عاد الجدل إلى الساحة الإيرانية من جديد، بين رئيس الوفد النووي المفاوض، وزير الخارجية محمد جواد ظريف من جهة، ونواب البرلمان الإيراني المحافظين في معظمهم من جهة أخرى، إذ تم استدعاء ظريف إلى البرلمان مرة أخرى يوم أمس الثلاثاء، ليجيب عن أسئلة بعض النواب المتعلقة بسياساته المتّبعة في المفاوضات النووية مع الغرب.
تتلقى سياسة ظريف العديد من الانتقادات، ويراقبها المتشددون في البلاد عن كثب، فهؤلاء يرفضون تقديم أي تنازلات مصيرية للغرب، ويتحفّظون على سياسة الانفتاح أساساً. وظريف الذي يتوجّب عليه تقديم تقرير مفصل للنواب عن مجريات المحادثات النووية بعد عودته من كل جولة، وجد نفسه في قاعة البرلمان أمام كل النواب في جلسة علنية، بعد أن طُرحت عليه عدة أسئلة خلال جلسة سابقة له مع لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية التابعة للبرلمان، وعلى ما يبدو، فإن إجاباته لم تكن مقنعة بالنسبة للبعض، فتم جرّه بنجاح إلى جلسة المحاسبة هذه.
النائب كريمي قدوسي المعارض بشدة لسياسات ظريف، هو الذي يطلق هذه الحملة من الأسئلة والمساءلات بحق وزير الخارجية، ويواليه أربعون نائباً، وهو من طرح أسئلته بشكل أساسي خلال جلسة الأمس. ويعتبر هذا النائب أن المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، يدعم الوفد المفاوض، وهو ما يقوم به الكل في إيران، ولكنه يشير إلى أن لا أحد في إيران يرضى بالتنازل عن الحقوق النووية. ويرى قدوسي أن اتفاق جنيف المؤقت والموقّع قبل أكثر من عام، لا يراعي هذه الحقوق، كونه علّق تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المائة، وهو ما سأل قدوسي عن سببه.
كما سأل قدوسي أيضاً عن هدف عقد اجتماعات ثنائية متكررة بين الوفدين الإيراني والأميركي، على الرغم من انتقاد هذه الخطوة من قِبل العديدين في الداخل الإيراني. إلا أن ظريف كرّر هذا الأمر في جولات التفاوض اللاحقة. فتساءل قدوسي عن سبب إيلاء وزير الخارجية هذا الاهتمام بالفريق الأميركي، بدلاً من اجتماعه مع بقية الدول الست، وتساءل أيضاً عن سبب اختيار مدن كنيويورك وجنيف لاستضافة جولات المحادثات المتكررة.
كما يستهجن هذا النائب ومن معه توجيه ظريف كلمة في وقت سابق للجنة العلاقات الخارجية الأميركية، والتي طلب منهم فيها تأييده، والتسريع في توقيع اتفاق قبل عقد انتخابات مجلس الشورى الإسلامي والتي ستنطلق بعد عام تقريباً، إذ اعتبر ظريف أن الفشل سيؤدي إلى انتخاب من يقفون ضد الغرب. ويسأل قدوسي، وزير الخارجية ظريف "هل هذا يعني أنك مع الغرب؟".
تعددت الأسئلة الموجّهة لظريف، فبعض النواب سألوه عن سبب السماح لمنسّقة الشؤون الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، بلقاء أفراد من المعارضة الإيرانية أو ممن يُوصفون بمثيري الفتن، خلال زيارتها السابقة لطهران؟ ولم لا يغيّر سياسته على الرغم من فرض المزيد من العقوبات الأميركية على البلاد، مع أن اتفاق جنيف يُعلّق في نصه فرض العقوبات طيلة مهلة التفاوض؟
كما سُئل وزير الخارجية عن سبب عدم تقديمه تقارير للمواطنين الإيرانيين، وعدم السماح بمناقشة وتحليل مجريات المحادثات النووية في وسائل الإعلام الإيرانية، ولمَ بالأساس طرح اقتراح إعادة توقيع إيران للبروتوكول الإضافي، وهو البند الذي يسمح بتفتيش المنشآت النووية بشكل مفاجئ خلال أربع وعشرين ساعة، وهو ما لا يعتبر من صلاحياته ولا من صلاحيات وفده.
من جهته، ركّز ظريف على عدة نقاط من دون أخرى، فقال إنه في المحادثات التي يترأسها يحاول تحقيق مصلحة كل الإيرانيين، ولا يرفع راية حزب من دون آخر، ولا يحاول تحقيق أهداف سياسية معينة.
واعتبر ظريف أنه حقق نجاحاً حتى الآن، فالمحادثات أبعدت شبح التهديدات العسكرية عن إيران، وحسّنت الوضع المعيشي للإيرانيين، والأهم هو اعتراف الكل في العالم بالدور الإيراني في السعي إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، مشيراً إلى أن أحداً لم يعد يكترث بالاتهامات الإسرائيلية، والكل بات يدرك قوة البلاد، حسب رأيه.
كما رأى ظريف أيضاً أن المحادثات غيّرت وجه إيران أمام العالم، وحققت الهدف الأول، وهو الخروج من العزلة الدولية، وإنهاء سياسة شيطنة إيران، لافتاً إلى أن اتفاق جنيف جعل الأجواء أكثر إيجابية، وهيأ الظروف للمزيد من التعامل الدبلوماسي، وهو ما يساعد على بناء إيران من الداخل.
وعن تقديم التنازلات، قال ظريف إنه لم يناقش أساساً إيقاف التخصيب، ولا استمراره في بلد آخر غير إيران، ما يعني الحفاظ على الحقوق الإيرانية، على الرغم من أنه رأى أن ما حدث منذ عام حتى الآن حقق لإيران الكثير على عدة مستويات.
هذا الكلام لم يكن كافياً لقدوسي ولنواب آخرين، ولكن عند فتح باب التصويت حول ما إذا كانت أجوبة ظريف كافية أم أنها ستجره إلى مساءلة جديدة وربما إلى تهديد بالعزل، وافق 125 نائباً من أصل 229 كانوا حاضرين في الجلسة، على ما قاله ظريف، فيما اعترض 86 نائباً، ولم يُبدِ ثمانية منهم رأيهم، على الرغم من مشاركتهم في التصويت، فيما امتنع عشرة نواب عن المشاركة.
وعلى الرغم من أن ظريف استطاع أن ينفذ هذه المرة، والسبب هو خطابه الذي أكد فيه على أن المرشد يدعم سياسة الوفد المفاوض، وبأنه لا يمكن أن يقدّم تنازلات، بل إنه يتبع سياسة لتحسين الوضع الإيراني في الداخل والخارج، لكن هذا لا يعني أن الصقور المتربصة به ستهدأ.
فبعد توقيع اتفاق جنيف، الذي علّق التخصيب بنسبة عشرين في المائة وسمح باستمراره بنسبة خمسة في المائة فقط، لوّح النواب المتشددون بالتصويت على مشروع قرار يجعل إقرار نسبة التخصيب من صلاحياتهم. وزادت الانتقادات لسياسة ظريف، إلى أن صدرت تصريحات من خامنئي الذي أمسك العصا من الوسط، فأكد ضرورة دعم الوفد المفاوض، على الرغم من إعلانه عدم تفاؤله بالنتيجة وعدم ثقته في الغرب.
ما يعني إعطاء فرصة للدبلوماسية، عساها تخرج بإيران من أزمات اقتصادية أثقلت كاهل مواطنيها، وتعيد لها ثقلها الإقليمي بعد تراجعه خلال السنوات الماضية.