ويتردد بغداديون متوسط أعمارهم بين الخمسين والسبعين على الشارع الذي يصفه أحدهم بمنطقتهم الخضراء، وفيه يجدون بقايا بغداد القديمة التي يحاولون التمسك بها بعد الخراب والتشويه والتغيير الديموغرافي الذي طاول باقي المناطق بالعاصمة.
بطل آسيا السابق في رياضة كمال الأجسام العراقي، عباس الهنداوي، يتحدث لـ"العربي الجديد" عن طفولته وصباه في الشارع قائلاً: "لا يمكن تخيل بغداد دون الرشيد، هذا الشارع الذي يشكل جزءاً من طفولتي، منه تعلمت الكثير، وقد كان مقصد الزوار والسياح من كل حدب وصوب".
ويضيف: "أنا الآن أجلس في مقهى أمّ كلثوم وهو من أقدم المقاهي في هذا الشارع، وأطلق عليه اسم كوكب الشرق الأوسط بعدما زارت بغداد وغنت على مسرح خشبة الهلال".
بدوره يقول أبو راشد الكاتب أحد سكان الشارع ورواده: "هنا بالقرب من الشارع كان مقر الوالي العثماني على نهر دجلة في القشلة، قام بتوسعته عام 1910م وأطلق عليه اسم (جادة سي شارع خليل باشا)، ويبدأ من جامع الأزبك (بجوار وزارة الدفاع برصافة بغداد) حتى يصل إلى الباب الشرقي.
ويضيف أبو راشد أن الحضارة كانت تُعرف من خلال شارع الرشيد الذي تم إطلاق التسمية عليه نسبة إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد، وبعد تنصيب الملك فيصل الأول ملكاً على العراق (1921- 1958) صار شارعاً حيوياً وارتبط اسمه مع كل الأدباء والشعراء القدامى ومن العصر الحديث في العراق، مثل معروف الرصافي وبدر شاكر السياب وجميل صدقي الزهاوي ومحمد مهدي الجواهري وغيرهم، وما زاد شارع الرشيد ألقاً هو وجود شارع المتنبي الذي يضم أشهر وأكبر مكتبات العراق.
وفي السياق يذكر العراقي أكرم الشيخ أن مقاهي شارع الرشيد استضافت ذات يوم كبار أدباء ومثقفي العراق، حيث كان الزهاوي يضطجع في المقهى الذي سمي بعد وفاته باسمه والرصافي كذلك، وكان الجواهري يفضل مقهى حسن عجمي، إضافة إلى مكتبة "مكنزي" التي اشتهر بها شارع الرشيد، وكانت تبيع الكتب الأجنبية، وكذلك شهد هذا الشارع تأسيس أول "مول" في الشرق الأوسط وهو "أورزدي باك".
كما شهد هذا الشارع الحركات الوطنية التي اهتزت لها بغداد، بدءاً من ثورة العشرين وكان جامع الحيدر خانه (من مساجد بغداد القديمة والتراثية) مقراً للثوار وزعمائها بالعراق التي ردد فيها محمد مهدي البصير قصيدته المعروفة التي ذات صيتها ومطلعها:
إن ضاق يا وطني علي فضاكا ... فلتتسع بي للأمام خطاكا
أجرى ثراك دمي فإن أنا خنته ... فلينبذني إن ثويت ثراكا
وشهد شارع الرشيد أيضاً العديد من المظاهرات التي أيدت الوحدة العربية مع جمهورية مصر وسورية، وانتفضت أيضاً الجماهير في هذا الشارع لقضايا الوطن خاصة والعروبة عامة، ومنها مظاهرات ضد معاهدة بورتسموث والوثبة والـ56 بعد الاعتداء الاسرائيلي على مصر فكان الشارع يلتهب بالمشاعر الوطنية كما يتغذى بالفكر.