يتجوّل إسماعيل في أزقة الأسواق وبين المحال التجارية في نواكشوط، ويعرّج أحياناً على مكاتب مؤسسات حكومية وخاصة، حاملاً معه الشاي الذي سبق أن أعدّه وفقاً للطريقة الموريتانية. ويأمل بيع الشاي كله للعودة سريعاً إلى خباء (خيمة مفتوحة) بالقرب من السوق المركزي في العاصمة الموريتانية ليعدّ كميّة أخرى من الشاي ويعيد الكرّة. ويخبر إسماعيل "العربي الجديد" أنّه لم يوفّق في مواصلة دراسته نظراً إلى فقر أسرته، لكنّه يأمل بأن يبقى "الشاي المتنقل" قادراً على سدّ رمق أسرته الصغيرة المؤلّفة من أم وثلاثة إخوة يصغرونه سنّاً. ويوضح: "أنا من يتولى رعايتهم وتوفير العيش لهم، إلى جانب والدتي التي تعدّ وجبات غذائية خفيفة وتبيعها".
يحكي إسماعيل قصته مع "الشاي المتنقل"، فيقول: "أصل إلى الأخبية المجاورة للسوق المركزي باكراً، حيث أجد عدداً من زبائني. هناك، ثمّة من يعرض المشوي للبيع وثمّة من يعدّ الشاي وثمّة من يسوّق لحلويات صغيرة". يضيف إسماعيل: "أجلب معي إبريق الشاي المعروف محلياً باسم لماعين بالإضافة إلى السكّر والشاي. ثمّ أشتري كيلوغراماً من الفحم أو أحصل على جمرات من أحد باعة المشوي قبل أن أباشر في إعداد الشاي. وعند الانتهاء من تجهيزه، أعمد إلى بيعه للمارة وقاصدي السوق أولاً، قبل أن أتنقل به بين المحال التجارية والمؤسسات العمومية وتلك الخاصة. ويشتري منّي أصحاب المحال والعاملون في المؤسسات الشاي، فهم في حاجة إلى كؤوس من الشاي لبدء العمل الصباحي بنشاط".
المصطفى، شاب آخر يعدّ "شاياً متنقلاً" في نواكشوط، يخبر "العربي الجديد" أنّ "إعداد الشاي يتطلب أوّلاً تجهيز فرن يعمل على الفحم أو المزوّد بقارورة غاز منزلي صغيرة، وغسل الإبريق والكؤوس جيداً. بعدها، توضع كميّة من المياه في الإبريق، وعندما تبدأ بالغليان، تكون أوراق الشاي جاهزة فتُضاف إلى المياه. بعد ذلك، يُرفع الإبريق عن الفحم لدقائق عدّة وتضاف إليه كميّة كافية من السكر. ويُبرّد في الكؤوس فيتذوّق معدّه كمية قليلة منه تُعرَف محلياً باسم الرزوة، ليعيده إلى النار حتى يسخن بالقدر المطلوب. وفي النهاية، يوزّعه على الراغبين في تناوله".
يضيف المصطفى أنّ "إعداد الشاي وبيعه في الأسواق مهنة توفّر لي قوت يومي فلا أضطر إلى الاستعطاء. لكنّها في الوقت نفسه متعبة وتتطلب جهداً كبيراً والتنقّل على الأقدام لمسافات طويلة لإعداد الشاي والعودة إلى السوق لبيعه، ومن السوق إلى الخباء مجدداً". ويتابع المصطفى أنّ "الشاي المتنقل يوفّر دخلاً لا بأس به للعاطلين من العمل والمتسرّبين مدرسياً والفقراء، يكفيهم لتأمين متطلبات عائلاتهم اليومية". ويشرح أنّ "شباناً كثيرين يبحثون عن أيّ مهنة ممكنة تساعدهم في مواجهة الفقر والحرمان اللذَين يطاولان حياة عدد كبير من الموريتانيين، في ظلّ انتشار البطالة وغياب المشاريع الحكومية التي تستهدف المتسرّبين مدرسياً وكذلك غير المتمدرسين النازحين من الريف والمناطق الداخلية التي يعاني سكانها ثنائية الجهل والفقر".
من جهته، يشكو محمد العربي الذي يعمل في مجال "الشاي المتنقل" من "استهدافي وزملائي من قبل عمّال المجموعة الحضرية (بلدية نواكشوط) الذين يصادرون في بعض الأحيان أباريق الشاي خاصتنا وتجهيزاتها ويُصدرون أوامر بحقّنا تقضي بمغادرتنا السوق قبل فرض غرامات كبيرة علينا". ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "موظفي البلدية مصحوبين بأفراد من الشرطة والحرس يطاردون بصورة يومية الباعة المتجوّلين في الأسواق والشوارع، معللين الأمر بتنفيذ أوامر منع من إدارة البلدية. وهو ما يحرم صغار الباعة من مزاولة عملهم ويفتح المجال فقط لأصحاب النفوذ، ويصول ويجول من يمتلك المال من دون رقيب". ويرى محمد العربي أنّ "السلطات تضع قيوداً كثيرة على صغار الباعة والفقراء وتحاول حرمانهم من العمل الحر وتحصيل قوتهم اليومي عن طريق فرض قوانين وأجندات لا تخدم سوى المتخمين ومن هم في أعلى الدرجات. وتصرّ على تصعيب الحياة على الشبان الحالمين بغد أفضل عن طريق بعض الأعمال يمارسونها في الشوارع أو الأسواق الشعبية".
والشاي أو "الأتاي" هو أبرز مشروب لدى الموريتانيين نظراً إلى ما يربطهم به من تاريخ وثقافة، وهو التقليد الأقرب إلى قلوبهم. كذلك، يُشرب الشاي في كل الأوقات، في حين لا يخلو أيّ مجلس في البلاد منه. فالجميع يتناوله، الصغار كما الكبار والنساء كما الرجال، ومعه يحلو السمر وتطيب اللقاءات. يُذكر أنّه أوّل ما يقدّم للضيف عند زيارة إحدى العائلات، كعلامة من علامات إكرامه.