تضييق وجريمة قتل ورضوخ لقراصنة، حوادث تثير الجدل حول شركة "أوبر" في وطنها الأصلي أميركا وحول العالم.
عادت أخبار شركة "أوبر" العاملة في قطاع سيارات الأجرة في الولايات المتحدة الأميركية والعالم إلى صدارة المشهد الإعلامي الأميركي في الأيام والأسابيع القليلة الماضية. لكنّ هذه العودة لم تكن لصالح الشركة التي تعتبر من أكبر شركات الديجيتال العاملة في قطاع سيارات الأجرة وخدمات التوصيل، وصاحبة السبق عالمياً في الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات وتطور قنوات الاتصال.
خلال الأشهر القليلة الماضية تعرضت الشركة لعدد من الهزات أدت إلى الإطاحة بمديرها التنفيذي السابق وأحد مؤسسيها وتغيير في مجلس إدارتها. وفي الخارج تزايدت المواجهات، بسبب تضارب المصالح، بين الشركة الأميركية المعولمة والشركات الوطنية العاملة في قطاع النقل وسيارات الأجرة في عدد من البلدان الأوروبية والشرق أوسطية. وهو ما قد يعتبر إشارة إلى حجم الأضرار التي يمكن أن تلحق بالشركات الأميركية خارج الولايات المتحدة رداً على السياسات والمعايير الجديدة التي بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب في اعتمادها لإعادة التوازن إلى الاتفاقيات التجارية مع العديد من دول العالم.
القضاء البريطاني ضيّق الخناق على عمل الشركة الأميركية في لندن والمدن البريطانية الأخرى وأصدر أحكاماً تخضع شركة "أوبر" في بريطانيا للقوانين التي تنظم عمل شركات التاكسي وحرمتها من امتيازات عدة كانت تحصل عليها بموجب الترخيص المعطى لها كشركة تعمل في الفضاء الافتراضي. ويرجح أن تتخذ محاكم في دول أوروبية أخرى قرارات مشابهة لأحكام القضاء البريطاني ضد "أوبر" لحماية شركاتها الوطنية والتعامل مع الولايات المتحدة بالمثل.
الأخبار الأكثر سوءاً كانت قد جاءت من العاصمة اللبنانية بيروت حيث قتلت دبلوماسية بريطانية على يد سائق يعمل لدى شركة "أوبر". ولولا تعاون الشركة الكامل مع المحققين في الحادث وتقديم معطيات موثقة ومهمة حول تفاصيل الجريمة وهوية منفذها لكان هناك توقف عند تزامن الجريمة والأحكام القضائية التي صدرت ضد "أوبر" في لندن.
قبل الأحكام البريطانية بأيام قليلة أثير في وسائل الإعلام خبر تعرض الشركة لعملية قرصنة إلكترونية. وما زاد الطين بلة هو الكشف لاحقاً أنّ الشركة دفعت 210 آلاف دولار فدية مالية للقراصنة لاستعادة نحو 50 مليون ملف معلومات سرقت من قاعدة بيانات الشركة، فيها أسماء وعناوين وأرقام هواتف الزبائن والموظفين. أقرت "أوبر" أنّ الإدارة السابقة للشركة أخفت عملية اختراق معلومات شخصية لـ57 مليون مستخدم وقعت العام الماضي ودفعت فدية مالية لاستعادة المعلومات المقرصنة وضمان عدم إساءة استخدامها. وطردت الشركة كبير مسؤولي الأمن جو ساليفان ونائبه كريغ كلارك، بسبب ثبوت دليل تواطئهما في عملية القرصنة، وتعاقدت مع شركة أمن إلكتروني للتحقيق في الاختراق، بالإضافة إلى إعادة هيكلة قسم عمليات الأمن الإلكتروني في الشركة.
أثارت كيفية تعامل "أوبر" مع القراصنة لاستعادة معلومات مسروقة أسئلة حول قانونية هذا التصرف، وما إذا كان على الأجهزة القضائية الأميركية التحرك ضد الشركة أم لا، خصوصاً أنّ القضية تسلط الضوء على المأزق التشريعي في الولايات المتحدة والعالم بشأن سن التشريعات والقوانين والمعايير الجديدة التي من المفترض أن تنظم العالم الافتراضي وترسم الحدود ما بين الحريات العامة والحريات الشخصية وما بين الأجنبي وبين الوطني وما بين الأمن القومي والخصوصية الشخصية.
بالرغم من ذلك، فازت "أوبر" في أميركا بالعديد من المعارك القانونية التي خاضتها مع سلطات الولايات حول قضايا تتعلق بالتأمين والضرائب. "أوبر" التي تأسست عام 2009 في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا، هي اليوم من الشركات الشابة التي توفر لسوق العمل الأميركي مئات آلاف الوظائف الجديدة، وتقوم فكرتها على الاستفادة من التطبيقات الحديثة في عالم الاتصالات والفضاء الإلكتروني لإدارة قطاع نقليات التاكسي، وتوفير خدمات جديدة للزبائن بسرعة أكثر وكلفة أقل. واستحصلت الشركة على تراخيص بالعمل في واشنطن العاصمة وضواحيها وفي غالبية الولايات الأميركية. وفي واشنطن يشكل طلاب الجامعات الذين يتوافدون على العاصمة من مختلف الولايات الفئة الكبرى من زبائن "أوبر".
تعتبر أدبيات الشركة أنّ الزبون (راكب سيارة الأجرة) والسائق الذي يعمل على سيارته الخاصة هما من شركاء "أوبر" التي تأخذ على عاتقها تأمين قناة اتصال سهلة وسريعة بين الشريكين من خلال منصتها في العالم الافتراضي. وتنظم تلك العلاقة بين الجانبين عبر تطبيق على الهواتف الذكية، وتتقاضى مقابل ذلك نسبة 20 في المائة من التعرفة التي ينالها السائق من الراكب. الشركة التي بلغت أرباحها مليارات الدولارات خلال السنوات الخمس الماضية لا تتكلف سوى رواتب "الشركاء" الذين يديرون العمل على منصتها الإلكترونية "أوبر آب" وتقتصر منشآتها على عدد من المكاتب القليلة المنتشرة في أبرز المدن التي تعمل فيها ومنها مدن في الشرق الأوسط، فالسائق المتعاقد مع "أوبر" يقدم سيارته الخاصة وكلفة وقودها وصيانتها الدائمة، وفق معايير تفرضها الشركة.
تجدر الإشارة إلى أنّ "أوبر" توظّف السائقين الجدد خلال ساعات من دون أي مقابلة شخصية، وتقتصر العلاقة بين الشركة والسائق على الرسائل الإلكترونية والتلفونية وعلى تطبيق "أوبر آب" المجهز للسائقين والركاب على حدّ سواء.