سِحر بلماضي الذي مسّ كل من تعامل معه بدا جليا في العديد من النقاط، فمؤخرا ظهر مدرب المنتخب القطري السابق في مؤتمر صحافي ميّزته الصراحة التي اعتادها الجميع، وقطع الشك باليقين في قضية ظلت الشُغل الشاغل للجمهور الرياضي حول تدعيم الخضر باللاعبين مزدوجي الجنسية.
بلماضي كان واضحا لأبعد الحدود، أن عهد المفاوضات مع النجوم الشابة كما كان عليه الحال سابقا بات في طي النسيان، وأن طريقة تعامله مع هذا الملف كونه يجمع بين منصبي المدرب والمدير مختلفة تماما، وعلى اللاعبين التعبير علنا عن رغبتهم في حمل ألوان الجزائر أولاً وبعدها تتحرك الاتحادية لتسوية الوضعية الإدارية، كما كان عليه الحال مع حالة المهاجم أندي دولور. خطاب بلماضي أعطى ثماره بسرعة، ليطل المدافع الشاب لنادي سانت إيتيان جوردان حلايمية على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، ويقوم بنشر صورته مرتديا قميص المنتخب الجزائري، ليكون بذلك أول المتجاوبين مع خطاب مدرب الخضر.
تأثير بلماضي لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوز ذلك إلى الأمور الفنية، فكل من يرى أو يُعجب بما يقدمه مهاجم نادي موناكو، إسلام سليماني، يثني على مدرب الخضر قبل الثناء على اللاعب، فهذا الأخير كان قاب قوسين أو أدنى من دخول خانة النسيان بعد المشاكل التي طاولته مع فريقه السابق فنربخشه التركي الموسم الماضي، وبقائه من دون منافسة لنصف موسم، غير أن استدعاء بلماضي له خلال كأس أفريقيا كان بمثابة قبلة الحياة التي أعادت الروح للاعب وجعلت مشواره الكروي يحيا من جديد.
الأمر ذاته ينطبق على النجم رياض محرز، الذي بدا تأثير مدربه مع الخضر جليا في ما يقدمه من مستويات مبهرة هذا الموسم، فمشكلة نجم ليستر سيتي السابق لخّصها كل العارفين بالكرة في نقص الثقة، بعد انتقاله إلى "السيتزن" ما جعله يظهر بوجه شاحب ويقدم مستويات متوسطة.
ما فعله جمال مع محرز لم يكن فنيا، فريّاض يُعد موهبة فذة لا نقاش فيها، لكنّ منْحه شارة القيادة وغرس ثقافة القائد والملهم وإلباسه ثوب النجم الأول، جعله يستعيد ثقته بنفسه ويُدرك أن بإمكانه أن يكرر ما فعله برفقة ليستر مع مانشستر سيتي، كما تمكن من فعله مع المنتخب الجزائري خلال كأس أفريقيا.
وعلى صعيد آخر، فإن حادثة بوداوي التي أسالت الكثير من الحبر بعد مباراة الكونغو الديمقراطية، لم تمر مرور الكرام لدى اللاعب وكذلك لدى بلماضي، الذي لن يتجاوز الحادثة بكل بساطة، فبغض النظر عن العمل الشنيع الذي لا يمكن لأيٍ كان قبوله، إلا أن ردة فعل اللاعب تعكس هشاشة نفسية كبيرة، فالبكاء من أجل كلمة جارحة، إنذار شديد اللهجة سيتوقف عنده الجهاز الفني.
بلماضي وحسب ما يُسر به من داخل كواليس الخضر، حول الألم الذي أسال دموع اللاعب الشاب إلى تطعيم لشخصيته سيجعلها أقوى، فما سمعه بوداوي من تنمر مجرد قطرة من سيل كبير يمكن أن يكسر فؤاده، في ظل تنامي ظاهرة العنصرية في الملاعب الأوروبية، وعلى جهاز مناعته الذهنية أن يستعين بالتطعيم من أجل أن يكون جاهزا لتحديات أكبر، حتى يصل إلى درجة الصلابة في مواقف كهذه، وأن يكون ملهمه البرازيلي داني ألفيس الذي كان يرد على الموز الذي يقذف به عنصريةً بتناوله والحصول على طاقة ذهنية يطفئ بها حرقة التنمر، وطاقة بدنية توقد نار التحدي الكروي.