سيلين.. "الذاكرة" لا تسمح بالنشر

01 فبراير 2018
(سيلين في بيته عام 1955)
+ الخط -

أعلنت دار النشر الفرنسية العريقة "غاليمار"، مؤخراً، نيتها نشر مقالات ورسائل وكتابات للروائي الفرنسي لويس فيرديناند سيلين (1894-1961) التي نُبذ بسببها واعتبر عقب انتشارها معادياً للسامية ومناصراً للنازية أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية.

هذا الإعلان جلب على الدار الانتقادات الكبيرة والمطالبة بوقف فكرة النشر على الفور، وقد حاولت الدار الإصرار في البداية، ولقيت الدعم من رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب الذي أعلن أنه مع نشر هذه الكتابات مبيناً "لست خائفاً من هذه الدفاتر"، مضيفاً في تصريح للصحافة الفرنسية: "ثمة أسباب محقّة لكي نكره سيلين نفسه، لكن لا نستطيع أن ننكر مكانته المركزية في الأدب الفرنسي".

لكن نتيجة للضغط المحموم عليها علّقت الدار قرار النشر إلى حين، وقالت "غاليمار" في بيان لها صدر مؤخراً "إن الظروف المنهجية لا تتفق مع الذاكرة لكي يكون هناك فرصة للتأمل بصفاء"، في مسألة نشر "كتابات جدلية" كما كانت تنوي أن تسمي الكراسات الهجائية الثلاث التي عزمت نشرها.

المجموعة التي كانت تنوي الدار نشرها هي دفاتر سيلين التي كتبها بين 1937 و1941، لكنها قررت إعادة طبعها في نسخة ألحقت بها كتابات نقدية حول هذه الدفاتر لعدة كتاّب بحيث يكون النشر موضوعياً، ولا تواجه هذه العاصفة، خاصة وأن الدفاتر لم تطبع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أن أرملته راقصة الباليه لوسيت ألمانزور منعت نشرها تماماً بعد رحيله،. 

رغم مرور كلّ هذه السنوات، على رحيل واحد من عباقرة الأدب العالمي، إلا أن أعماله وذكراه ما زالت تواجه رفضاَ وخلافاً كبيراً حولها، حيث تصارع المثقفون والسياسيون والمؤرخون في فرنسا لأكثر من خمسة عقود مع إرثه وأخفقوا في إعادة تقديمه بسبب تلك الدفاتر.

الدفاع الوحيد عن سيلين، كما يرى كثيرون، هو دفاع عن نوع الكتابة نفسه وهو الـ pamphlétaire؛ نوع من الكتابة الهجائية التي يترك فيها الكاتب نفسه يكتب بقسوة ومن دون ضوابط، لأن هذا هو جوهر هذا الشكل، ويرون أنه انتقد الجميع في هذه الكراسات بمن فيهم الألمان مثلاً، وأن من هاجموا سيلين يحكمون عليه بعد الوضوح الذي حدث بعد الحرب، فلم يكن أحد يعرف عن مخيمات الغاز، وحين كتب سيلين هذه الدفاتر لم تكن هذه الأمور معروفة. وحين تنزع عن هذه الكتابات السياق التاريخي يقع ظلم كبير على كاتبها.

يبدو الأمر كما لو أنه تصفية حساب مستمرة مع صاحب "ترهات تقود للمذبحة"، و"موت بالتقسيط" وغيرها، فكتاب هتلر "كفاحي" نفسه متاح في كل مكان، بل إن هايدغر أحد مؤيدي النازية، ازداد تأثيره وقراءته وترجمته إلى الفرنسية بعد الحرب.

"سفر إلى آخر الليل"، التي كتبها قبل الحرب العالمية الثانية هي من أكثر الروايات نقداً للحرب وهجوماً شرساً عليها، وفيها تجربته الفظيعة عن الحرب العالمية الأولى، التي تركت "تروما" ضخمة بسبب الأعداد المخيفة للضحايا وهو من الجيل الذي عاش هذه التجربة. 


المساهمون