حين تزور سيناء هذه الأيام تشعر وكأن حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 لم تنتهِ بعد، فكل مشاهد الحرب قائمة، إذ تنتقل بين المنازل المدمرة، والمزارع التي جرفتها الآليات العسكرية، بينما تختفي ملامح البنى التحتية عن مناطق واسعة من المحافظة، والقلق يبقى يساورك من أن تتعرض للموت أو الاختطاف في أي لحظة. لكن كل ما سبق من فعل الجيش المصري وليس المحتل الإسرائيلي.
ويتلهى المواطنون في سيناء بمتابعة أخبار المياه والاتصالات، وإمكانية انقطاع التيار الكهربائي في أي لحظة، بينما تصطف طوابير السيارات أمام محطات تعبئة المحروقات والغاز، بعد أن سمحت قوات الأمن لإدارة محافظة شمال سيناء بفتح هذه المحطات بعد إغلاق لمدة ثمانية أشهر، هي مدة العملية العسكرية الشاملة التي بدأها الجيش المصري في مطلع فبراير/ شباط الماضي، إلا أنها ما زالت متواصلة، في ظل استمرار هجمات تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش". وبدلاً من أن تسمع ألعاباً نارية ومدافع الانتصار في سيناء احتفالاً بذكرى انتصار حرب أكتوبر، لا يمضي يوم في مناطق رفح والشيخ زويد والعريش من دون سماع قذائف المدفعية والقصف الجوي، التي قتلت وأصابت عشرات المدنيين من أبناء سيناء، فيما ينتظر سكان المحافظة تحسناً في الأوضاع الأمنية والاقتصادية، في ظل تواصل المعاناة منذ الانقلاب العسكري في صيف عام 2013، وتفاقم الوضع الإنساني إثر بدء العملية العسكرية الشاملة التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة، في ظل اشتداد هجمات "ولاية سيناء" على قوات الجيش والشرطة.
وتحدّث أحد أبرز مشايخ سيناء، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن الحال التي وصلت إليها سيناء في السنوات الأخيرة. وقال "ليس بهذا الشكل يُكافأ أبناء سيناء الذين كانوا العون الأول للجيش المصري في تصديه للعدوان الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر، وهذا الكلام جاء بتأكيد من قادة الجيش في ذلك الحين، خصوصاً أجهزة الاستخبارات المصرية. لكن لم نكن نتوقع في أسوأ الاحتمالات أن نعيش هذا الواقع السيئ في سيناء". وأضاف الشيخ القبلي أن "الأوضاع الأمنية والاقتصادية في سيناء أسوأ من تلك التي كانت إبان الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، وهذا ما تسببت به السياسة التي ينتهجها النظام المصري، خصوصاً في فترة الانقلاب العسكري في عام 2013، وتزايدت سوءاً مع بقاء نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ إن حالة التضييق على المواطنين طاولت كل شيء في سيناء، واضطر عشرات آلاف المواطنين لتركها باتجاه مناطق غرب القناة هرباً من الحرب المسعورة التي أشعلها النظام المصري". واعتبر أن "هذه الحرب لن تنتهي إلا بتغيير السياسات المتخذة بسيناء من قبل النظام خلال المرحلة المقبلة".
وتشهد السجون الإسرائيلية حتى الآن على نضال أهالي سيناء، إذ تُغيّب ستة من رجال سيناء الذين اعتُقلوا خلال هذه الحرب وبعدها، وهم موسى عيد الجديعي، وجديع عيد الجديعي، وزاير صالح سالم أبوتليل، وعواد عودة الزميلي، وزيد سليمان سلامة أبو عكفة، ومراحيل سلمان هويشل. وعلى أرض الواقع، لم تشهد سيناء أي احتفالات بنصر أكتوبر، وحتى محافظة شمال سيناء، رغم أن أرضها شهدت معارك حاسمة بين الجيشين المصري والإسرائيلي، فيما باتت المحافظة اليوم تغص بكشوفات القتلى بسبب المعارك المستمرة بين التنظيم والأمن، ومئات المصابين، والمختفين قسرياً، والمعتقلين بلا تهمة منذ سنوات طويلة في السجون العسكرية التابعة للجيش المصري، عدا عن الحالة الاقتصادية السيئة التي تعاني منها غالبية سكان سيناء منذ سنوات.
وفي المقابل، قال مصدر حكومي مقرب من محافظ شمال سيناء، اللواء محمد شوشة، إن الأخير قلل من حجم الاحتفالات بذكرى حرب أكتوبر، رغم أنه الاحتفال الأول عقب تسلمه مهامه كمحافظ قبل شهر تقريباً، في ظل استمرار المعاناة اليومية للمواطنين، وعدم وجود إجابات عن تساؤلات واحتياجات المواطنين في ملفات ملحة عدة، أهمها المياه والكهرباء وحركة المواصلات والدراسة، عدا عن الملف الأبرز، وهو الوضع الأمني المتدهور في مدن محافظة شمال سيناء. وهذا يطرح سؤالاً "كيف يمكن إعلان مظاهر الفرح بانتصار أكتوبر والأزمات تحيط بالمحافظة من كل اتجاه؟". وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الاحتفال الحقيقي في سيناء سيكون في يوم عودة الأوضاع العامة إلى سابق عهدها، وهذا بحاجة إلى قرار استراتيجي من مستويات عليا، خصوصاً الجهات الأمنية صاحبة الكلمة الأولى في سيناء في كل الملفات، وأن أي قرار يخص المحافظة يودّ شوشة اتخاذه لا بد له من العودة إلى الجهات الأمنية للموافقة عليه، وهذا ما تسبب بعرقلة عدة قرارات سعى المحافظ الجديد لاتخاذها، فيما استطاع بعد ضغط منه الحصول على موافقات بخصوص ملفات كالوقود والمدارس والحركة من سيناء إلى خارجها والعكس.
وبالتزامن مع أيام الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر، شهدت محافظة شمال سيناء هجمات دموية من قبل تنظيم "ولاية سيناء" ضد قوات الجيش في مناطق عدة من المحافظة، أدت إلى مقتل وإصابة عشرات العسكريين، فيما رد الطيران الحربي المصري بغارات جوية، وقصف مدفعي، على مدار الأيام الماضية، مع تواصل حملات التجريف للمنازل والمزارع جنوب مدن رفح والشيخ زويد والعريش. وفي نهاية المطاف، يتطلع أبناء سيناء إلى أن تنتهي الحرب بشكل فعلي خلال الأشهر المقبلة، بغض النظر عن كيفية ذلك، فإما بقدرة الجيش المصري على القضاء على تنظيم "ولاية سيناء"، وهذا يبدو صعباً في الوقت الحالي، أو الاتجاه إلى أساليب أخرى للتعامل مع ملف سيناء، بما يضمن حياة كريمة للمواطنين، وإنهاء حالة التضييق القائمة منذ خمس سنوات، وإيقاف نزيف الدم الذي تعاني منه المحافظة، عدا عن الخسائر المادية المخيفة التي تعرض لها سكان سيناء خلال السنوات الماضية.