإرهابية إلى المنطقة، وبعض آخر طالب بضرورة وضع خطط تنموية وخلق فرص عمل في الجهة ليحظى سكانها بنصيب من التنمية والتشغيل بهدف تجنيبهم مسالك العمل غير المشروع.
على وقع ما تشهده المدينة من اشتباكات، ذهب بعض المحللين في تونس إلى إمكانية أن يكون هؤلاء الإرهابيون قد سافروا إلى ليبيا للتدرّب هناك ومن ثم عادوا إلى البلاد لتنفيذ عمليات فيها. أما آخرون فقد رجّحوا أن يتمركز هؤلاء في المدينة منذ فترة زمنيّة مشكّلين خلايا نائمة، وهم لم يأتوا من ليبيا، خصوصاً أنّهم من أبناء المدينة نفسها. وبين هذا الرأي وذاك، ما زالت التحقيقات جارية للكشف عن مخططات هذه الخلايا، خصوصاً بعد القبض على عدد من أفرادها. إلى ذلك، ما زال المتخصصون الاقتصاديون والاجتماعيون يؤكدون أنّ سبب كل ما يحصل في بنقردان وغيرها من مدن الجنوب أو الشمال هو الفقر والبطالة، ولا سيّما أنّ كل الإرهابيين الذين قتلوا هم من أبناء الجهة التي عاشت على مرّ ثلاثة عقود تهميشاً متواصلاً.
تنمية شبه معدومة
تقع مدينة بنقردان في محافظة مدنين في الجنوب التونسي، حيث مؤشرات التنمية منخفضة جداً، إذ إنّ نسبة الفقر في تلك المناطق تتجاوز 60 في المائة، خصوصاً في القرى والأرياف الصحراوية التي وصلت فيها نسبة الفقر إلى 70 في المائة. وقد ناهزت نسبة البطالة 80 في المائة في صفوف شبابها، لا سيما خريجي التعليم العالي.
قبل الثورة، كانت نسبة الفقر فيها بحدود 30 في المائة، فيما كانت نسبة الفقراء فيها تناهز 33 في المائة من مجموع فقراء البلاد. لكنّ فقراء جدداً من الذين خسروا أشغالهم وأفلست تجارتهم، ينضمون إلى هؤلاء. وقد أشارت إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء إلى أنّ الدخل الشهري للأسرة الواحدة في منطقة الجنوب لا يتجاوز 250 ديناراً تونسياً (نحو 124 دولاراً أميركياً). وفي غياب برامج تنموية ومشاريع استثمارية تخفف من وطأة الفقر وتمتص البطالة، يضطر أهالي المنطقة إلى توفير قوتهم من خلال التجارة مع ليبيا سواء بصورة قانونية أو من خلال التهريب، خصوصاً تهريب الوقود الذي يعدّ مصدر الدخل الأول لمئات من الشباب هناك.
يعيش في بنقردان نحو 700 ألف تونسي، يعمل أكثرهم في التجارة الموازية والتهريب، ونجد فيها أكبر سوق للبضائع المهربة من ليبيا. ويشتغل نحو أربعة آلاف (20 في المائة من القادرين على العمل) من أبنائها في التجارة الموازية والتهريب، وفق تقرير البنك الدولي أشار إلى أنّ أكثر المشتغلين في التهريب عبر الحدود التونسية الليبية هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاماً. هكذا، يصبح التهريب مصدر الدخل الوحيد لعدد كبير من سكان المنطقة في ظل غياب فرص الشغل والتنمية في الجهة. كذلك، توفر سوق الصرف المالي هناك، مئات فرص الشغل للشباب العاطل من العمل، بمن فيهم خريجو التعليم العالي. يُذكر أنها تضم أكثر من 300 محل لصرف العملات والمضاربة بها.
تشكو جهة بنقردان من مشكلات عديدة أخرى، ويُعدّ النقص في خدمات الصحة الأساسية أحد أهم معضلات تدنّي مؤشرات التنمية هناك. لا يوجد سوى طبيب واحد لكل مليون و500 من سكان الجنوب، في حين لا يتوفر سوى مركز صحة أساسية واحد لأربعة ملايين من السكان. كذلك تغيب في المنطقة أبسط المرافق الأساسية، مع غياب المستشفيات وأطباء الاختصاص على سبيل المثال، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية فيها.
انتفاضة الفقراء الجدد
أوضاع المنطقة تلك، كثيراً ما جعلت بنقردان مثلها مثل غيرها من مناطق الجنوب المهمشة، تعرف احتجاجات كبيرة أبرزها في أوائل عام 2015 والتي أطلق عليها اسم "انتفاضة الفقراء الجدد". حينها، أكد أهالي المنطقة أنّ الدولة لم تعطِ المنطقة نصيبها من المشاريع التنموية ولا من فرص التشغيل، ولم تشركها في مراكز القرار بخلاف باقي الجهات والمحافظات الكبرى. كذلك لم تشهد المنطقة منذ ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 أي مشروع تنموي أو أي مخطط تنموي قادر على امتصاص نسبة البطالة المرتفعة فيها.
تجدر الإشارة إلى أنّ انتفاضة منطقة بنقردان تأججت في أوائل عام 2015 على الرغم من اشتغال 40 في المائة من سكانها في التجارة الموازية، نتيجة كساد تجارتهم بعد إغلاق منافذ صحراوية عديدة وبناء حاجز ترابي عند الحدود مع الجارة ليبيا.
بطالة وتهميش
عديدون هم الخبراء التونسيون الذين أكدوا أنّ سلاح التنظيمات الإرهابية هو البطالة والتهميش، لاستقطاب عدد كبير من شباب المناطق الفقيرة والمهمشة. والدليل على ذلك بحسب المتخصص في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد، أنّ أكثر الشباب التونسيين الذين انضموا إلى الجماعات الإرهابية هم من تلك المناطق، على خلفية المقابل المغري الذي تقدّمه تلك الجماعات. ويضيف لـ "العربي الجديد" أنّ ما "حدث ويحدث أساساً في بنقردان مثلها مثل غيرها من المناطق المهمشة، يعدّ خارطة الاختراق الإرهابي التي تشمل المناطق الداخلية ومناطق من الجنوب، خصوصاً تلك التي ينتشر فيها التهريب. كذلك، فإن الفقر هناك لم يعد مقتصراً على الجانب المادي، بل أضحى تصحّراً ثقافياً نفسياً روحياً، استغله الإرهابيون وملأوه بما يتماشى مع أجنداتهم الدموية".
ويشير محمد إلى أنّ "الإرهابيين يمتلكون إمكانات مادية ضخمة تخوّلهم استقطاب الشباب، مستغلين فقره المادي والثقافي والروحي. وليس غريباً أن يكون مجال نفوذ الإرهابيين في الأحياء والجهات والمدن، إذ إنهم ينتقون أماكن ومناطق بعينها تتميز بكثافة سكانية كبيرة وضعف سيطرة الدولة وسيادة الفقر والتهميش والجهل، تمثّل محضنة لتفريخ الإرهابيين". يتابع: "بالتالي، فإن خارطة الفقر تمثل الخاصرة الرخوة التي يتسلّل منها الإرهابيون إلى النسيج الاجتماعي في محاولة لتمزيقه. هم يختارون أهدافهم بدقة كبيرة وعادة ما تكون من الشباب والمراهقين، مستغلين في ذلك ما تعيشه هذه الفئة من فراغ وضياع وما تمتلكه من طاقة وحماسة واندفاع يصل إلى حدّ التهور".
"لا يحلمون بالثراء"
محمد رجيب، من شباب المنطقة، يتحدث عن افتقار هؤلاء الشباب إلى الشغل وعن معاناتهم في التجارة واجتيازهم الحدود. ويؤكد أنّ "لا بديل آخر لهؤلاء بعد افتقار المنطقة إلى فرص الشغل والاستثمارات. وهم باتوا اليوم أكثر عرضة للرصاص وخطر الإرهابيين على الحدود. مع ذلك، يُتهمون بتهريب السلاح وغيره من المواد الخطرة". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الشباب الذين يشتغلون بأكثرهم في التهريب هنا، لا يحلمون بالثراء من وراء ذلك. همهم الوحيد هو كسب قوتهم وتوفير مداخيل بسيطة فقط". ويوضح رجيب أنّ "بعضهم بات على دراية بكل المسالك الصحراوية وبات قادراً على توفير معلومات حول حقيقة الوضع عند الحدود والتنبّه وتنبيه الآخرين إلى وجود بعض العناصر المشتبه فيها".
اقرأ أيضاً: مؤتمر لأئمة تونس لمقاومة الإرهاب
مكرم، من أبناء المنطقة أيضاً، يقول إنّ "الشباب وأكثر سكان بنقردان يعيشون على التجارة الموازية منذ سنين، نتيجة غياب فرص الشغل في المنطقة. وهم ينبذون العنف والإرهاب وتجارتهم بعيدة عن الأسلحة التي لا يريدونها أن تدخل لتخريب البلاد". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "أكثر سكان المنطقة يطالبون بإيجاد أشكال جديدة للتنمية في منطقتهم، وأعمال أخرى كبدائل توفّر لهم لقمة العيش بعيداً عن أي طرق أخرى مشبوهة". يضيف مكرم أنّ "جهة بنقردان التي تعيش أساساً على المبادلات التجارية مع ليبيا، تضررت كثيراً منذ اندلاع الحرب عند جارتها تلك. وقد أصاب تجارتهم كساد كبير وأغلقت محلات تجارية عديدة، فيما خسر مئات الشباب أشغالهم على خلفية عدم القدرة على جلب البضائع من ليبيا. وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى مشكلة كبيرة، خصوصاً في غياب فرص شغل ومشاريع حكومية أو خاصة تمثل بديلاً لهم". ويتابع أنّ "من شأن ذلك أن يؤدي إلى سهولة عملية استقطاب أبناء الجهة من قبل الجماعات الإرهابية، نظراً لأنهم الأكثر دراية بالمنطقة وأيضاً على خلفية الأموال المغرية التي تقدمها لهم تلك الجماعات".
عين على الجهة المنسية
في هذا السياق، يؤكد الكاتب العام المحلي لاتحاد الصناعة والتجارة في بنقردان، لزهر ديبر، على "ضرورة تركيز التجارة عبر المعبر الحدودي رأس جدير، الذي يُعدّ المشغل الوحيد تقريباً لشباب الجهة". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "المعبر الحدودي هو الحل للتصدي لأي نوع من أنواع الإخلال الخطيرة التي قد تمس بالأمن العام، لا سيما بعد تهديدات الإرهابيين وإمكانية تهريب السلاح أو تنفيذ أعمال إرهابية". ويطالب ديبر بـ "ضرورة التفكير في هذه الجهة المنسية من خلال خلق مشاريع تنموية وتحسين البنية التحتية المتآكلة، وعدم الاقتصار على ما يدرّه المعبر الحدودي من مداخيل قد تنقطع في أي لحظة".
في خطوة تهدف إلى التصدي للإرهاب والتهريب في الجهة، وفي محاولة لتخفيض حدّة البطالة هناك، أقرّت الحكومة التونسية بعث منطقة التجارة الحرة في بنقردان بتكلفة تصل إلى 120 مليون دينار تونسي (أكثر من 59 مليون دولار أميركي) بهدف تقنين التبادل التجاري على الحدود وإغلاق منافذ الإرهاب المتستر بالتهريب.
وفي هذا الإطار، كان وزير التجارة محسن حسن، قد أعلن أنّ "العمل بدأ في الدراسات الفنية للمشروع الذي لطالما سعت إليه الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية"، مشيراً إلى أن الانتهاء من الأشغال سوف يكون خلال العام المقبل 2017.
كذلك، فإنّ من شأن هذه السوق الحرة توفير ألفَين و500 فرصة عمل مباشرة وستة آلاف فرصة شغل بصفة غير مباشرة، بالإضافة إلى خلق قطب اقتصادي تنموي في بنقردان لتقليص تبعية الشباب للتجارة الموازية ومحاربة التهريب والإرهاب.
اقرأ أيضاً: خبراء: التهميش والبطالة يدعمان تطرف الشباب العربي
على وقع ما تشهده المدينة من اشتباكات، ذهب بعض المحللين في تونس إلى إمكانية أن يكون هؤلاء الإرهابيون قد سافروا إلى ليبيا للتدرّب هناك ومن ثم عادوا إلى البلاد لتنفيذ عمليات فيها. أما آخرون فقد رجّحوا أن يتمركز هؤلاء في المدينة منذ فترة زمنيّة مشكّلين خلايا نائمة، وهم لم يأتوا من ليبيا، خصوصاً أنّهم من أبناء المدينة نفسها. وبين هذا الرأي وذاك، ما زالت التحقيقات جارية للكشف عن مخططات هذه الخلايا، خصوصاً بعد القبض على عدد من أفرادها. إلى ذلك، ما زال المتخصصون الاقتصاديون والاجتماعيون يؤكدون أنّ سبب كل ما يحصل في بنقردان وغيرها من مدن الجنوب أو الشمال هو الفقر والبطالة، ولا سيّما أنّ كل الإرهابيين الذين قتلوا هم من أبناء الجهة التي عاشت على مرّ ثلاثة عقود تهميشاً متواصلاً.
تنمية شبه معدومة
تقع مدينة بنقردان في محافظة مدنين في الجنوب التونسي، حيث مؤشرات التنمية منخفضة جداً، إذ إنّ نسبة الفقر في تلك المناطق تتجاوز 60 في المائة، خصوصاً في القرى والأرياف الصحراوية التي وصلت فيها نسبة الفقر إلى 70 في المائة. وقد ناهزت نسبة البطالة 80 في المائة في صفوف شبابها، لا سيما خريجي التعليم العالي.
قبل الثورة، كانت نسبة الفقر فيها بحدود 30 في المائة، فيما كانت نسبة الفقراء فيها تناهز 33 في المائة من مجموع فقراء البلاد. لكنّ فقراء جدداً من الذين خسروا أشغالهم وأفلست تجارتهم، ينضمون إلى هؤلاء. وقد أشارت إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء إلى أنّ الدخل الشهري للأسرة الواحدة في منطقة الجنوب لا يتجاوز 250 ديناراً تونسياً (نحو 124 دولاراً أميركياً). وفي غياب برامج تنموية ومشاريع استثمارية تخفف من وطأة الفقر وتمتص البطالة، يضطر أهالي المنطقة إلى توفير قوتهم من خلال التجارة مع ليبيا سواء بصورة قانونية أو من خلال التهريب، خصوصاً تهريب الوقود الذي يعدّ مصدر الدخل الأول لمئات من الشباب هناك.
يعيش في بنقردان نحو 700 ألف تونسي، يعمل أكثرهم في التجارة الموازية والتهريب، ونجد فيها أكبر سوق للبضائع المهربة من ليبيا. ويشتغل نحو أربعة آلاف (20 في المائة من القادرين على العمل) من أبنائها في التجارة الموازية والتهريب، وفق تقرير البنك الدولي أشار إلى أنّ أكثر المشتغلين في التهريب عبر الحدود التونسية الليبية هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و35 عاماً. هكذا، يصبح التهريب مصدر الدخل الوحيد لعدد كبير من سكان المنطقة في ظل غياب فرص الشغل والتنمية في الجهة. كذلك، توفر سوق الصرف المالي هناك، مئات فرص الشغل للشباب العاطل من العمل، بمن فيهم خريجو التعليم العالي. يُذكر أنها تضم أكثر من 300 محل لصرف العملات والمضاربة بها.
تشكو جهة بنقردان من مشكلات عديدة أخرى، ويُعدّ النقص في خدمات الصحة الأساسية أحد أهم معضلات تدنّي مؤشرات التنمية هناك. لا يوجد سوى طبيب واحد لكل مليون و500 من سكان الجنوب، في حين لا يتوفر سوى مركز صحة أساسية واحد لأربعة ملايين من السكان. كذلك تغيب في المنطقة أبسط المرافق الأساسية، مع غياب المستشفيات وأطباء الاختصاص على سبيل المثال، بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية فيها.
انتفاضة الفقراء الجدد
أوضاع المنطقة تلك، كثيراً ما جعلت بنقردان مثلها مثل غيرها من مناطق الجنوب المهمشة، تعرف احتجاجات كبيرة أبرزها في أوائل عام 2015 والتي أطلق عليها اسم "انتفاضة الفقراء الجدد". حينها، أكد أهالي المنطقة أنّ الدولة لم تعطِ المنطقة نصيبها من المشاريع التنموية ولا من فرص التشغيل، ولم تشركها في مراكز القرار بخلاف باقي الجهات والمحافظات الكبرى. كذلك لم تشهد المنطقة منذ ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 أي مشروع تنموي أو أي مخطط تنموي قادر على امتصاص نسبة البطالة المرتفعة فيها.
تجدر الإشارة إلى أنّ انتفاضة منطقة بنقردان تأججت في أوائل عام 2015 على الرغم من اشتغال 40 في المائة من سكانها في التجارة الموازية، نتيجة كساد تجارتهم بعد إغلاق منافذ صحراوية عديدة وبناء حاجز ترابي عند الحدود مع الجارة ليبيا.
بطالة وتهميش
عديدون هم الخبراء التونسيون الذين أكدوا أنّ سلاح التنظيمات الإرهابية هو البطالة والتهميش، لاستقطاب عدد كبير من شباب المناطق الفقيرة والمهمشة. والدليل على ذلك بحسب المتخصص في علم الاجتماع طارق بلحاج محمد، أنّ أكثر الشباب التونسيين الذين انضموا إلى الجماعات الإرهابية هم من تلك المناطق، على خلفية المقابل المغري الذي تقدّمه تلك الجماعات. ويضيف لـ "العربي الجديد" أنّ ما "حدث ويحدث أساساً في بنقردان مثلها مثل غيرها من المناطق المهمشة، يعدّ خارطة الاختراق الإرهابي التي تشمل المناطق الداخلية ومناطق من الجنوب، خصوصاً تلك التي ينتشر فيها التهريب. كذلك، فإن الفقر هناك لم يعد مقتصراً على الجانب المادي، بل أضحى تصحّراً ثقافياً نفسياً روحياً، استغله الإرهابيون وملأوه بما يتماشى مع أجنداتهم الدموية".
ويشير محمد إلى أنّ "الإرهابيين يمتلكون إمكانات مادية ضخمة تخوّلهم استقطاب الشباب، مستغلين فقره المادي والثقافي والروحي. وليس غريباً أن يكون مجال نفوذ الإرهابيين في الأحياء والجهات والمدن، إذ إنهم ينتقون أماكن ومناطق بعينها تتميز بكثافة سكانية كبيرة وضعف سيطرة الدولة وسيادة الفقر والتهميش والجهل، تمثّل محضنة لتفريخ الإرهابيين". يتابع: "بالتالي، فإن خارطة الفقر تمثل الخاصرة الرخوة التي يتسلّل منها الإرهابيون إلى النسيج الاجتماعي في محاولة لتمزيقه. هم يختارون أهدافهم بدقة كبيرة وعادة ما تكون من الشباب والمراهقين، مستغلين في ذلك ما تعيشه هذه الفئة من فراغ وضياع وما تمتلكه من طاقة وحماسة واندفاع يصل إلى حدّ التهور".
"لا يحلمون بالثراء"
محمد رجيب، من شباب المنطقة، يتحدث عن افتقار هؤلاء الشباب إلى الشغل وعن معاناتهم في التجارة واجتيازهم الحدود. ويؤكد أنّ "لا بديل آخر لهؤلاء بعد افتقار المنطقة إلى فرص الشغل والاستثمارات. وهم باتوا اليوم أكثر عرضة للرصاص وخطر الإرهابيين على الحدود. مع ذلك، يُتهمون بتهريب السلاح وغيره من المواد الخطرة". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "الشباب الذين يشتغلون بأكثرهم في التهريب هنا، لا يحلمون بالثراء من وراء ذلك. همهم الوحيد هو كسب قوتهم وتوفير مداخيل بسيطة فقط". ويوضح رجيب أنّ "بعضهم بات على دراية بكل المسالك الصحراوية وبات قادراً على توفير معلومات حول حقيقة الوضع عند الحدود والتنبّه وتنبيه الآخرين إلى وجود بعض العناصر المشتبه فيها".
اقرأ أيضاً: مؤتمر لأئمة تونس لمقاومة الإرهاب
مكرم، من أبناء المنطقة أيضاً، يقول إنّ "الشباب وأكثر سكان بنقردان يعيشون على التجارة الموازية منذ سنين، نتيجة غياب فرص الشغل في المنطقة. وهم ينبذون العنف والإرهاب وتجارتهم بعيدة عن الأسلحة التي لا يريدونها أن تدخل لتخريب البلاد". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "أكثر سكان المنطقة يطالبون بإيجاد أشكال جديدة للتنمية في منطقتهم، وأعمال أخرى كبدائل توفّر لهم لقمة العيش بعيداً عن أي طرق أخرى مشبوهة". يضيف مكرم أنّ "جهة بنقردان التي تعيش أساساً على المبادلات التجارية مع ليبيا، تضررت كثيراً منذ اندلاع الحرب عند جارتها تلك. وقد أصاب تجارتهم كساد كبير وأغلقت محلات تجارية عديدة، فيما خسر مئات الشباب أشغالهم على خلفية عدم القدرة على جلب البضائع من ليبيا. وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى مشكلة كبيرة، خصوصاً في غياب فرص شغل ومشاريع حكومية أو خاصة تمثل بديلاً لهم". ويتابع أنّ "من شأن ذلك أن يؤدي إلى سهولة عملية استقطاب أبناء الجهة من قبل الجماعات الإرهابية، نظراً لأنهم الأكثر دراية بالمنطقة وأيضاً على خلفية الأموال المغرية التي تقدمها لهم تلك الجماعات".
عين على الجهة المنسية
في هذا السياق، يؤكد الكاتب العام المحلي لاتحاد الصناعة والتجارة في بنقردان، لزهر ديبر، على "ضرورة تركيز التجارة عبر المعبر الحدودي رأس جدير، الذي يُعدّ المشغل الوحيد تقريباً لشباب الجهة". ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "المعبر الحدودي هو الحل للتصدي لأي نوع من أنواع الإخلال الخطيرة التي قد تمس بالأمن العام، لا سيما بعد تهديدات الإرهابيين وإمكانية تهريب السلاح أو تنفيذ أعمال إرهابية". ويطالب ديبر بـ "ضرورة التفكير في هذه الجهة المنسية من خلال خلق مشاريع تنموية وتحسين البنية التحتية المتآكلة، وعدم الاقتصار على ما يدرّه المعبر الحدودي من مداخيل قد تنقطع في أي لحظة".
في خطوة تهدف إلى التصدي للإرهاب والتهريب في الجهة، وفي محاولة لتخفيض حدّة البطالة هناك، أقرّت الحكومة التونسية بعث منطقة التجارة الحرة في بنقردان بتكلفة تصل إلى 120 مليون دينار تونسي (أكثر من 59 مليون دولار أميركي) بهدف تقنين التبادل التجاري على الحدود وإغلاق منافذ الإرهاب المتستر بالتهريب.
وفي هذا الإطار، كان وزير التجارة محسن حسن، قد أعلن أنّ "العمل بدأ في الدراسات الفنية للمشروع الذي لطالما سعت إليه الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية"، مشيراً إلى أن الانتهاء من الأشغال سوف يكون خلال العام المقبل 2017.
كذلك، فإنّ من شأن هذه السوق الحرة توفير ألفَين و500 فرصة عمل مباشرة وستة آلاف فرصة شغل بصفة غير مباشرة، بالإضافة إلى خلق قطب اقتصادي تنموي في بنقردان لتقليص تبعية الشباب للتجارة الموازية ومحاربة التهريب والإرهاب.
اقرأ أيضاً: خبراء: التهميش والبطالة يدعمان تطرف الشباب العربي