اقتيد الطفل الفلسطيني شادي فرّاح، ابن الأربعة عشر عاماً، عشية يوم الأسير الفلسطيني، من مقر احتجازه بمركز إيواء للأطفال في عكا، إلى قاعة المحكمة، بناء على طلب تقدمت به نيابة الاحتلال، للمطالبة بإعادة محاكمته وتغليظ عقوبة السجن عليه لفترة طويلة، بتهمة "التحريض".
بدت التهمة غريبة بالنسبة لوالدة شادي، وللطفل أيضا، الذي وقف أمام نفس القاضي الذي أصدر سابقاً حكماً بسجنه ثلاث سنوات، بادعاء النية لتنفيذ عملية طعن، ولم يكن يتجاوز العاشرة من عمره، إذ اعتُقل مع صديقه أحمد الزعتري (15 عاماً)، عام 2015، ودانتهما محكمة في حينه، بمحاولتهما "التسبب في أذى فادح باستخدام آلتين حادتين (سكينين)"، وفق توصيف المحكمة، وحكمت عليهما بثلاث سنوات.
دافع شادي هذه المرة عن نفسه، ورفض أن تترجم له موظفة المحكمة ما سيقوله للقاضي، مقدما مرافعة باللغة العبرية، وخاطب المترجمة قائلا: "ما بدّي تترجمي لي.. أنا بفهم عبري.. وبقدر أحكي.."، وهو موقف أضحك القاضي.. وحين نطق المتهم بدفاعه، لم يملك القاضي إلا أن قال له: "رح أعطيك فرصة".
ردّ شادي، كما قالت والدته لـ"العربي الجديد": "أنتم حكمتموني ثلاث سنوات ظلم". وأضافت: "بجهود المحامين وذكاء شادي ووقوفه شامخا أمام القاضي وهو يتحدث معه بالعبرية، انتزع منه قرارا برد طلب نيابة الاحتلال، رغم إصرار الأخيرة على إبقائه في السجن والحكم عليه لفترة أطول".
"ربما كان مستغرباً من قاض معروف بتشدده في إصدار الأحكام بحق الأطفال الأسرى أن يمنح شادي فرصة أخرى، حتى لا تقع عليه عقوبة إضافية بالسجن". هذا ما قالته المحامية الإسرائيلية ليئا تسيمل، وهي واحدة من هيئة الدفاع عن شادي، إذ ذكرت لوالدته أن القاضي المذكور هو نفسه الذي أصدر حكما بالسجن على شادي، وعلى جميع الأطفال المقدسيين الذين كانوا يعتقلون بدواع مختلفة.
"أمّ شادي" التي تمنّي النفس باليوم الذي يعانق فيه نجلها الحرية، تلقت سيلا من التهاني من الأصدقاء والأهل والأقارب الذين فوجئوا برؤية صورته المسربة من قاعة المحكمة وقد بدا أطول قامة، فصورة شادي في أذهانهم هي لذلك الطفل الصغير الذي يلهو بألعابه، لكنّه ورغم أنه لم يتجاوز 14 عاما إلا أنه بدا أكبر من ذلك بكثير، فكانت معظم التعليقات على صفحة أمّه على مواقع التواصل الاجتماعي" شادي كبر ما شاء الله".
Twitter Post
|
"طبعا شادي كبران كثير جسما وتفكيرا". تقول والدته لـ"العربي الجديد"، وتضيف: "أخبرني المحامي مفيد الحاج، أنه عندما كان يجالسه، وكأنه يحكي مع شاب عمره 30 سنة، في حين أنه لم يتجاوز 14 عاما، ومن أجل ذلك حاولوا إعادة محاكمته. لقد رأيت أمامي شادي الطفل والرجل في نفس الآن، شادي اللي محتاج أحضنه".
وعن دفاعه أمام القاضي تضيف: "كانت مرافعته مقنعة وقوية، وبدا واثقا من نفسه، إذ وقف وقال له بجرأة: قضيت في الحبس سنتين ونص بعيدا عن عائلتي وأنا صغير وبريء"، لم يظهر أي ضعف وهو ينطقها. تضيف الأم: "قال لي أنا راض عن الحكم كيفما كان".
وتذكرت بالحرف محاورة القاضي لشادي وهو يلقي عليه التهمة الجديدة: "أنت تحرّض الأطفال داخل السجن، وتشكل تجمعات، وهذا ليس لصالحك، أستطيع اليوم أن أصدر حكما عليك وتدخل السجن فترة طويلة، يجب أن تحترم القوانين".
ولا تخفي "أم شادي"، التي تنتظر تحرر طفلها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أن إصرار الاحتلال على إعادة محاكمة شادي من خلال التهمة الجديدة، ما هو إلا استمرار لقمع وملاحقة الأطفال المقدسيين.
وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، وجّهت أم شادي رسالة لنجلها، ولأشقائه وأصدقائه، قالت فيها: "رسالتي كأمّ، الله يعطيني الصبر ويعطي شادي القوة".
أمّا لإخوته، فأقول: "شادي رح يطلع.. ورح نرجع سوا عيلة نعيش بحب وأمن وترجعوا تمارسوا حياتكم طبيعية تروحوا تسبحوا سوا وتلعبوا وتدرسوا وناكل سوا.. كلنا ع طاولة واحدة من غير ما نفكر شادي شو عامل وشو بياكل". ولزملائه، أقول: "مكانكم مقاعد المدرسة إنتو لسه اطفال عيشوا طفولتكم..".
في حين كانت رسالتها للاحتلال: "السجن ما بضعفنا.. بالعكس.. السجن خلاّه صلب قوي صعب انكساره.. وانتو اللي خلقتوا هالقوة والإرادة فينا.. الظلم هو اللي خلاّ شادي يصير قوي ويدافع عن حقه في الحياة وعن وجوده وكرامته، أنتو نبهتونا إنه ما بدكم سلام باعتقالكم للأطفال ومعاقبة أهاليهم".
وفي يوم الأسير ما زالت مئات العائلات المقدسية تنتظر الإفراج عن أطفالها الأسرى، تماما كما هو الحال بالنسبة لأم شادي التي تنتظر هذا اليوم على أجرّ من الجمر.
وبحسب معطيات لجنة أهالي الأسرى المقدسيين، فإن سلطات الاحتلال اعتقلت، منذ عام 2015، ما مجموعه 1705 أسرى، من بينهم 595 قاصرا، 79 دون 14 عاما، ما زال 10 منهم يقبعون في مراكز إيواء تابعة لسجون الاحتلال، و118 قاصرا دون سن الثامنة عشرة، إضافة إلى 22 قاصرا من الفتيات، و87 سيدة.