سيميوني وغوارديولا.. وزير الدفاع يتحدى أستاذ التيكي تاكا

26 ابريل 2016
مواجهة شرسة بنصف نهائي دوري الأبطال (Getty)
+ الخط -


هي مواجهة بمثابة نهائي مبكر لهذه النسخة من عصبة الأبطال، بايرن أمام أتليتكو مدريد في قمة نارية، الفريق الرائع هجوميا ضد القوة الدفاعية الرهيبة في القارة العجوز بالسنوات الأخيرة، لدرجة قول البعض إن الفائز من هذه الجولة ستكون له اليد العليا في نهائي ميلانو، كتقدير واضح للمشوار الصعب لكلا الفريقين في كافة أدوار المسابقة الأهم هذا الموسم.

أباطرة التدريب
مع كامل الاحترام لكل العوامل المشتركة والمختلفة بين بايرن وأتليتكو، فإن هذا الصراع سيكون تكتيكياً بحتاً، بين ثنائي تدريبي يعتبر الأفضل مؤخرا بين الجميع في الأوساط الكروية، بيب غوارديولا يتحدى دييغو سيميوني. الأرجنتيني المجتهد سيحاول الإيقاع بالكتالوني الفيلسوف، في نزال وصفه التكتيكي القدير ويلسون بأنه لقاء بين أستاذ الدفاع والمبتكر الرائع.

بايرن بكل تأكيد سيستحوذ أكثر على الكرة، لكن هذا الأمر حقا لن يقلق سيميوني، الذي يدافع بشكل رائع من دونها، ويستطيع الوصول إلى مرمى منافسيه بأقل عدد ممكن من التمريرات، كما حدث مؤخرا في مباراته أمام برشلونة بالكالديرون، حينما حصل الكتلان على أفضلية السيطرة، لكنهم انهزموا مع صافرة الحكم بهدفين دون رد.

يمثل هذا الدور نقطة نقاش بالنسبة لبيب، حيث إنه خلال 7 سنوات تدريب، وصل إلى نصف نهائي الشامبيونز في 7 مناسبات، بنسبة نجاح تصل إلى 100 %، لكنه في المقابل فشل مع بايرن في عبور هذه المرحلة، والمفارقة أن الفرق الإسبانية هي من أقصته، ريال مدريد في 2014 وبرشلونة في 2015، في انتظار مواجهة أكثر تعقيداً أمام الأتليتي في العام الحالي.

لاعب شرس
يقول بول سكولز عن فريق أتليتكو مدريد بعد إقصائه لبرشلونة: "هذا الفريق يمثل بالنسبة لي دييغو سيميوني عندما كان لاعبا، العنف والشراسة داخل الملعب في كل التفاصيل، مع تشابه واضح أيضا مع شخصيته كرجل، في حبه الشديد للصدامات والنزاعات مع الجميع، بطرق مشروعة أو غير مشروعة".

ويتحدث سيميوني عن نفسه في حوار قديم مؤكدا أنه يراهن فقط على الجهد والتعب، والمتابع الجيد لهذا الرجل لاعبا ثم مدربا، سيدرك حتما أنه لا يعرف سوى الفوز، ويسعى إلى تحقيقه بكل الوسائل المتاحة، حتى وإن كانت غير قانونية. فخلال مونديال فرنسا 1998، تسبب دييغو سيميوني في طرد دافيد بيكهام خلال مباراة ثمن النهائي، بعد أن أوقعه على الأرض واستفزه حتى ركله من الخلف أمام أعين الحكم.

ثم مبالغته في السقوط خلال مباراة ربع النهائي أمام هولندا بنفس البطولة، ليتسبب في إنذار آخر لكومان ثم طرده من المباراة، وإذا وضعنا هذه اللعبات أمام ما فعله في مباراة مالجا الأخيرة بالدوري، عندما رمى الكرة في الملعب خلال هجمة للضيف الأندلسي، سندرك أن هذا المدرب الكبير جزء لا يتجزأ أبدا من اللاعب الذي يسعى فقط تجاه الانتصار، ويستخدم في سبيل ذلك أدوات أقل كثيرا من خصومه الأقوياء، ليعوض ذلك بالجهد والعرق، والدهاء المعجون بالمكر في بعض المناسبات.

الرومانسي الحالم
طُرد غوارديولا من جنة كرة القدم بسبب انتهاء دور لاعب الوسط الممرر، من بعد بطولة يورو 2000، وقتها كانت الغلبة للاعبين الأقوياء بدنياً والقادرين على الجري طوال المباراة، كان زمن باتريك فييرا وأقرانه. لدرجة أن الكاتب الإيطالي القدير ماركوتي كتب في عمود صحفي قائلا: "لم يعد الملعب ملعبك ولا المكان مكانك يا بيب، عليك أن ترحل لأن كرة القدم الان باتت أكثر قوة بدنية".

فهم بيب الأمر ورحل عن برشلونة سريعا، تحدث بيب بنبرة مكسورة حينها وفق ما أكده جيليم بالاجي وترجمه محمد الفولي في كتاب "جوارديولا، طريقة أخرى في الفوز"، وقال "كان عمري 13 عاما حينما دخلت النادي وعمري الآن ثلاثون عاما وأنا رب عائلة، مسيرتي قاربت على الانتهاء وأرغب في خوض تجارب جديدة بالخارج للتعرف على دول وثقافات ودوريات أخرى، بشكل ما أشعر أنني أكثر حرية وهدوءاً وراحة".

عاد بيب من باب التدريب، وعادت معه مفاهيم لاعب الوسط القديم لكن مع ذكاء أكبر ولياقة أفضل، وبدأ يعد فريقه من الخلف لا الأمام، بالدفاع وليس الهجوم، لذلك ضحى بتوريه سريعا وأشرك الشاب اليافع وقتها بوسكيتس، ثم كرر نفس الأمر في بايرن عندما أقصى شفاينشتايغر في سبيل أسماء أخرى، وكأن بيب المدرب نسخة عن بيب اللاعب، حيث تحكمه بعض الأمور التي تمتزج فيها الرؤية الراديكالية بالأهواء الشخصية.

قمة الفراغات
يعتبر فريق أتليتكو مدريد هو أمتع وأدق فريق دفاعي بالقرن الحادي والعشرين، من خلال استخدامه أساليب خططية مبتكرة، مع طريقة لعب 4-4-2 الضيقة، الخطة التي أدخلها سيميوني إلى الكالديرون، بصرامة إيطالية واضحة وروح لاتينية خالصة، ليستفيد الرجل من فترات لعبة بالكالتشيو، وتتلمذه تكتيكيا على يد كبار المدربين في الأرجنتين، ويقدم نسخة متكاملة ومختلفة مع الهنود الحمر، سواء في الدوري الإسباني أو أوروبا.

في المقابل، تحول غوارديولا إلى نسخة أكثر واقعية بالفترة الأخيرة، ولم يعد ذلك المدرب الذي يهاجم باستمرار، بل اعتمد في بعض المباريات على العودة للخلف وعدم المبالغة في الهجوم كما فعل أمام دورتموند بالدوري، ولجأ إلى حلول أخرى غير التيكي تاكا، كالكرات الطولية والرأسيات العالية، وكانت مباراة يوفنتوس بالأليانز أرينا خير دليل على ذلك، لتزيد خبرة الكتالوني في الملاعب الألمانية مع الوقت.

هي بإيجاز شديد مباراة الفراغات، فأتليتكو مدريد يعرف كيف يقلل هذا السلاح أمام كافة منافسيه، من خلال إغلاق المساحات في وبين الخطوط، وكسر زوايا التمرير أمام لاعبي الوسط عن طريق الضغط المستمر على الظهيرين، أما النادي البافاري فيستخدم عدة تشكيلات تتمحور حول اللعب التمركزي، الذي يؤدي إلى تحريك الخصم بحثا عن الفراغ اللازم لبداية الهجمة، من جانب إلى آخر بأسلوب مباغت.

الدفاع والهجوم
"لكي تدافع بشكل رائع، يجب أن تقف في الخلف مع شكل متحد بين كل خط، وتصعد فقط إلى نصف ملعب منافسك عند الضغط أسفل الأطراف، والأفضل في حالات الضغط طلبا للكرة أن تكون نسبة الخطأ ضعيفة للغاية، وبمجرد الحصول عليها، يقوم الفريق بعمل مجموعة سريعة من التمريرات العمودية تجاه المرمى مباشرة، وبكل تأكيد كل لاعب عليه أن يضحي لصالح زميله، وكل زميل يلعب فقط من أجل المجموعة، الكل فوق الفرد مهما كانت المعوقات". هذه هي مبادئ سيميوني الدفاعية في تجربته الرائدة مع الأتليتي.

"لكي تهاجم بإتقان من العمق، عليك امتلاك لاعبين مميزين على الأطراف، ومن أجل الضرب على الرواق، من الأفضل أن تضم مجموعة تجيد التصرف تحت الضغط في العمق. تعتمد اللعبة دائما على تحرك لاعبي المنافس، لذلك عليك أن تتوقع تمركزهم، وتجبرهم على التحرك في جانب ما، لتهاجم وتبدأ خططك اعتمادا على هذه المعطيات"، يؤكد غوارديولا دائما أن الهجوم يبدأ من التخيل والابتكار قبل أي عامل آخر.

ومع كل البراعة الفنية لهذا الثنائي الرائع، تبقى الكلمة الأخيرة بين أقدام اللاعبين داخل الملعب، في مباراتين من نار، ولأول مرة منذ فترة طويلة لا مرشح على حساب الآخر، صحيح بايرن يتفوق بالتاريخ، لكن أتليتكو أقوى على الأرض، خصوصا أنه المنافس الذي أقصى البطل برشلونة.

لمتابعة الكاتب
المساهمون
The website encountered an unexpected error. Please try again later.