سيّارة زوجة الوزير

03 اغسطس 2015
... وتابع الشرطيّ الدرّاج واجبه (Getty)
+ الخط -

مرّ الشرطيّ على دراجته النارية بالقرب من السيارة المتوقفة إلى جانب الطريق والمسببة للزحمة. السيارة تخصّ زوجة الوزير، وقد كان السائق ينتظرها خلف المقود ريثما تنهي الـ "شوبينغ" من أحد المحلّات الشهيرة، في قلب العاصمة بيروت.

طلب الشرطي الدرّاج من سائق السيارة إزاحتها من الطريق. لكن هذا الأخير، والذي كان بلباس مدني، رفض ذلك وعرّف عن نفسه بأنه عسكريّ أيضاً. مع ذلك، تابع الشرطيّ الدرّاج واجبه ومطالبته السائق بإزاحة السيارة التي تتسبّب بعرقلة السير، ولا سيما أن كونه عسكرياً أو سائقاً لسيارة زوجة الوزير لا يعطيه حق عرقلة السير ولا أيّ أفضلية أخرى على المواطنين الآخرين.

تلاسن العسكريان في الشارع وقام عندها سائق زوجة الوزير، الذي يبدو أنه كان ذا بنية بدنية متفوّقة على الشرطيّ، بالاعتداء عليه بالضرب.

عندما تمالك نفسه اتصل الشرطيّ الدرّاج بقيادته لإبلاغها بما حصل وطلب الدعم. أما سائق زوجة الوزير فيبدو أنه اتصل بالوزير نفسه، وما كان من هذا الأخير إلا أن رفع هاتفه الخلويّ وتواصل مع أحد الضباط الكبار، وهو قائد وحدة في جهاز الأمن الداخلي ومحسوب على حزب الوزير بالخط السياسي والانتماء المذهبي، فقام الضابط الكبير بإرسال دورية من وحدته لمتابعة الموضوع على الأرض.

وقد أمر معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، في وقت لاحق، بتوقيف العسكريّ المُعتدي.

يمكن البناء على هذه الحادثة التي وقعت قبل أيام للتأكيد الإضافي على مدى الهشاشة والتشويه الذي باتت عليه صورة الدولة اليوم. على الأرض تصادم عسكريان واحد (ببزته) دفاعاً عن القانون، وآخر تصرّف كرجل عصابة من دون أي احترام لليمين الذي أدّاه ذات يوم، أو للقانون الذي من المفترض أنّه يحميه، بدوره. لم يحتكم المُعتدي إلى القانون ولا إلى قيادته العسكرية حين قرّر التصرّف وأخذ المبادرة، بل عاد إلى مرجعتيه السياسية. ولعلّه تخيّل نفسه، في تلك اللحظة، شخص معالي الوزير، فانتفخ ريشه وكبرت "الخسّة" في رأسه، وظنّ أن بإمكانه القيام بما قام به.

أمّا تصرّف الوزير وطريقة تعاطيه مع الموضوع فليس غريباً على مجموعة الوزراء والزعماء الذين شكّلوا حكومات الحرب وما بعدها، وهم في الأساس شخصيات لم تستوعب فكرة الدولة إلا من باب المليشيات، ولم تعتد التفكير إلا من خلال منطق القوّة والغلبة، ولم تحترف إلّا ممارسة فنون الحرب والترهيب.

يوماً بعد يوم، نشعر أننا بتنا غرباء أكثر في هذه البلاد. المنظومة التي نعيش فيها تلفظ أنفاسها الأخيرة. ويبدو أننا نكتشف كل يومٍ نتائج مشكلة متراكمة. كذلك، فإننا قادمون بلا شك، على أيامٍ أخرى فيها كثير من الضحك. الضحك المرّ على حالنا الأمرّ.

اقرأ أيضاً: لأنّني لا أريد أن أسرق
دلالات
المساهمون