ويدعى الشاب المنتحر سيف الدين الخرداني (24 عاما)، من ولاية القيروان، والتي تعد من المعتمديات المهمشة، وتشكو، كغيرها من المناطق التونسية، من غياب التنمية وارتفاع نسبة البطالة، ما جعل الشاب المعدم ينتقل إلى محافظة صفاقس بحثا عن عمل.
وعمل الشاب في البداية في مجال "النجارة"، ثم بائعا متجولا، لكن بعد حجز بضاعته المتمثلة في علب سجائر كان ينوي بيعها، قام بسكب البنزين على جسده وإضرام النار فيه أمام مقر الولاية.
من جهتها، أكدت عائلة الخرداني أنّ الوضع الاجتماعي للأسرة والفقر والبطالة دفعا سيف الدين إلى بيع السجائر بدلا عن الانحراف أو التسوّل، مشددين على أنه ضحية التهميش ولامبالاة المسؤولين.
وقال أحد أقرباء سيف الدين، ويدعى محمد، لـ"العربي الجديد" إن قريبه كان يشتغل في مجال النجارة، وأنه عمل في ورشة في صفاقس، ولكنه تعرّض إلى حادث أليم نجم عنه بتر أصابعه، فاضطرّ إلى تغيير نشاطه ليصبح بائعا متجولا على أمل أن تدر عليه هذه المهنة أموالا إضافية.
وأشار إلى أنّه وخلافا لما يروج في بعض وسائل الإعلام، فإن قريبه لا يملك شهادات علمية، كما أنه لم يكمل تعليمه الابتدائي، موضحا أن المنطقة التي ينحدر منها سيف الدين تنعدم فيها المرافق الحياتية، فلا طرقات معبدة ولا تنمية ولا عمل، مبينا أن العديد من الأطفال ممن ينقطعون عن التعليم يجدون أنفسهم بلا عمل ولا أي أمل في عيشة كريمة.
وأكدّ محمد أنّ سيف الدين شاب لطيف وخجول، وأنه يعيل والدته المسنة وشقيقاته الثلاث بعد وفاة والدهم، وبيّن أنه زارهم في عيد الأضحى، وأكّد لهم أن الحياة صعبة والمعيشة غالية وبالتالي فإنه يأمل في تحسين مداخيله عن طريق بيع السجائر.
وكشف قريب الشاب أن سيف الدين توجه مرتين فقط إلى الجنوب التونسي لجلب السجائر، ظنا منه أنها تجارة مربحة، مؤكدا أنه تم في المرة الأولى، إخلاء سبيله نظرا لإعاقته ولكن في المرة الثانية أمسكه أعوان الأمن، وحررت ضده مخالفة.
اقرأ أيضا:جدل حول عودة التعذيب في تونس بعد وفاة موقوف
ويروي قريب الشاب، أنّ ليلة الحادثة، استدان البائع المتجول من عائلته وأصدقائه بعض المال وقصد الجنوب التونسي رفقة مجموعة من الباعة المتجولين ممن لديهم الخبرة في هذا النشاط، مضيفا أنّهم استقلوا سيارة أجرة ثم قطار قابس، عندما صعدت دورية أمنية لتفتيش المسافرين، ففر أصدقاؤه تاركين السجائر، فيما اختار سيف الدين البقاء أملا في أن يرأف الأمن لحاله ويأخذ بعين الاعتبار إعاقته.
وقال محمد: "للأسف تم تحرير مخالفة ضدّ سيف الدين، وتسليط غرامة مالية قدرها 3500 دولار، وأغضبه أن الفرقة الأمنية اعتبرت أنه يملك كمية السجائر التي ضبطت، وهو ما جعله يشعر بالظلم والقهر".
وأكّد القريب أن سيف الدين توجّه في اليوم التالي إلى مقر الولاية، طالبا لقاء الوالي، ليروي مأساته، ويشرح له أنه لم يكن يملك السجائر، وأنه لا يمكنه تسديد آلاف الدولارات إلى الحكومة نظرا إلى وضعه الاجتماعي، فتم صده من قبل أعوان الحراسة، مشيرا إلى أن الوالي "قد يكون على علم، وربما لا، بقصة سيف الدين".
وبيّن محمد، أن قريبه شعر أن الدنيا اسودّت أمامه، وشعر بالمهانة والقهر والظلم، فأضرم النار في جسده لتلتهمه النيران.
في سياق متصل، أعرب رئيس خلية الإعلام بولاية صفاقس، عبد المجيد الخروبي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الخرداني لم يتصل إطلاقا بمقر الولاية، وأنه لم يطلب مقابلة الوالي خلافا لما تم الترويج له.
وأوضح الخرّوبي أنّ بضاعة الشاب المنتحر حجزت من قبل الشرطة عندما كان على متن القطار المتجه من محافظة قابس جنوب تونس باتجاه العاصمة، وأنه تم تدوين محضر ضده، في إطار محاربة التجارة غير الشرعية.
وذكر أن عائلة الشاب قدمت يوم الحادثة أمام مقر الولاية للاحتجاج بعدما راجت أخبار مفادها أن الوالي رفض استقباله، وبالتالي تسببت في وفاته، مؤكدا أنّ الخرداني لم يطلب البتة لقاء الوالي.
اقرأ أيضا: عائلة بو عزيزي: تمنى الالتحاق بالجيش ومات مظلوماً