سيرج توبيانا [2/ 2]: الحرية جيّدة إلاّ عند استخدامها لتدمير السوق

01 فبراير 2019
سيرج توبيانا: لا تزال فرنسا بلدًا فيها سينما (فيسبوك)
+ الخط -

في الجزء الثاني من حوار "العربي الجديد" معه، يروي الناقد السينمائي الفرنسي سيرج توبيانا تفاصيل مختلفة عن مساره المهنيّ في "السينماتيك" الفرنسية، التي أشرف عليها بين عامي 2003 و2016، قبل انتقاله إلى "أونيفرانس"، المعنية بتصدير السينما الفرنسية والترويج لها عالميًا، في يوليو/ تموز 2017. كما يُقدِّم رؤية نقدية عن أولويات العمل الإداري والفني والثقافي، الذي يُفترض بكلّ "سينماتيك" في العالم أن تتبنّاها، مُشدِّدًا على ضرورة أن تكون تواصلاً بين النتاج السينمائيّ وتلامذة المدارس وطلاب الجامعات، وليس فقط بين الأفلام والـ"سينيفيليين"، إلى جانب نشاطات سينمائية متنوّعة.

بالإضافة إلى ذلك، يُناقش سيرج توبيانا مسألة المنصّات التلفزيونية، وأبرزها "نتفليكس"، والدور "السلبي" الذي تؤدّيه بتعاملها مع صانعي الأفلام، مُعتبرًا أن هناك نقاشًا عميقًا حول المسألة في أوروبا، ومُشدِّدًا على ضرورة العمل وفقًا لـ"تراتبية الوسائط"، وعلى أهمية احترام حقوق المؤلّف، وعلى إجبار المنصّات بدفع الضرائب التي تُحوَّل إلى دعم الإنتاجات السينمائية.

يُذكر أن الجزء الأول من الحوار منشورٌ في "العربي الجديد"، في 30 يناير/ كانون الثاني 2019.


(*) بعد ذلك، كانت تجربة الـ"سينماتيك". كيف جاءت مبادرة تولّيك إدارتها؟
ـ كان ذلك عام 2002. اشتغلت فترة مع "إم كا 2" (شركة إنتاج وتوزيع وتسويق فرنسية، لديها "كاتالوغ" غني يحتوي على أكثر من 600 فيلم، أغلبها لمخرجين مهمّين ـ المحرر). اتصل بي مارين كارميتز، مؤسّس الشركة: "اقتنيتُ للتوّ كتالوغ فرنسوا تروفّو. لا أعرف أي شيء عنه. هل يمكنك مساعدتي؟". قبلها، كتبت مع أنطوان دوبياك "كتاب سيرة" عن تروفّو. كنت محظوظًا، لأني عرفت هذا الأخير عن قرب. قابلته لـ"دفاتر السينما". نشأت صداقة متينة بيننا. أقدّره كثيرًا. كان يبادلني الشعور نفسه. توفي عام 1984. الفيلم الذي أنجزته عنه يعود إلى عام 1993، وعُرض في افتتاح قسم "نظرة ما" في مهرجان "كانّ". هناك، وقّعت أنا ودوباييك عقدًا لتأليف هذه السيرة مع "دار غاليمار"، استغرق العمل عليها 3 أعوام.

(*) مؤلَّف رائع.
ـ شكرًا لك.
هكذا، عندما اتصل بي كارميتز، أجبت "أنا قادم فورًا". لم تكن لديّ وظيفة آنذاك، لأني غادرت "الدفاتر". أخبرني مارين بأن "السينماتيك" محتاجة إلى مساعدتي لإعادة إطلاق الأفلام في قاعات السينما، بحسب المواضيع والنوعية. بما أننا كنا آنذاك في مرحلة ذروة انتشار الـ"دي. في. دي."، أشرفت على إصدار الأفلام كلّها في علبة جامعة. أظنّ ان لدى كارميتز حينها 13 فيلمًا من أصل 21 لتروفّو. فعلت ذلك وأحببته. لا تزال "العلبة" مرجعًا لغاية اليوم.

عام 2001، أخرجتُ فيلمًا (90 دقيقة) عن إيزابيل أوبير. اقترحت عليها الفكرة. لكونها صديقة، أجابتني: "تعال متى شئت". صوّرتها عامًا كاملاً، في المسرح وهي تتمرّن، وأثناء تمثيلها في "مهرجان أفينيون"، وعلى خشبة "أوديون"، وأثناء تصوير "عازفة البيانو" (2001) لميشائيل هانيكي في فيينا و"شكرًا على الشوكولاته" (2000) لكلود شابرول. "بورتريه" عنها لقناة "آرتي". أحببت القيام بهذا. وجدت طريقة أخرى لأعيش شغفي بالسينما.
مباشرة بعدها، تلقيت مكالمة، في يوليو/ تموز 2002، من مكتب وزير الثقافة الذي عيّن حديثًا حينها، جان ـ جاك أياغون. شخص رائع. كان مديرًا سابقًا لـ"مركز بومبيدو". قال لي: "سأعتمد عليك في مهمة متعلّقة بالتراث السينمائي". حينها، كانت "السينماتيك" تعاني أزمة إدارة وميزانية ومقرّ. كانت تشغل "قصر شايو"، وعليها أن تتركه لأن الدولة خصّصته لتثبيت مدينة الهندسة المعمارية. كان هناك مكان لاستقبال "السينماتيك" في "بيرسي"، اسمه "مبنى فرانك غيري"، حيث كان "المركز الثقافي الأميركي" قبل إفلاسه، فاقتنته الدولة الفرنسية من الحكومة الأميركية. كان ضروريًا القيام بأعمال تجديد المبنى لاستقبال "السينماتيك".

بحكم التغيير الذي تمّ على مستوى الأغلبية السياسية، أراد الوزير الجديد أن تكون لديه رؤية واضحة عن التراث السينمائي الذي كان متاحًا في ذلك الوقت لاتّخاذ قرار بشأنه، وعهد إليّ بهذه المهمة. اتّخذت مساعدًا رائعًا أعانني كثيرًا، لأنه كان من "محكمة التدقيق" وعلى دراية كبيرة بالأمور المالية. قدّمنا تقريرًا جيدًا. التقيتُ أناسًا كثيرين: فريق "السينماتيك" وموظّفين ومهنيّين. بدأت المهمّة في سبتمبر/ أيلول 2002، وقدّمت تقريري أوائل يناير/ كانون الثاني 2003، وهو مؤلّف من 60 صفحة غنيّة بالمعطيات.



(*) كان ذلك شكلاً من أشكال تشخيص الوضع القائم.
ـ تمامًا، ومع مقترحات. عندما قدّمت التقرير إلى الوزير، قال لي ما أتذكّره دائمًا: "الآن، هي مسألة رجال". طأطأت رأسي. فهمت المقصود. بالنسبة إليه، كان ضروريًا أن أكون أنا قائد المشروع. لم أخطّط لذلك. لكن، بما أن "السينماتيك" جمعية تخضع لقانون 1901، فإن رئيس مجلس إدارتها هو من يعيّن المدير بالتشاور مع وزير الثقافة. كان هناك مجلس إدارة برئاسة المخرج جان ـ شارل تاكيلا ، الذي عارض اقتراحي للمنصب بشدّة. انقسم مجلس الإدارة بين من يعتقد أن اقتراحي فكرة جيدة، وأن لدينا أخيرًا وجهة نظر للخروج من الأزمة، ومن قال "لا نريده، فهو ماوي سابق". تحدّى الوزير مجلس الإدارة قائلاً: "إبحثوا لي عن أحد بمثل كفاءة الاسم المقترح"، فلم يعثروا على أحد. لذا، ضغط الوزير على رئيس المجلس، ففضّل هذا الأخير الاستقالة على تسميتي. تمّ تعيين نائبين للرئيس، وتسميتي للمنصب فورًا.

وصلت إلى "السينماتيك"، وكان علي أن أفعل كلّ شيء. أحببت ذلك. انتقلنا إلى المقر الجديد وبدأنا العمل فيه رغم أن الأشغال جارية. تمّ تعييني في 28 أبريل/ نيسان 2008، وكان المبنى محتاجًا إلى عامين من الأشغال، نقلنا خلالهما كلّ شيء إليه، بالإضافة إلى الاشتغال على المعارض المؤقّتة. كنا محظوظين بوجود مساحة كافية لإقامة المتحف و"السينماتيك" والمعارض المؤقّتة، التي افتُتحت بـ"رونوار ـ رونوار"، حول رونوار الرسام ورونوار المخرج. عرف المعرض نجاحًا كبيرًا.

(*) مهمّ جدًا بالنّسبة إلي إثارة هذا النقاش معك، لأنّ "السينماتيك" المغربية كانت ولا تزال في حالة سبات.
ـ أعلم أنها في الرباط.

(*) نعم. تمّ تعيين المخرجة نرجس النّجار مديرة لها منذ نحو 10 أشهر، مع طموح للخروج من حالة الجمود. لكن للأسف، تجاهلت المديرة الجديدة محاولاتنا للقائها بغية الحوار حول مشروعها ورؤيتها للأشياء.
ـ هذا مؤسف. لكن ينبغي أن يتوفر مشروع ما أولاً.

(*) تمامًا. لذا، أودّ منك تقديم رؤيتك للأولويات التي ينبغي أن تكون لـ"السينماتيك"، نظرًا إلى السياق والبنية الحالية للسينما المغربية.
ـ تتمثّل أولوية "السينماتيك" في إبقاء ذاكرة السينما حيّة من خلال البرمجة والأنشطة التعليمية والمعارض، بالتكيّف مع الوسائل والمساحة المتاحة. تفترض المعارض وجود أرشيف كافٍ ومكان كبير بما فيه الكفاية لعرضه، وشروط عرض الأعمال التي ستستعيرها من المتاحف. في فرنسا، ناضلنا لهذا كلّه، ولتأمين الشروط الهيدرولوجية المناسبة (درجة الحرارة والرطوبة وغيرهما). من دون ذلك، لا يمكن عرض لوحات لرونوار قيمتها ملايين الدولارات. حصلنا على معايير متحف من الصنف الأول. بعد ذلك، يعتمد الأمر على عدد القاعات المتوفّرة لديك. يمكن برمجة كلاسيكيات، واستعادات للمخرجين المؤلّفين المعروفين، وعروض من تراث السينما المغربية، وورشات عمل للأطفال. هذا مهم جدًا. الروابط مع المدارس (الإعداديات والثانويات) والجامعات أساسية للغاية. ينبغي العمل على تنظيم ندوات أيضًا. هذا كل شيء.

(*) يقترح مراقبون تخصيص حيّز مهم من برنامج "السينماتيك" لاستغلال الأفلام المغربية، نظرًا إلى قلّة القاعات المتاحة، خاصةً بالنسبة إلى أفلام المؤلّف. ما رأيك بهذا؟
ـ لا أستغرب ذلك، لأن هناك صالات "سينماتيك" في أوروبا تعمل أيضًا على الاستغلال. في أمستردام وبروكسل مثلاً، هم أيضًا موزّعو أفلام. يقتنون حقوق الأفلام البلجيكية والهولندية ويعرضونها، إما لقلّة عدد "صالات فنّ وتجربة"، أو بسبب وجود عدد قليل من الصالات عامةً. لِمَ لا. لكن، كما أعلم، لـ"السينماتيك" المغربية صالة واحدة.

(*) صدقًا لا أعرف. كنت أرغب في مقابلة المديرة واكتشاف المكان. لكن للأسف لم يحصل هذا.
ـ يجب أن يحمل المدير مشروعه ويدافع عنه.

(*) رغم كلّ شيء، أعلنت المديرة أنها أقامت شراكة مع مارتن سكورسيزي ليكون الأب الروحي لـ"السينماتيك" المغربية.
ـ هذا جيّد. سكورسيزي افتتح "السينماتيك" الفرنسية، عندما حضر لافتتاح معرض "رونوار ـ رونوار" ومُشاهدة العرض الأول للنسخة المرمّمة من "النهر" (1951) لجان رونوار، وألقى خطابًا قال فيه: "هنا بيت السينمائيين". قبل تركي منصب المدير، في يناير/ كانون الثاني 2016، كرّست آخر معرض أشرفت عليه له، فحضر مجدّدًا وقال في كلمته: "عدتُ إلى بيتي".

لهذا قيمة رمزية كبيرة. بعدها، تناولنا العشاء في فناء "السينماتيك". دعوت 70 فنانًا خصيصًا لسكورسيزي، منهم هارفي كايتل وكاترين دونوف وفاني أردان وإيزابيل أوبير وغيرهم. فجأة، حضر رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند لتكريم سكورسيزي، الذي لم يُصدِّق عينيه. هذه طريقتنا لتكريم مخرج مهمّ يشعر أنه في بيته عندما يأتي إلينا، فأتينا برئيس الجمهورية إليه.

(*) وهي طريقة لتكريمك أنت أيضًا على العمل الممتاز الذي قمت به على رأس "السينماتيك" الفرنسية.
ـ إنْ شئتَ هذا، فليكن. لكني لم أقم سوى بوظيفتي.

(*) نعم، لكنك قمت بها جيدًا.
ـ عليك القيام بعملك بشغف.

(*) وبسخاء. فكّرت مؤخّرًا بهنري لانغلوا. كان السخاء يجري في عروقه. هذا شيء لا يمكن ارتجاله. السخاء الذي استقبل به الناس وتقاسم معهم أفلامه المفضّلة ووجباته، هو نفسه الذي أتاح له أن ينظر، قبل أي شخص آخر، إلى الأفلام على أنها تراث ينبغي حفظه.
ـ نعم. استقبل المخرجين بشكل جيد ليتمكّن من سلب كل شيء منهم، نسخهم من الأفلام والأزياء. لا يمكن تسيير "سينماتيك" إذا كنت تختبئ. أحببت إدارة "السينماتيك" لأنها عمل جماعي. "السينماتيك" الفرنسية غنية جدًا، فيها مجموعات عديدة وأجهزة وكاميرات وأزياء وملصقات ورسومات، إلخ. هناك أخصائيون رائعون إلى جانبي، كلوران مانوني الذي يعرف تاريخ السينما كما يعرف جيوبه. وظيفة المدير أن يجعل الجميع يعملون معًا.

(*) اليوم، أنت على رأس "أونيفرانس"، التي تعكس بُعدًا سينمائيًا فرنسيًا أقدّره كثيرًا، وهو إنتاج الأفلام وعرضها في جميع أنحاء العالم.
ـ نعم، هناك دول أوروبية أخرى تفعل ذلك، لكن فرنسا هي الأكثر انخراطًا في هذا الصّدد. نحن محظوظون، لأننا كنّا دائمًا نملك "سينفيليا" كونية. بفضل النقد ومجلات السينما ومهرجان "كانّ" و"السينماتيك". عرض لانغلوا أفلام الجميع، وقدّم المخرجين العظماء في العالم للجمهور الشاب والنقاد الذين صنعوا "الموجة الجديدة" لاحقًا: (كينجي) ميزوغوشي و(أوتّو) بريمنغر و(ألفرد) هيتشكوك. جميعهم. كانت لديه رؤية كونية، وهذا مهمّ جدًا. لا أقول ذلك للتفاخر، لكن فرنسا تعتبر نفسها "مهد السينما". لا أعرف ما إذا كان هذا حقيقيًا أم لا.

حاليًا، هناك اهتمام في كل مكان في العالم تقريبًا بتراث السينما. في الولايات المتحدة، يرمّمون أفلامًا كثيرة، لكن الفرق هو أنه لا توجد لديهم تقاليد عامة. كلّ شيء هو مبادرة من القطاع الخاص. هذا لا ينقص شيئًا من أهمية العمل الذي يقومون به. أموال الاستديوهات الكبيرة تفعل كلّ شيء هناك. الآن، هي علامات تجارية عالمية أكثر من كونها استديوهات سينمائية بالمعنى التقليدي. "سوني" و"ديزني" وغيرهما تنتمي إلى مجموعات رأسمالية ضخمة. في فرنسا، وزارة الثقافة تكفل التمويل إلى حدّ كبير. هناك نظام ضريبة على صالات السينما له فعالية شديدة، وفي الوقت نفسه لا تزال الدولة تلعب دورها كاملاً.

(*) كيف ترى النقاش حول "تراتبية الوسائط" ومكانة قاعات السينما في المعادلة؟
ـ حاليًا، نحن في خضمّ نقاش محتدم حول دور المنصّات. هناك أفلامٌ مهمة شاهدناها في مهرجان "كانّ"، كان يُفترض بنا (أونيفرانس) الترويج لها بمرافقتها في مهرجانات دولية. فوجئنا أنه تمّ شراؤها من قبل "نتفليكس". عندما تشتري "نتفليكس" حقوق فيلم ما، فإنها تكون "حقوق استغلال العالم بأسره"، بحكم أن زبائنها موزّعون في أنحاء العالم. المشكلة التي نواجهها هي أن "نتفليكس" تنصّ ـ في عقود شراء الأفلام مقابل سعر معيّن ـ على أن الشخص الذي يبيع الحقوق ليست لديه أية إمكانية لمعرفة كيف سيعيش الفيلم على المنصّة. غموض تام. أنت توقّع، وتستلم المال، وليست لديك إمكانية لمعرفة ما إذا كان الفيلم شوهد أو لم يُشاهَد، وإنْ شوهد فهل على نحو متوسّط، أو أنه حقّق نسبة مشاهدة مرتفعة.

من جهة ثانية، نحن في أوروبا اليوم نسعى إلى إجبارهم على احترام حقوق التأليف والنشر. يُفترض بالمؤلِّف أن يُكافأ بما يتناسب وحجم مبيعات فيلمه. الآن، المؤلِّف الذي يكتب فيلمًا لا يحصل على معلومات عن ترويج صنيعه. يأخذ مبلغًا من المال وينتهي الأمر.

(*) إنها مثل الثقب الأسود الذي يمتصّ الأفلام.
ـ بالضبط. المعركة مهمة. يجب عليهم احترام حقوق التأليف والنشر. الآن يُناقش هذا في بروكسل. أعتقد أن أوروبا ستتفق عليه في النهاية. الجانب الآخر الأهم هو إجبار المنصات على دفع الضرائب أينما كان لها عملاء. والضرائب تلك ستُستخدم لتمويل الإنتاج. هذا هو نظامنا. حتى الآن، إنهم يتّخذون من إيرلندا مكانًا لمكاتبهم، ولا يحترمون الحدود الوطنية. في فرنسا مثلاً، لديهم 4 ملايين مشترك. هذا يمثّل عائدات كبيرة، فمن الطبيعي أن يدفعوا ضرائب تُستعمل لتمويل الإنتاج. يتفق معنا حول ذلك الألمان. الأوروبيون جميعهم موافقون، باستثناء الدول الشمالية التي تدافع عن الحرية التامة. الحرية جيّدة، ولكن ليس عندما تُستخدم لتدمير السوق.

(*) هذا الجانب أساسي، لأنّ هناك من أراد حصر المشكلة مع المنصّات في النزاع مع مهرجان "كانّ".
ـ نعم. المشكلة أنهم يكسرون نموذجنا. "روما" (ألفونسو كوارون، 2018) عُرض على "نتفليكس". خصّصوا له حملة دعائية مذهلة في فرنسا: على الجدران، في المترو والشارع والأكشاك والصحف. أينما حللت، تجد قبالتك مُلصقًا دعائيًا: "روما ـ نتفليكس ـ 14 ديسمبر/كانون الأول 2018". بالضبط كما لو أنها حملة إطلاق فيلم في صالات السينما. الطباعة نفسها والسينوغرافيا نفسها. في الواقع، هم يهاجمون نموذجنا المالي. من هنا تنبع أهمية تراتبية الوسائط. هذه الأخيرة هي التي تحمينا. إذا انهارت غدًا، انتهى الأمر. سيتهاوى التمويل. التمويل توفّره بالطبع "كنال بلوس" و"أورانج"، بالإضافة إلى جهات مختلفة ونظام "التسبيق على المداخيل" (في حال توفّره). نظام كامل ومعقّد.

(*) والتلفزيونات الأخرى مثل "آرتي".
ـ نعم، "آرتي و"تي. أف. 1" و"فرانس تلفزيون". للكلّ مواعيد محدّدة لبثّ الأفلام، لكن الأولوية تبقى لصالة السينما لمدّة 4 أشهر. هذا باختصار مفهوم "تراتبية الوسائط". يستند نظامنا كلّه إلى ذلك. 5000 شاشة عرض استثمرنا فيها مالاً كثيرًا، و200 مليون متفرجّ. لا تزال فرنسا بلدًا فيها سينما، ولكن كل هذا قد يهوي بسرعة كبيره.

(*) وعندما تنهار المنظومة السينمائية في فرنسا، قلعة الـ"سينفيليا"، فإنها ستتهاوى في كلّ أنحاء العالم.
ـ نعم. سينتهي كلّ شيء. المعركة التي نخوضها اليوم حاسمة للغاية.
دلالات
المساهمون