سياسة ترامب الإيرانية بين طلبات الرياض ورغبات تل أبيب

10 مايو 2018
ترامب حقق وعداً جديداً من وعوده الانتخابية (Getty)
+ الخط -
لعل من أبرز الأسئلة التي أثارها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة العمل بنظام العقوبات الاقتصادية ضد طهران سؤال بديهي طرحه مؤيدون ومعترضون على قرار ترامب يتعلق بمدى فاعلية العقوبات الأميركية وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية في ظل استمرار الالتزام الأوروبي بالاتفاق مع إيران ومعارضة العودة إلى سياسة العقوبات الاقتصادية ضدها.

يتفق المؤيدون لخطوة استئناف العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران مع وجهة النظر الإسرائيلية والسعودية التي ترى أن العقوبات ستفاقم الأزمة الاقتصادية داخل إيران وستؤدي إلى إشعال اضطرابات شعبية، تراهن إدارة ترامب مصحوبة بالحليفين السعودي والإسرائيلي، على أن تؤدي إلى سقوط النظام المتشدد القائم في طهران لأنه لن يقوى على مواجهة القوة الاقتصادية الأميركية والسعودية والإسرائيلية.
وانعكس الارتياح السعودي تحديداً لقرار الانسحاب في مسارعة الرياض إلى الترحيب بالخطوة، مؤيدة إعادة فرض العقوبات على طهران على اعتبار أن الأخيرة "استغلت العائد الاقتصادي من رفع العقوبات عليها واستخدمته للاستمرار في أنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة، خصوصاً من خلال تطوير صواريخها الباليستية، ودعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة". وأكدت "ضرورة معالجة الخطر الذي تشكله سياسات إيران على الأمن والسلم الدوليين بمنظور شامل، لا يقتصر على برنامجها النووي، بل يشمل كافة أنشطتها العدوانية، بما في ذلك تدخلاتها في شؤون دول المنطقة ودعمها للإرهاب".


ولعل من أبرز المآخذ على القرار الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران أن إدارة ترامب لا تملك تصوراً واضحاً أو خطة بديلة لمرحلة ما بعد الانسحاب من الاتفاق مع إيران. فالقرار اتخذ لاعتبارات إرضاء الناخبين الأميركيين المحافظين الذين وعدهم ترامب خلال الحملة الانتخابية الرئاسية بإلغاء الاتفاق فور وصوله إلى البيت الأبيض وكذلك تلبية لرغبات وطلبات إسرائيلية وسعودية.

فالانسحاب الأميركي هو أمر جيد بالنسبة للسعوديين بغض النظر عن مخاطر عدم وجود خطة واضحة لدى إدارة ترامب حول كيفية التعامل مع تداعيات المواجهة مع إيران في الشرق الأوسط. وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن السعوديين والإسرائيليين وجدوا في مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون حليفاً قوياً في البيت الأبيض يشاطرهم الرأي بأن المواجهة الحقيقية للتهديدات الإيرانية النووية والتوسعية في الشرق الأوسط لا تتم إلا من خلال تغيير النظام في طهران. لكنها في الوقت نفسه لخصت مخاطر تحرك ترامب بأنه سيؤدي
إلى تشجيع القوى المتشددة في إيران، ما يزيد من خطر الانتقام الإيراني ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة، فضلاً عن تغذية سباق التسلح في الشرق الأوسط وتأجيج الصراعات الطائفية من سورية إلى اليمن.

وينطلق المعارضون لخطوة الانسحاب من الاتفاق النووي من حقيقة أن الإلغاء يعني إعطاء إيران حرية مطلقة في تخصيب اليورانيوم والعمل الحثيث على تطوير قدراتها النووية من أجل امتلاك سلاح نووي في أسرع وقت ممكن، بعيداً عن أية رقابة دولية. وهم يرون أن العقوبات الاقتصادية الأميركية هي بلا جدوى وليس لها أي معنى في ظل العلاقات الاقتصادية الطبيعية القائمة بين إيران وأوروبا. ويرد المؤيدون بأن طهران تعلم أن أي خطوة باتجاه امتلاك السلاح النووي ستكون حجة مباشرة للولايات المتحدة وإسرائيل لتنفيذ ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية والأسلحة الصاروخية الإيرانية.
ولا يخفي المؤيدون للانسحاب من الاتفاق رهانهم على أن تؤدي عودة العقوبات الاقتصادية الأميركية إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد النظام الإيراني خصوصاً في ظل الانهيارات التي تصيب الاقتصاد الإيراني.
وفي ندوة عقدت قبل أيام في العاصمة الأميركية وتناولت مستقبل الحركة الإصلاحية في إيران على ضوء الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المدن الإيرانية في الأشهر الأخيرة، رأى المستشار السابق للشؤون الإيرانية في الخارجية الأميركية، دانيال برومبرغ، أن التورط الإيراني في صراعات الشرق الأوسط وتهديد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني هي من أبرز العوامل التي تمنع توحيد الفئات الإيرانية المتضررة من سياسات المحافظين القابضين على الحكم في طهران.
فالتوتر في العلاقات الأميركية الإيرانية، والذي بلغ ذروته مع إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، يراه الباحث الأميركي المتخصص بالشأن الإيراني دانيال برومبرغ، أفضل هدية من اليمين الأميركي للجناح المتشدد في النظام الإيراني.
ويشير برومبرغ إلى أن المتشددين في إيران يتذرعون بتصعيد ترامب لهجته ضد إيران لقمع المعارضين وتضييق الخناق على المطالبين بالإصلاح. ولا تخفي وجهة النظر الأميركية هذه نزعتها للمراهنة على التوجهات الإصلاحية للرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي شكل انتخابه عام 2013 فرصة لإجراء تعديلات على معادلات القوى داخل النظام الإيراني، حسب برومبرغ.

ويرى الخبير الأميركي أن موقع الرئاسة الإيرانية هو واحد من أقطاب التأثير في القرار الإيراني. طبعاً بعد موقع المرشد علي خامنئي، الذي يملك السلطة المطلقة وحق الفيتو على كل القرارات وفق نظام الجمهورية اإاسلامية الإيرانية، وأيضا بعد "الحرس الثوري" وصلاحياته الأمنية والاقتصادية الواسعة. فالحياة السياسية والانتخابات البرلمانية والرئاسية يحكمها صراع الأجنحة ومراكز القوى داخل النظام التي تختلف رؤية كل جناح منها إلى مستقبل إيران.
يلاحظ برومبرغ أن روحاني صعّد انتقاداته العلنية للمحافظين بعد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها إيران مطلع العام الحالي، من خلال دعوته العلنية إلى ضرورة التعامل مع المطالب السياسية للمحتجين إلى جانب تلبية مطالبهم الاقتصادية. ويرى أن الرئيس الإيراني قصد بانتقاداته الهتافات التي أطلقها المحتجون في مشهد والمدن الإيرانية الأخرى ضد التدخل في سورية الذي يكلف الخزينة الإيرانية مليارات الدولارات يقتطعها الحرس الثوري تحت ستار المجهود الحربي لحماية نظام بشار الأسد ومن أجل تقديم الدعم لحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.
ويخلص الباحث الأميركي إلى أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني سيضيق هامش المناورة أمام روحاني ويعطي الضوء الأخضر للمتشددين في الحرس الثوري لقمع أي شكل من أشكال الاحتجاج والاعتراض وتخويف الإيرانيين بأن نزولهم إلى الشوارع احتجاجاً على انهيار الأوضاع الاقتصادية يعرض بلدهم لنيران الحروب المشتعلة في بلدان الشرق الأوسط.