27 ابريل 2016
سياق مفاوضات مخبوءة
لم نكن في حاجةٍ إلى تقرير تنشره صحيفة هآرتس الإسرائيلية، لكي نصبح على يقين أن هناك سياقاً تفاوضياً جارياً، بين السلطة الفلسطينية والمستوى الأمني الإسرائيلي، يتكتم عليه الطرفان. ولن يتردّد واحدنا في القول إن ما وصفته الصحيفة مفاوضات سريةً بدأت في التاسع من فبراير/ شباط الماضي ليس هو سياق التفاوض المخبوء، لأن هذا بدأ قبل ذلك التاريخ، أي بعد فترةٍ وجيزةٍ من انتفاضة الشباب الأخيرة. ولعل ما قصده المراسل السياسي لــ "هآرتس"، باراك رابيد، هو سياق الجلسات المنتظمة التي يترأس الوفد الإسرائيلي فيها المنسق بين حكومة نتنياهو والإدارة العسكرية الإسرائيلية، يؤاف مردخاي.
هذه المرة، يذهب الطرف الفلسطيني بنفسه، لكي يُلدغ من الجحر مرة ثانية. ولأنه لا يتعلم، ولا يقف وقفةً موضوعيةً مع نفسه، لكي يستفيد من التجارب؛ فإنه ما زال يقلب الأولويات، ويسعى إلى تدابير أمنية، تتأسس عليها السياسة، علماً أن المبتدئين في العمل الوطني العام، في أكثر البلدان تخلفاً، يعرفون أن الأمن يتأسّس على السياسة وليس العكس. فقد استأنست العناصر الفلسطينية، بتجربة أوسلو المخادعة التي اعتمدت طريقة التدرج في نقل مسؤوليات السيطرة الأمنية (وليس الولاية الأمنية) للفلسطينيين. ففي أوسلو، بدأوا بغزة وأريحا، وهذه المرّة يريدون البدء برام الله وأريحا. وهذه المفاوضات، هي سبب تلعثم قيادة السلطة في الحديث عن قرار المجلس المركزي الفلسطيني وقف التنسيق الأمني.
يستنتج كل من ينظر للمشهد الفلسطيني اليوم، بعين المراقب، أن أمراً مسكوتاً عنه، هو سبب التلعثم الكاريكاتوري، في أثناء الكلام الرسمي الفلسطيني عن استحقاق وقف التنسيق الذميم، ففضلاً عن تعلية الحديث عن موجبات تنصّل السلطة من هذا التنسيق، جرت التعلية، في الأسابيع الأخيرة، لمسألة وجود السلطة وضرورة بقائها "مُنجزاً وطنياً". وكان الأجدر أن يُقال، بصراحة وشجاعة، إن السلطة لا يمكنها وقف التنسيق الأمني، لأنه علة وجودها، وقد باتت رهناً له. عندئذٍ، يصبح من حسنات هذه المصارحة أن يتعزّز المسار الآخر، الكفاحي، للحركة التاريخية للشعب الفلسطيني. فما نحن بصدده، الآن، شئنا أم أبينا، هو وجود مساريْن لحركة الشعب الفلسطيني، واحدٌ تمثله إدارة لها مواصفات كل الإدارات المحلية التي شكّلها المستعمرون في مستعمراتهم، والثاني لنضالات الشعب الذي يرزح تحت نير احتلالٍ غاشم وعنيد!
اليوم، تقول المصادر الإسرائيلية، إن نتنياهو أجاز السياق المخبوء، فهو يلائمه ويحميه من غضب المتطرفين العنصريين الذين هم قاعدته الشعبية، وفي الوقت نفسه، هو لا يلتزم بشيء، ولن تضيره أية خطوة صغيرة، لإعادة الانتشار. وتتحدث التقارير الإسرائيلية أن نتنياهو حصل على موافقة حكومته، فليس في مثل مفاوضاتٍ كهذه، ما يزعج الوزراء الذين يمثلون المستوطنين. وتقول التقارير، أيضاً، إن الخطوة اتخذت، أصلاً، لمنع المساس بالتنسيق الأمني، والعمل على تفعيله أكثر، وتثبيت الموقف الميداني لصالح قوات الاحتلال.
في مفاوضات أوسلو السرية، والتي انتهت إلى اتفاقات عام 1993، ابتهج الفريق الفلسطيني المفاوض بالعناوين وبغواية المسؤوليات السلطوية الداخلية، وبالسمة الاحتفالية التي رافقت الإعلان عن النتائج. لكن الاتفاق، في جوهره، اعتمد منطق التنفيذ بالجملة والحل نفسه بالقطاعي، علماً أن أي حل لأي صراع أو نزاع يعتمد اتفاقاً بالجملة، ويكون التنفيذ هو الذي بالمفرق. وقع الفلسطينيون في الفخ، واستمرّت الحماقة التي تسعى إلى تأسيس السياسة على الأمن، وليس تأسيس الأمن على السياسة.
لقد بدا أن سياق المفاوضات المخبوءة تحثُّ عليه العناصر الأمنية الفلسطينية، وهي، على أية حال، عناصر غير مؤهلة أكاديمياً، ولا تفهم من فلسفة الأمن، سوى أنه ضامن الروقان والهدوء الذي يلامس التسليم بالمقادير. أما السياسي الذي يغطي سياقاً كهذا، فإن حسبته شخصية واعتبارية بامتياز، ولها علاقة بخاتمة حياته، وبالكيفية التي يراها لهذه الخاتمة، وبأمنه الشخصي ومقاربات انسحابه الآمن من المشهد كله، وقد وطّد العزم والأحاسيس على ألا يكترث بالتاريخ، وبما يقوله الناس بعد أن يُخلع!
هذه المرة، يذهب الطرف الفلسطيني بنفسه، لكي يُلدغ من الجحر مرة ثانية. ولأنه لا يتعلم، ولا يقف وقفةً موضوعيةً مع نفسه، لكي يستفيد من التجارب؛ فإنه ما زال يقلب الأولويات، ويسعى إلى تدابير أمنية، تتأسس عليها السياسة، علماً أن المبتدئين في العمل الوطني العام، في أكثر البلدان تخلفاً، يعرفون أن الأمن يتأسّس على السياسة وليس العكس. فقد استأنست العناصر الفلسطينية، بتجربة أوسلو المخادعة التي اعتمدت طريقة التدرج في نقل مسؤوليات السيطرة الأمنية (وليس الولاية الأمنية) للفلسطينيين. ففي أوسلو، بدأوا بغزة وأريحا، وهذه المرّة يريدون البدء برام الله وأريحا. وهذه المفاوضات، هي سبب تلعثم قيادة السلطة في الحديث عن قرار المجلس المركزي الفلسطيني وقف التنسيق الأمني.
يستنتج كل من ينظر للمشهد الفلسطيني اليوم، بعين المراقب، أن أمراً مسكوتاً عنه، هو سبب التلعثم الكاريكاتوري، في أثناء الكلام الرسمي الفلسطيني عن استحقاق وقف التنسيق الذميم، ففضلاً عن تعلية الحديث عن موجبات تنصّل السلطة من هذا التنسيق، جرت التعلية، في الأسابيع الأخيرة، لمسألة وجود السلطة وضرورة بقائها "مُنجزاً وطنياً". وكان الأجدر أن يُقال، بصراحة وشجاعة، إن السلطة لا يمكنها وقف التنسيق الأمني، لأنه علة وجودها، وقد باتت رهناً له. عندئذٍ، يصبح من حسنات هذه المصارحة أن يتعزّز المسار الآخر، الكفاحي، للحركة التاريخية للشعب الفلسطيني. فما نحن بصدده، الآن، شئنا أم أبينا، هو وجود مساريْن لحركة الشعب الفلسطيني، واحدٌ تمثله إدارة لها مواصفات كل الإدارات المحلية التي شكّلها المستعمرون في مستعمراتهم، والثاني لنضالات الشعب الذي يرزح تحت نير احتلالٍ غاشم وعنيد!
اليوم، تقول المصادر الإسرائيلية، إن نتنياهو أجاز السياق المخبوء، فهو يلائمه ويحميه من غضب المتطرفين العنصريين الذين هم قاعدته الشعبية، وفي الوقت نفسه، هو لا يلتزم بشيء، ولن تضيره أية خطوة صغيرة، لإعادة الانتشار. وتتحدث التقارير الإسرائيلية أن نتنياهو حصل على موافقة حكومته، فليس في مثل مفاوضاتٍ كهذه، ما يزعج الوزراء الذين يمثلون المستوطنين. وتقول التقارير، أيضاً، إن الخطوة اتخذت، أصلاً، لمنع المساس بالتنسيق الأمني، والعمل على تفعيله أكثر، وتثبيت الموقف الميداني لصالح قوات الاحتلال.
في مفاوضات أوسلو السرية، والتي انتهت إلى اتفاقات عام 1993، ابتهج الفريق الفلسطيني المفاوض بالعناوين وبغواية المسؤوليات السلطوية الداخلية، وبالسمة الاحتفالية التي رافقت الإعلان عن النتائج. لكن الاتفاق، في جوهره، اعتمد منطق التنفيذ بالجملة والحل نفسه بالقطاعي، علماً أن أي حل لأي صراع أو نزاع يعتمد اتفاقاً بالجملة، ويكون التنفيذ هو الذي بالمفرق. وقع الفلسطينيون في الفخ، واستمرّت الحماقة التي تسعى إلى تأسيس السياسة على الأمن، وليس تأسيس الأمن على السياسة.
لقد بدا أن سياق المفاوضات المخبوءة تحثُّ عليه العناصر الأمنية الفلسطينية، وهي، على أية حال، عناصر غير مؤهلة أكاديمياً، ولا تفهم من فلسفة الأمن، سوى أنه ضامن الروقان والهدوء الذي يلامس التسليم بالمقادير. أما السياسي الذي يغطي سياقاً كهذا، فإن حسبته شخصية واعتبارية بامتياز، ولها علاقة بخاتمة حياته، وبالكيفية التي يراها لهذه الخاتمة، وبأمنه الشخصي ومقاربات انسحابه الآمن من المشهد كله، وقد وطّد العزم والأحاسيس على ألا يكترث بالتاريخ، وبما يقوله الناس بعد أن يُخلع!