مع نهاية أول أسبوعين في رئاسته، تمكّن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من تسجيل رقم قياسي في "خبطاته"، داخلياً وخارجياً. وشغل ترامب الساحة الداخلية الأميركية بسيل من القرارات التنفيذية المثيرة للجدل، ثم استدار باتجاه السياسة الخارجية، ليطلق تصريحات ويتخذ مواقف أثارت الدهشة والاستغراب، بالإضافة إلى القلق، إذ شملت الحليف القديم أستراليا، والجار المكسيكي مرة أخرى، كما صوبت على روسيا بصورة غير متوقعة، لتنتهي بالمستوطنات الإسرائيلية وإيران.
وما جاء حول المستوطنات كان مفاجئاً، رغم أنه يعود إلى قاموس الإدارات السابقة، إذ إن التعبير عن أن التوسع الاستيطاني "لا يساعد على السلام"، سبق وكررته الإدارات السابقة، حين كانت تعتبر أنه "يعرقل" مفاوضات السلام. لكن توقيت ما صدر عن البيت الأبيض، الذي يأتي قبل أيام من زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو لواشنطن، ورمزيته لصدوره على خلفية تأجيل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كان كافياً للتوقف عنده، فهو تكرر عبر مفردات تعتبر غريبة قياساً بخطاب الإدارة المعروف. وترك تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض، الذي أشار فيه إلى أن "ترامب ملتزم بالسلام في نهاية المطاف، باعتبار أن السلام هو الهدف"، انطباعاً بأن صوت الحذر هو الغالب، على الأقل مؤقتاً، إذ لا ضمان لتمسك إدارة ترامب بهذا الموقف، ولو أن ما جاءت به لا يزيد، في إطاره الراهن، عن "فرقعة" عابرة.
لكن التأزم مع إيران هو ما استحوذ على الاهتمام، فحضور مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، الجنرال مايكل فلين، إلى قاعة الصحافة في البيت الأبيض، للإدلاء بتصريح، بدا كأنه إنذار بصيغة تحذير، يحمل كل صواعق التفجير. وتعزز هذا التخوف بتصاعد لغة التراشق الإعلامي بين الطرفين، وفرض عقوبات أميركية جديدة على طهران. لكن مع ذلك، يسود الاعتقاد بأن الوضع "تحت السيطرة"، ومن المستبعد حصول مواجهة بينهما قريباً. وحسب معظم القراءات فإن القضية ما تزال في إطار لعبة "العض على الأصابع"، فضلاً عن أن هناك صمامات أمان في دائرة القرار الأميركي، متمثلة بشكل رئيسي، بوزيري الدفاع، جيمس ماتيس، والخارجية ريكس تيلرسون، وخصوصاً أن هناك حرصاً مشتركاً على عدم تعريض الاتفاق النووي للخطر. لكن هناك خشية من وقوع خطأ غير مقصود، يؤدي إلى الانزلاق باتجاه مواجهة.
ولا يعكس ما حصل خلال اليومين الماضيين معالم سياسة خارجية متماسكة، بقدر ما يشكل رسالة تذكير بأن ترامب عازم على تجاوز المألوف في تعامله مع العالم، وحتى مع الحلفاء، وأنه جاد في شعاره "أميركا أولاً"، وهو أراد إبلاغ الجميع أنه لا يوجد في سياسته الخارجية مكان لمذهب الدبلوماسي جورج كانن، الذي أرسى السياسة الخارجية الأميركية في العام 1947، على ركيزة "الاحتواء" في التعامل مع الاتحاد السوفييتي آنذاك، كما أن لا مكان لديه لمذهب "التحالف" الذي دشن في العام 1949، عبر إنشاء حلف شمال الأطلسي. ويحتفظ ترامب بركيزة معروفة بمعادلة "العصا والجزرة". وهو أسقط الجزرة ليلوح بالعصا، على الأقل، من أجل ترك الآخر في حالة من الحيرة.