الخروج من عباءة الدولار...سياسات ترامب تزيد توجه الدول لزعزعة العملة الخضراء

30 ابريل 2018
الصين تلوّح باستخدام اليوان في الحرب التجارية مع واشنطن(Getty)
+ الخط -
تكررت محاولات بعض الاقتصادات الكبرى والنامية على مدار السنوات الماضية للتخلص من هيمنة العملة الأميركية، إلا أن هذه المحاولات لم تسجل نجاحاً كبيراً، بينما تشير مراكز اقتصادية عالمية ومحللون ماليون، إلى أن السياسات الأميركية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب قد تزيد فرص النجاح للدول الساعية للخروج من عباءة الدولار وسطوته.
ولم تعد الصراعات التجارية والتوترات السياسية، الأكثر تحفيزاً للدول للدخول في مناوشات مع الدولار، وإنما أضحت مشاكل الاقتصاد الأميركي ذاته، تمثل بواعث قلق للكثير من الاقتصادات الدولية المرتبطة بالعملة الخضراء.

فقد انتخب الأميركيون ترامب في 2016 لأسباب كثيرة، يرى بعض المحللون أن أهمها كان سياساته الحمائية، وما وعد به من انتعاش اقتصادي وخلق فرص عمل، بعد أن رفع شعار "نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وأكد أنه سيضع المصالح الاقتصادية لبلاده قبل أي شيء آخر، لكن عندما بدأ ترامب في تطبيق سياساته، شعر الكثيرون بالقلق من أن يكون لبعض تلك السياسات تأثير سلبي على الداخل الأميركي.
وفي وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري، أصدر صندوق النقد الدولي تقرير "آفاق النمو العالمي"، توقع فيه أن يزداد عجز الميزان التجاري الأميركي بحوالي 150 مليار دولار في حالة نشوب حرب تجارية شاملة مع الصين.

كما توقعت دراسة حديثة صادرة عن معهد بروكنجز في واشنطن، أن تفقد الولايات المتحدة أيضاً 2.1 مليون وظيفة، في 40 صناعة أميركية، حال نشوب الحرب التجارية، كما رجحت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، على هامش اجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين، التي اختتمت أعمالها في الثاني والعشرين من إبريل/نيسان الجاري، أن تنخفض مديونية كل دول العالم خلال السنوات الثلاث القادمة، إلا الولايات المتحدة.
وأكد تقرير الراصد العالمي، الذي صدر عن صندوق النقد أيضاً في وقت سابق من الشهر الجاري، وصول عجز الموازنة الأميركية إلى تريليون دولار خلال ثلاث سنوات.

ووفق بيانات وزارة الخزانة الأميركية الصادرة في مارس/آذار الماضي، تجاوز الدين 21 تريليون دولار لأول مرة. وقفز الدين بنحو تريليون دولار في أول عام من حكم ترامب.
وكان ترامب قد اقترح أثناء حملته الانتخابية تسديد ديون أميركا في ثماني سنوات في حال استمر في البيت الأبيض لولايتين رئاسيتين.
ويبدو خفض الديون شبه مستحيل في ظل خطة خفض الضرائب التي أجازها بنهاية العام الماضي 2017، والتي تعني عملياً، وحسب قول خبراء اقتصاد، أن دخل الحكومة الأميركية من الضرائب سينخفض، علما بأن الحكومة الأميركية تعتمد على الدخل الضريبي في دعم الميزانية.

كما تحدث ترامب خلال حملته الانتخابية عن إمكانية طباعة النقود لتسديد الديون أو مساومة الدائنين لخصم جزء من ديونهم، وباتت خطوات خلال الأشهر الأخيرة أكثر لإزعاجا للاقتصادات الدولية.
ومع وجود توجه لدى صانعي السياسة النقدية في الولايات المتحدة لرفع معدلات الفائدة، وتقليص حجم ميزانية الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي)، وتأكيد ترامب أنه يفضل دولاراً ضعيفاً، من أجل دعم الصادرات، فقد تجد بعض الدول نفسها مضطرة للابتعاد عن العملة الأميركية.

وقد أظهرت تقارير وزارة المالية اليابانية انخفاض صافي استثمار اليابانيين من السندات العالمية وأغلبها أميركية خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من فبراير/ شباط الماضي، حيث حققت صافي بيع يقدر بحوالي 20 مليار دولار.
وكان اليابانيون قد باعوا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام 2017، أكثر من ثلاثين مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الدولار أمام الين الياباني بنسبة 8% خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الحالي 2018.

ولكن كانت هناك دول أخرى لها حساباتها الخاصة مع الولايات المتحدة، الأمر الذي فرض على قادتها التحول عن الدولار. وكانت آخر الدول التي أخذت هذا التوجه هي إيران، حيث أعلنت قبل أسبوع تحولها إلى اليورو لتسوية معاملاتها وحساباتها الخارجية، على خلفية تهديد ترامب في أكثر من مناسبة بفرض عقوبات اقتصادية عليها والانسحاب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
وكانت لإيران محاولات سابقة، خاصة في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، لبيع النفط مقابل اليورو، لكن سيطرة الدولار على سوق السلع الأولية حتى الآن كانت واضحة للجميع.

أما الصين، والتي ظهرت إرهاصات حربها التجارية مع الولايات المتحدة خلال الشهرين الأخيرين، فمن الواضح أنها قررت استخدام كافة الأسلحة التي في حوزتها في هذه الحرب حال نشوبها.
وكان من ضمن تلك الأسلحة محاولة زعزعة هيمنة الدولار على الأسواق العالمية، حيث أنشأت الصين في مارس/آذار الماضي أول بورصة للعقود المستقبلية للنفط الخام المقومة بالرنمينبي الصيني.

لكن محاولات الصين للدفع بعملتها كبديل للدولار في تسوية المعاملات الدولية، أو حتى لزيادة حصتها فيها، تواجه الكثير من العوائق، أولها حداثة انفتاح الصين على الأسواق العالمية.
وتقول ريبيكا كامباني من معهد بروكينجز إن "نجاح الرنمينبي (أو اليوان) الصيني في أن يكون عملة عالمية يتطلب إعادة التوازن للاقتصاد الصيني، وتطوير الأسواق المالية للبلاد وفتحها أمام بقية العالم، مع الانتقال إلى سعر صرف أكثر مرونة".

وبالفعل، لم تدخر الصين جهداً، فعمدت إلى تخفيف القواعد التنظيمية لديها في محاولة لجذب المزيد من المعاملات التجارية إلى الرنمينبي، وأنشأت لذلك شبكة من بنوك مقاصة الرنمينبي، وعقدت العديد من اتفاقيات مبادلة العملات مع العديد من البنوك المركزية الأجنبية، وعززت تواجدها في أكبر المراكز المالية في جميع أنحاء العالم.
ونتج عن ذلك نشاط كبير لعمليات بيع وشراء السندات المقومة بالرنمينبي في هونغ كونغ وأسواق أخرى على أمل أن يتصبح العملة الصينية أحد الأصول الاحتياطية العالمية الجديدة، كما نجحت بكين في إقناع صندوق النقد الدولي بأن يدخل الرنمينبي في سلة العملات التي تحدد قيمة حقوق السحب الخاصة، أحد أهم مكونات الأصول الاحتياطية حول العالم.

وأشار تقرير حديث صادر عن وزارة الخزانة الأميركية إلى انخفاض ما بحوزة الصين من سندات الخزانة الأميركية بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، للشهر الثالث على التوالي، ولتصل إلى أقل مستوى لها في ستة أشهر، والتي تقدر بنحو 1.2 تريليون دولار.
ورغم كل تلك الجهود، فإن شركة سويفت، التي تقوم بتنفيذ التحويلات حول العالم، تقول إن حصة الرنمينبي في التحويلات الداخلية والخارجية لا تتجاوز 1.6% من إجمالي تلك التحويلات، كما أن العملة الصينية تشكل 1.2% فقط من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي حول العالم.

ولم تكن إيران والصين وحدهما في محاولات الخروج من عباءة الدولار، فقد حولت روسيا جزءاً كبيراً من احتياطياتها من الدولار إلى الذهب، كما أصدرت حكومة فنزويلا قبل أسابيع عملة مشفرة، تستجير بها من انهيار عملتها، دون الوقوع في براثن الدولار كما فعلت أغلب الدول التي انهارت عملاتها من قبل.
كما ذكرت صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية، الأسبوع الماضي، أن تركيا سحبت ما لا يقل عن 28 طنا من مرافق التخزين الأميركية، تحسبا لتصعيد مع واشنطن التي يزعجها التقارب التركي مع روسيا.

وفي 4 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني في طهران، أن تركيا وإيران قررتا التعامل بالعملات المحلية في علاقاتهما الاقتصادية بهدف التخلص من ضغوط العملات الأجنبية.
ودعا أردوغان لاحقا دول مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، وهي تركيا وإيران وباكستان وبنغلادش وماليزيا وإندونيسيا ومصر ونيجيريا، إلى استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية.



المساهمون