سيادة المشير حفتر

16 سبتمبر 2016
+ الخط -
قبل يومين، خلع عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، المحظور بقرار من المحكمة الليبية العليا، والذي لا يزال يمارس مهامه عنوة، لقب المشير على الجنرال خليفة حفتر، صاحب الانقلابات الفاشلة، قبل ثورة 17 فبراير وبعدها. اللقب هو الأول في تاريخ ليبيا، بحسب "العربي الجديد"، حتى معمر القذافي الذي تربع على عرش السلطة لم يحظ بأكثر من رتبة (ولقب) عقيد، والذي حصل عليه عقب الانقلاب على النظام الملكي ورئاسته مجلس قيادة الثورة في 1969.
ويبدو أن ثمة علاقة قوية بين الانقلابات والترقيات العسكرية، لا تعكس تمكين الضباط الذين تتم ترقيتهم سياسياً وعسكرياً، وإنما أيضا إرضاءً لحاجةٍ نفسيةٍ، تتملك الضباط المنقلبين، ورغبةً في الاستزادة المجانية لألقابٍ لم يكونوا ليحصلوا عليها بسهولةٍ، لو أمضوا أعمارهم في الخدمة. وهو أمر متكرّر، ويكاد يكون قاعدةً عامة في الخبرة العربية، فالجنرال عبد الفتاح السيسي، والذي لم يخض حرباً واحدة في حياته يستحق عليها الوصول إلى أعلى المراتب العسكرية، تمت ترقيته عقب انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013 إلى رتبة المشير، وكان الهدف سياسياً ونفسياً. فسياسياً، يمكن للرجل أن يصبح أكثر قوة وتأثيراً داخل الجيش، باعتباره الأعلى منصباً، وبحيث إذا ما أصبح رئيساً لا يشاركه أحد في مرتبته. ونفسياً، يحقق الرجل ما كان يحلم به (وأحلامه كثيرة، كما قال في أحد حواراته قبل الترشح للرئاسة) للوصول إلى أعلى المراتب العسكرية أسوة بأستاذه ومعلمه، المشير محمد حسين طنطاوي. ومن قبل، تمت ترقية العميد، عمر البشير، إلى رتبة فريق أول، عندما قام بانقلابه في السودان، 30 يونيو/ حزيران 1989 قبل أن يقوم بترقية نفسه إلى رتبة مشير عام 2004، وهو ثالث ضابط في تاريخ السودان، يحصل على هذه الرتبة، بعد الرئيسين جعفر نميري وعبد الرحمن سوار الذهب. وهو ما كان قد حدث أيضا مع عبد الحكيم عامر، الذي تمت ترقيته من رتبة صاغ أو رائد إلى رتبة لواء، بعد انقلاب 23 يوليو 1952، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العسكرية المصرية، قبل أن تتم ترقيته مرة أخرى إلى رتبة مشير عام 1958، ويصبح القائد الأعلى لقوات الوحدة المصرية - السورية. ولا يبدو الأمر مختلفاً في دول أفريقية مجاورة، ففي غامبيا، رقّى الرئيس الحالي، يحيى جامع، نفسه من رتبة ملازم إلى عقيد، عقب انقلابه على الرئيس داودا جاوارا في يوليو/تموز 1994.
وبالعودة إلى حفتر، اللافت أن الرجل لم يقم بأية إنجاز عسكري، مثل حليفه السيسي، قد يسوّغ ترقيته إلى منصب المشير، وإنما يبدو أن الأمر جاء لاعتباراتٍ سياسيةٍ محضة. وهو الذي تمت ترقيته، قبل عام من رتبة فريق أول، حتى يتسنى له أن يصبح القائد العام للجيش. ومن المتوقع أن يتم تشكيل مجلس عسكري، تحت إشراف المجلس الرئاسي الحاكم حالياً. ويطمح حفتر إلى أن يتولى رئاسة هذا المجلس العسكري، بعد ترقيته إلى رتبة مشير. كما أنه يحاول فرض الأمر الواقع، استباقاً لأية ترتيباتٍ سياسيةٍ قد تؤدي إلى إضعاف مركزه أو إقصائه، خصوصاً في ظل الضغطين، الدولي والإقليمي، اللذين يمارسان عليه، بسبب موقفه المتصلب من الحكومة الجديدة، بقيادة فايز السرّاج. ومن الجدير بالذكر أن حفتر كان قد اقترح، من خلال ممثله في المجلس الرئاسي، علي القطراني، أن يتم تكوين مجلسٍ يتولى مهام القائد الأعلى للقوات المسلحة، حتى يتمكن من الوثوب عليه، بعد أن تتم ترقيته مشيراً.
لا يختلف حفتر كثيراً عن بقية العسكريين المهووسين بالمناصب والرُتب العسكرية بدون إنجاز، وهو يمشي على خُطى من سبقوه من الانقلابيين، سواء في الجوار القريب (مصر والسودان) أو البعيد مثل غامبيا.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".