في العادة، يذهب القارئ إلى النص مثلما يذهب إلى موضوع. لا يدخله بل يراقبه، يقلّبه، وفي ظنه أن على النص أن يمنح نفسه للقادم إليه، للغازي، لمن يحاول امتلاكه، غافلاً عن أن أفعال الغزو والتملك تقيم مسافةً وفاصلاً بين النص وسياق القارئ.
يتصادم الاثنان، فإما أن يخضع النصُ لسياق القارئ ويندرج في مألوفه أو يستعصي، وعندها يُبعد بكل بساطة. ويتوقف الرنين، وتفقد كل شوكة جانبها الموجي، وتستقرّ في حيّزها الفقير منغلقةً مطمئنة.
الدخولُ في النص يعني الانتقال إلى مجالِ صيرورةٍ حية، حركة ذبذبات حرّة بين سياق قارئ يتعرّض للاهتزاز، وسياق نص يبدأ بالارتجاج حين نبدأ بالقراءة. هذه القراءة الحرّة المفتوحة تعني أن القارئ قد يعيد تنظيم سياقه، قد يُخرج من النص خلقاً جديداً.
النصُ المقصود بالطبع هو أكثر النصوص قدرة على أن يكون مجالاً لتعددية الأصوات، وتعددية الجهات، وإلا كيف يكون موجةً تارة وجسيماً تارة أخرى؟
التعدّد يتقدّم مثلما يتقدّم النور حين يضيء ما حولنا ويترك لنا حرية أن نذهب في هذا الاتجاه أو ذاك. النور يضيء كل شيء وكل كائن وكل عاطفة بالحنان نفسه الذي ينشره ضوء القمر الأزرق الخفيف فوق أشباحنا العابرة وفوق أوهامنا وحماقاتنا، كتّاباً وقراءً.