تباينت ردود أفعال الأحزاب والنواب في تونس حول تصريحات رئيس الحكومة، الحبيب الصيد، التي أدلى بها أمس لقناة تلفزيونية خاصة، بين مثمنٍ لرفض الصيد الاستقالة وتمسكه بالدستور، وبين منتقدٍ لغياب الجرأة الكافية لرئيس الحكومة، الذي فضل التحفظ على عدد من الحقائق والمسائل، في علاقته بالأحزاب واللوبيات السياسية.
ورأى نائب رئيس حزب "حراك تونس الإرادة"، عماد الدايمي، أنّ رئيس الحكومة التونسية، يُعتبر جزءا من المنظومة الحاكمة، وبالتالي يتحمل مسؤولية الأزمة التي تتخبط فيها تونس.
وأوضح أنّ حوار رئيس الحكومة، كانت فيه بعض المكاشفة عن الوضع الذي تمر به تونس، ولكنه لم يكشف الحقيقة كاملة، حول طبيعة الأزمة، وحقيقة الضغوطات التي يتعرض لها.
وأوضح الدايمي، لـ"العربي الجديد"، أن "الصيد أصاب بعدم قبوله الاستقالة، لأن استقالته كانت ستشكل انتصارا لمنطق المافيا وعصابات الدولة، وكانت ستشكل تكريسا للنمط الرئاسوي الفردي الذي يريده رئيس الجمهورية".
وبين الدايمي أنه كان يتمنى لو صمد الصيد أكثر أمام الضغوط التي يتعرض لها، وأن يترك رئيس الجمهورية أو تحالفه الحاكم يتحملون المسؤولية السياسية والأخلاقية، ويمرون عبر سحب الثقة وفق الإجراءات الدستورية التي ينص عليها الفصلان 99 و97 من الدستور، ولكنه فضّل رفع الحرج السياسي عن رئيس الجمهورية والأطراف السياسية المؤثرة، في ما عرف بحكومة الوحدة الوطنية.
وأكد الدايمي أن الصيد اختار التوجه بمفرده إلى البرلمان وطلب تجديد الثقة في حكومته، رغم أنه يعلم مسبقاً أن الوضع يتجه إلى سحب الثقة، وأن ما سيقوم به هو تسهيل لمهمة رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، لإزاحته.
وقال إن الصيد حرص على عدم إحراج أصحاب مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، الأمر الذي سيظل نقطة سوداء في سجل الرجل، رغم أن لا أحد يشكك في نزاهته ووطنيته، واجتهاده للقيام بدوره، رغم المناخات المعادية التي كانت تسعى إلى تنفيذ مخططات وخدمة لوبيات تريد أن تحكم.
وقال القيادي في حركة "النهضة"، عبد الحميد الجلاصي، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس الحكومة عمل في فترة صعبة جدا، وقدّم خدمات كبيرة لا أحد ينكرها، ولكنه لم ينجح كما كان يقتضي أن يكون في هذه الفترة.
واعتبر الجلاصي أن أسباب الفشل متعددة، ولا يتحملها رئيس الحكومة بمفرده، بل عديد الأطراف معه، معتبراً أن الصيد أراد من خلال تصريحاته التأكيد أنه على ذمة مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، وأنه في نفس الوقت يراعي مقتضيات الدستور.
وأضاف القيادي في حركة "النهضة"، أن العبرة تكمن في النظر في بقية المكونات والشروط الواجب توفرها لإنجاح مبادرة حكومة الوحدة، ومن هو رئيس الحكومة القادمة، مبينا أن الإشكال ليس في الصيد، بل في مدى قدرة الحكومة القادمة على تحقيق ما عجزت عنه حكومة الصيد.
من جهته، يرى الأمين العام لحركة "الشعب"، النائب زهير المغزاوي، أن تصريحات الصيد لم تكن مفاجأة، وما صرح به مسائل معروفة مسبقا.
وقال المغزاوي لـ"العربي الجديد"، إن الصيد لجأ إلى البرلمان، لأنه يرى أن هناك أطرافا تريد تحميله كلفة فاتورة الفشل، في حين أن الكلفة يتحملها الائتلاف الحاكم وحكومته. وأضاف أن هناك عدة تجاذبات، والمتابع للشأن السياسي يعرف جيدا أن رئيس الحكومة كان في مواجهة مع أطراف من حزب "نداء تونس" ولوبيات تريد أن تحكم.
وبيّن أن حديثه (الصيد) عن وجود تهديدات تريد إجباره على الاستقالة، مفهوم، خاصة أن المشهد السياسي الذي عمل فيه الصيد كان من أسوأ ما وجد على الإطلاق من مناخات وصراعات.
وأضاف الأمين العام لحركة "الشعب"، أن اللجوء إلى الدستور، حق يكفله القانون، ومن حق النواب تقييم مدى تطابق عمل الحكومة مع الواقع، مؤكدا أن الأسبوع القادم سيشهد مرحلة جديدة، حيث لن تتجدد الثقة في حكومة الصيد، بل ستكون انطلاقة للبحث عن بديل.
وأكد المغزاوي، أن الصيد بدا مقتنعا بذلك، وهو ما يظهر بوضوح في حديثه عن خليفته.
واعتبر المتحدث أنه كان على الصيد أن يكون أكثر جرأة ويتحدث عن مسؤولية كل الأطراف، ولكنه اختار التحفظ، وهذا الأمر من حقه.
في السياق، قال القيادي في الحزب الجمهوري، عصام الشابي، لـ"العربي الجديد"، إنّ رئيس الحكومة رفع الضبابية التي ظهرت في الفترة الأخيرة، وقرر الذهاب إلى البرلمان، لتكون الجلسة البرلمانية محطة انتقالية أخرى.
وأضاف، أن رئيس الحكومة قيّم أداء فريقه وفترة عمله، مبينا أن الحزب الجمهوري ومنذ فترة صرح بأن الفريق الحكومي والائتلاف الحاكم تعوزه الإرادة السياسية لطرح الملفات الكبرى وتحديد الأولويات.
وأفاد الشابي، بأنه يجب النظر إلى المستقبل وأخذ العبر من تجربة حكومة الصيد، ووضع الخلافات والتجاذبات جانبا، معتبرا أن حديث الصيد كان حلقة أخرى من عدم الانسجام والصراعات.
وبيّن أن عديد الأطراف تتحمل الفشل، ولكن الصيد يتحمل الجزء الأكبر منه، باعتباره رئيس حكومة. وأضاف أن ردود الفعل الأولية على تصريحات الصيد تندرج بدورها في إطار الصراع الذي كان تأثيره سلبيا على نسق العمل الحكومي، وعلى الإصلاحات التي تتطلبها المرحلة. وأكد أنه لا بد من التأسيس لمرحلة جديدة تكون أكثر وضوحا، وأن تغلّب الأحزاب وكل من وقع على وثيقة قرطاج، المصلحة العليا للوطن، ويعمل الجميع على إنقاذ البلاد من الأزمة التي تمر بها.