سَلَميّة مدينة الخطف

11 ابريل 2016
قوات الدفاع الوطني متهمة (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -
حالة من الخوف يعيشها سكان مدينة سلمية، أكبر مدن ريف حماه الشرقي، لا بسبب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو تنظيم جبهة النصرة القابعين على حدودها الشرقية والغربية، إنما بسبب "إرهابيي الداخل" بحسب ما يسميهم الأهالي، الذين من المفترض أن يحافظوا على أمن المدينة، لكنهم يمارسون الخطف وترويع السكان.

يعتقد سكان المدينة أنّ ذلك يندرج في إطار أساليب العقاب الجماعي التي يمارسها النظام من خلال القوات التابعة له التي تنتشر في المدينة وتتولى المسائل الأمنية وحدها. كما عمد النظام في مرحلة سابقة إلى قطع الماء عن المدينة أكثر من أربعة أشهر، وحرمانها من جميع الخدمات الأساسية.

إحدى حوادث الخطف الأخيرة تتعلق باثنين من أبناء المدينة لم يعودا بعد. فقد اختطف عاملا البناء الشقيقان الشابان علاء وحاتم بطريقة غريبة بحسب ما يقول والدهما أبو علاء لـ"العربي الجديد". يشرح: "تلقى ابني علاء اتصالاً من شخص انتحل صفة مهندس، وهو معروف بالنسبة له، واتفق معه على البدء بالعمل في إحدى ورش البناء، وأعطاه العنوان. مع ذهاب علاء وحاتم إلى المكان الذي زودهما المهندس بعنوانه اختفى أثرهما وكأنّ الأرض انشقت وابتلعتهما". يضيف: "ما زلت أنتظر يومياً أن يرنّ الهاتف عسى أن يكون المتصل أحد الخاطفين ليطالب بفدية أو أي شيء آخر، لكن مضى أكثر من شهرين حتى الآن، من دون أن نحصل على أيّ معلومة عن الجهة التي اختطفته أو لمن تتبع". يتابع أبو علاء: "لا أعلم من اختطف ولديّ، كما أنّنا أناس بسطاء وفقراء، وليست لدينا قدرة على دفع أي مبلغ".

من ناحيته يتهم حازم الشمالي (اسم مستعار) وهو من وجهاء مدينة سلمية في حديثه إلى "العربي الجديد" قوات "الدفاع الوطني" التابعة للنظام بممارسة أعمال الخطف في المدينة. يقول: "بالرغم من وجود داعش وجبهة النصرة على حدود المدينة، وبالرغم من تنفيذهما هجمات مستمرة عليها، فإنّ عمليات الخطف تعدّ الأكثر ترهيباً للسكان". يضيف: "أصيبت المدينة بركود تام.. لا حياة فيها بعد غروب الشمس. السلطة الوحيدة في المدينة قوات الدفاع الوطني ومن معها. هم الوحيدون الذين يتجولون بالسيارات المغطاة بزجاج داكن والقادرون على حمل السلاح داخل المدينة. لذلك نحن نحمّلهم مسؤولية الخطف". يتابع: "حتى الأطفال لم يسلموا من حالات الخطف. قبل فترة قريبة، اختطف الطفلان محمد ومؤيد، وهما من أبناء محافظة حلب الذين نزحوا إلى مدينتنا". من جهته يشير أحد أقارب الطفلين إلى أنّ والد الطفلين بائع خضر بسيط. فاحتجزا لمدة يومين، ولدى اكتشاف الخاطفين أنّهما من عائلة فقيرة لا قدرة لها على دفع فدية، اكتفوا بتعذيبهما ورميهما في إحدى المزارع القريبة. يضيف قريب العائلة لـ"العربي الجديد" أنّ تعذيب الطفلين جرى عن طريق الصعق بالكهرباء والضرب، مما استدعى بقاءهما في المستشفى يومين. يتابع: "لم نستطع التبليغ ضد أي جهة كانت، خوفاً على أنفسنا، فنحن غرباء في المنطقة وليس لنا أحد نتكل عليه، بالإضافة إلى الخوف من أن تتكرر عملية الخطف أو حتى يقتل أحد أفراد العائلة".

من جهته، يقول شريف الآغا، وهو أحد الشبان القاطنين في المدينة لـ"العربي الجديد": "بحكم عملي في مقهى إنترنت أعود دائماً إلى المنزل متأخراً. لكنني لا أخاف، فالخاطفون لا رادع لهم، ولو أرادوا خطفي لأخذوني من غرفتي. الخاطفون في معظم الحالات يرتدون الملابس العسكرية مستغلين كثرة الجهات والمجموعات التي تحمل السلاح". يتابع: "هذا ما حصل مع صديقي المهندس إذ كان داخل منزله عندما طرق بابه شخصان بالملابس العسكرية وطلبا منه لساعتين مرافقتهما. قالا له: ساعة وتعود.. وحتى هذه اللحظة لم يعد صديقي إلى زوجته وأطفاله".

عمليات انتقامية
على الرغم من أنّ قوات "الدفاع الوطني" الموالية للنظام أبرز المتهمين بتنفيذ عمليات الخطف في مدينة سلمية، فإنّ بعض هذه العمليات استهدف عناصر من هذه القوات أو مقربين منها. من ذلك العثور على جثة تعرّض صاحبها للتعذيب، عُرف لاحقاً أنها لشقيق قيادي في "الدفاع الوطني". كما ذُكر أنّ العملية جاءت انتقاماً من هذا القيادي المتهم بعمليات خطف مقابل فدية.