سَلَمية السورية... مدينة التعدُّد والتعايش تخشى "داعش" وتواطؤ النظام

06 مارس 2016
تبعد سلمية عن حماة نحو 35 كيلومتراً (سيم جينسو/الأناضول)
+ الخط -
لا تكاد تختفي مدينة سلمية، في وسط سورية، عن الواجهة الإعلامية حتى تعود إليها، إذ لا يزال تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يحاول الاقتراب منها، لإدراكه أهميتها الاستراتيجية، وسط موقف مريب للنظام السوري، يفسره البعض بأنه تواطؤ لأهداف غير بريئة، فهي مفتاح أبواب مغلقة أمامه للولوج أكثر في الجغرافيا السورية، بما أن المتحكم بهذه المدينة يَسهل عليه الانقضاض على أهم مدينتين في وسط سورية، وهما حماة وحمص.

اقرأ أيضاً: سورية: "داعش" يقترب من سلمية شرق حماة

وبحسب سكان من المدينة، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإنّ "عناصر التنظيم سيطروا، الجمعة، على مواقع جديدة في محيط مدينة سلمية الشرقي، منها قرية الشيخ هلال الواقعة بين قريتي السعن وأثريا، كما سيطروا على تلال عدّة، في ظل توارد أنباء عن خلافات بين قوات النظام وشبيحة (موالون للنظام) المدينة الذين انسحبوا من عدة حواجز تحيط بالمدينة احتجاجاً على محاولات لكف يدهم، إذ لم يعد باستطاعة النظام غض الطرف أكثر على تجاوزات شبيحته بعدما وصل الغضب الشعبي حدود الانفجار".

سلمية، التي تقع إلى الشرق من مدينة حماة بنحو 35 كيلومتراً، ليست بعيدة عن مدينة حمص؛ فهي تقع إلى جنوبها الشرقي بنحو 45 كيلومتراً. وتشكل عقدة اتصال مهمة في وسط البلاد، كما تتميّز بتنوّعها المذهبي، بحيث يشكّل أبناء الطائفة الإسماعيلية أكثر من نصف سكانها، فيما يشكّل السنّة نحو 30 في المئة، والعلويون يشكلون ما تبقّى من السكان.

وتتميز سلمية بغنى تاريخها، حيث تُعَدّ موطن الطائفة الإسماعيلية في المشرق العربي، وكان للإسماعيليين من مدينة سلمية دور مهم في تاريخ سورية المعاصر. وتعد المدينة أيضاً من أكثر المناطق السورية حيوية على الصعيد السياسي والفكري بسبب نسبة التعليم المرتفعة، وانفتاح الإسماعيليين الثقافي على الطوائف الأخرى. ولعل الشاعر محمد الماغوط يأتي في مقدمة الشعراء والكتّاب الذين تركوا أثراً لا يُمحى في الثقافة العربية، إلى جانب أسماء أخرى قدمت نتاجاً فكرياً مهمّاً أغنى الثقافة العربية.

كما لعبت عائلة الجندي، المنتمية إلى سلمية، دوراً في التاريخ السياسي المعاصر لسورية، إذ كان سامي الجندي أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي/ الذي تولى السلطة بانقلاب عام 1963، ليصعد من خلاله ابن عمه عبد الكريم الجندي، الذي ساعد مع ضباط، أبرزهم صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الأسد، في تمكين الانقلاب، وتولى أجهزة الأمن الداخلية قبل أن ينتحر في عام 1969، أو على الأرجح (نُحر) نتيجة خلافات متراكمة مع حافظ الأسد الذي قفز من وزارة الدفاع إلى السلطة في عام 1970. ونشرت صحيفة لبنانية ما قالت إنها وصية الجندي بعد أيام من مقتله، ذكر فيها: "حافظ الأسد مغرور، مرتبط، مشبوه، ينفذ بدقة مخططات الأعداء من كل الأصناف". 

سلمية اليوم تعيش حالة خوف وترقّب، في ظل توارد أنباء عن نيّة مبيّتة لدى النظام لتسهيل اقتراب تنظيم "داعش" منها "كي يخدع العالم مرة أخرى، من خلال الإيحاء" بأن الأقليات في سورية بخطر، وأنه "الحامي الوحيد لها من الإرهابيين المتربصين"، بحسب الصحافي سعيد محمد، وهو أحد أبناء المدينة.

ويقول محمد لـ"العربي الجديد": "مدينتي معتقلة من قبل أجهزة النظام القمعية، التي سلّطت عليها مجموعات من الشبيحة تقودها عائلة سلامة، التي تقوم بعمليات خطف مستمرة لابتزاز أهالي المدينة، والحصول على مبالغ طائلة مقابل إطلاق سراح المخطوفين، والنظام يتفرج ولا يتدخل، ولم يحاول وضع حد لهذه العائلة كون عدد من أفرادها يتولون مناصب في الأجهزة الأمنية للنظام". ويشير محمد إلى أن "نسبة العلويين قليلة، وهم يتوزعون في عدة قرى حول المدينة التي تضم إسماعيليين وسنّة"، موضحاً أن "تمركز العلويين يكمن في قرى على طريق حمص، وفي قرية الصبورة، وخنيفيس، والمبعوجة، وقرى صغيرة أخرى".

ويلفت محمد إلى وجود "حالة تناغم وانسجام" بين الإسماعيليين والسنة، وإلى أن هناك حالات زواج كثيرة بين الطرفين، مضيفاً أن "الطريف أن هناك في العائلة الواحدة من هو إسماعيلي، ومن هو سني"، مبيناً أن "عدداً كبيراً من أهالي ريف حمص، خصوصاً من الرستن وتلبيسة وريف حماة والرقة، اختاروا سلمية مكان نزوح لهم، وهم يعيشون بوئام تام مع إخوتهم الإسماعيليين لا يعكر صفو العلاقة شيء".

 انخرطت سلمية بالثورة السورية في الأشهر الأولى، وقتل العديد من أبنائها برصاص قوات النظام، ولها إرث مهم في معارضة النظام، خصوصاً بعد استلام حافظ الأسد للسلطة، إذ يشير سعيد إلى أنه "لا يكاد يخلو بيت في سلمية من معتقل سياسي سابق"، لافتاً إلى أن "المعارض مصطفى رستم سُجن لنحو واحد وعشرين سنة في سجون الأسد الأب، وعاد واعتقله الأسد الإبن في العام الأول للثورة بسبب موقفه المؤيد لها".

وظهرت إلى السطح أخيراً دعوات لتقسيم سورية، أو تحويلها إلى كيانات منفصلة. ولكن المصدر يشدد على أن "الإسماعيليين يرفضون فكرة تجزئة سورية. هذا المنطق مرفوض من أصغر طفل في سلمية ومحيطها. نحن لن نخرج عن الجسد السوري الواحد إطلاقاً".

وينفي سعيد محمد وجود هيمنة من قبل زعيم الطائفة الإسماعيلية في العالم، الآغا خان، على الإسماعيليين السوريين، مشيراً إلى أنه يقدم خدمات إنسانية فقط من خلال مؤسسته التي لا تخص بعملها الإسماعيليين فقط، إذ قامت بتمويل مشاريع خدمية في كل أنحاء سورية.

ويؤكد المتحدث باسم تنسيقية المدينة، مازن إسماعيل، أن "سلمية ليست خارج ما يجري في سورية منذ خمس سنوات؛ فهي مدينة سورية قبل أن تكون مدينة (إسماعيلية)، وما يجري فيها الآن هو الاستثناء وليس القاعدة، فحالة الاندماج بين الإسماعيليين والسنة متجذرة، لا يمكن أن تتأثر بسهولة. أما الوجود العلوي فهو طارئ مستحدث"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن عدداً كبيراً من أبنائها (إسماعيليون وسنة) غادروها في العامين الأخيرين بسبب الضغط الأمني على المعارضين، وحالات الخطف من عصابات الشبيحة المرتبطة مع النظام. ولا يخشى مازن على مستقبل الإسماعيليين في سورية؛ فهم، كما قال، جزء لا يتجزأ من السوريين، وسلمية مهد الإسماعيلية في العالم، ولن ينجح النظام والقوى المتطرفة في تقليص دورها وأهميتها، وفق قوله. 

ويعتقد محللون عسكريون أنه من الصعب أن يتخلى النظام عن سلمية، كونها عقدة اتصال مهمة، ومحطة استراتيجية في طرق الإمداد إلى حلب، ولكنه يلوّح بورقتها أمام المجتمع الدولي للحصول على تنازلات سياسية ربما تنجيه من السقوط.

وفي هذا الصدد، يقول المحلل العسكري العقيد مصطفى البكور: "تنبع أهمية مدينة سلمية عسكرياً من موقعها المهم، حيت تتموضع على الأطراف القريبة للبادية السورية، وهي صلة الوصل بين ريف حماه الشرقي، وبادية تدمر. كما تتحكم بموقعها الجغرافي المتميّز بالطرق الواصلة من خناصر باتجاه الرقة وحلب ومن حماة باتجاه الطبقة وحلب، حيث تشرف على مسافة جيدة من طريق خناصر وتتحكم به".

ويضيف البكور في حديث مع "العربي الجديد": "كما تعتبر سلمية مركزاً رئيسياً لريف حماه الشرقي، حيث تمر منها غالبية طرق المواصلات بين قرى هذا الريف الشرقي، وبالقرب منها، وفي محيطها تتوضع العديد من القطعات العسكرية والمستودعات الهامة، لذلك تعتبر السيطرة على مدينة سلمية من قبل تنظيم داعش أمراً مهماً للتحكم بطرق المواصلات وخطوط إمداد النظام باتجاه حلب وريفها، وهي مهمة في تجارة النفط مع المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة".

سلمية، التي قال الماغوط فيها يوماً "إنها الدمعة التي ذرفها الرومان على أول أسير فك قيوده بأسنانه، ومات حنيناً إليها"، تعيش حالة ترقب لمجهول لا تعلم من أين سيأتي، فهي يقول الماغوط أيضاً: "يحدها من الشمال الرعب، ومن الجنوب الحزن، ومن الشرق الغبار، ومن الغرب الأطلال والغربات".

اقرأ أيضاًخناصر... صراع على خاصرة حلب