على خلاف طبيعة الأسواق للعديد من السلع والخدمات، أصبح النفط سوقاً يتحكم فيه المشترون، ولا يملك فيه البائعون إلا أن يقبلوا بالأسعار التي يقدمها المشترون، وقد بدأت هذه الاستراتيجية عقب أزمة النفط في عام 1973، حيث تم توظيف النفط من قبل الدول النفطية العربية في الصراع العربي الإسرائيلي، فتم الامتناع عن تصدير النفط، وارتفعت أسعاره لأول مرة ليقفز إلى سعر 40 دولاراً للبرميل.
ولكن المشترين استوعبوا الدرس، وقرروا أن تصبح معادلة النفط خاضعة للمتغير المستقل، وهم المشترون، وللأسف ساعد منتجو النفط على ترسيخ هذه الاستراتيجية، من خلال سوء إدارة الموارد من بيع النفط، وفشلهم في تنفيذ مشروعات تنموية، تؤدي إلى تنوع اقتصادي يغنيهم عن الاعتماد على النفط بشكل رئيس، هذا بخلاف الفساد في إدارة الموارد النفطية، والدخول في حروب بلا فائدة، كان الغرض منها استنزاف الموارد النفطية، وتصدير السلاح من أميركا والدول الغربية للدول النفطية.
ومؤخرًا يلاحظ أن سوق النفط رهن مؤشرات محددة، إما ارتفاع أو انخفاض المخزون الاستراتيجي الأميركي، أو تراجع الطلب الصيني على النفط، فأسعار النفط منذ دخول الحرب التجارية بين أميركا والصين حيز التنفيذ، تتأهب لعمليات هبوط أسعار، وقد ترجم هذا بالفعل يوم الأربعاء 8 أغسطس 2018، حيث هبطت أسعار النفط بنحو 3%، ليصبح سعر خام برنت 72.2 دولارا للبرميل، بينما الخام الأميركي عند سقف 66.3 دولارا للبرميل. ويتوقع إذا ما تصاعدت هذه الحرب، أن يتراجع الطلب على النفط، ليس من قبل الصين فحسب بل من قبل الكثير من الدول وبخاصة تلك التي تعتبر طرفًا في الحرب التجارية مع أميركا، مثل دول الاتحاد الأوروبي، واليابان ودول جنوب شرق آسيا.
أوبك تفقد السيطرة
ظن البعض أن منظمة "أوبك" ستمارس دورًا فاعلًا وشريكًا في سوق النفط منذ مطلع عام 2017، من خلال قرارها بشأن تخفيض سقف الإنتاج، والذي تفاعل معه إيجابيًا منتجو النفط من خارج أوبك مثل روسيا، ولكن الأمر لم يكن أكثر من الوصول لسعر نفط في السوق العالمي، يحافظ على الأداء الاقتصادي للشركات متعدية الجنسية المنتجة للنفط، والتي تضخ استثماراتها عبر المراحل المختلفة من استكشاف واستخراج وتكرير وبيع، وهو ما ساعدت عليه أميركا والدول الغربية، باعتبارها صاحبة مصلحة في الحفاظ على مكتسبات الشركات متعدية الجنسية المستثمرة في سوق النفط.
لقد اختل توازن "أوبك" مع القرارات الأميركية بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران، واستجابت المملكة العربية السعودية لزيادة إنتاجها لتعويض السوق عن العجز المتوقع من تقليص حصة إيران في السوق نتيجة فرض العقوبات.
والغريب أن انخفاض سعر النفط في ضوء سيناريو تصاعد الحرب التجارية من جانب أميركا مع الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وغيرها من الدول، سوف يضر بالموارد النفطية للدول المنتجة للنفط، وبخاصة في دول الخليج، حيث إن هبوط الأسعار تحت سقف 70 دولارا، سوف يفاقم من أزمة عجز الميزانيات لتلك الدول ومنها البحرين والسعودية على وجه الخصوص.
اقــرأ أيضاً
كان المتوقع أن تلجأ "أوبك" لآلية تقليل سقف الإنتاج والحرص عليها، لاستمرار سعر النفط عند 75 دولارا للبرميل، لما يؤدي إليه ذلك من تحقيق حالة من التوازن المالي لميزانيات كافة الدول الأعضاء بها، أما أن تتحمل "أوبك" دومًا فاتورة صراع الكبار، وأن يجني الكبار دومًا ثمار النمو والنشاط الاقتصادي، فهذا من الظلم الذي يعد أحد أعمدة النظام الاقتصادي العالمي، الذي تسيره نظم سياسية استعمارية، ومصالح اقتصادية ترسخ لاستمرار وضع الدول النفطية كدول نامية، ومصدرة للمواد الأولية.
إن الفشل الأكبر لـ "أوبك" منذ نشأتها وحتى الآن، أنها لم تحقق نتائج إيجابية على صعيد مصالحها الضيقة في إطار النفط، سواء بالحصول على سعر عادل، أو حسن توظيف عوائده، أو الدخول في مراحل القيمة المضافة لإنتاج النفط والغاز.
وكذلك فشلت "أوبك" في أن تنتقل من الدائرة الضيقة للمصالح المتحققة من النفط، إلى وجود تكتل سياسي له وزنه على الصعيد العالمي، فمن غير المقبول أن تكون "أوبك" بلا دور في ظل الضغوط التي تمارس على إيران باعتبارها عضوًا مؤسسًا في المنظمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بل الأدهى أن تتحالف السعودية مع أميركا ضد إيران لتنفيذ العقوبات، واستعدادها الكامل لتعويض السوق عن النقص المحتمل في ظل تنفيذ العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران.
لقد عادت إيران مؤخرًا لتمارس استراتيجيتها "النفط الرخيص" لمواجهة العقوبات الاقتصادية، والتي من أهم مظاهرها تصدير النفط الإيراني لدول ترفض الحظر الأميركي مثل الصين والهند وتركيا، لتضررها بشكل كبير في حالة تطبيق قواعد العقوبات الأميركية، وفي الغالب تحصل هذه الدول على النفط الإيراني بثمن يقل بنحو من 5 دولارات – 10 دولارات عن سعر السوق.
ولكن هذه المرة، قد تكون هناك ورقة ضغط أميركية على الصعيد لمنعها من استيراد النفط الإيراني الرخيص، بأن تبدى بعض المرونة في ملف الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، وإن كان هذا الأمر يتطلب حسابات دقيقة لكلا الطرفين.
ويضاف إلى ذلك أن حجم التبادل التجاري للصين مع إيران يقترب من نحو 30 مليار دولار، لا يمثل شيئا مقارنة بحجم التبادل التجاري للصين مع أميركا والذي يصل لنحو 570 مليار دولار، وبالتالي قد تغير الصين الأطروحات الأميركية، ولكن قد يكون للصين حسابات أخرى لوجودها في المحيط الإقليمي لإيران، وبخاصة أن لإيران نفوذا فعليا في أكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط.
التوازن المفقود
عادة ما تصرح منظمة أوبك عبر مديرها، أو أبرز أعضائها من قبل المملكة العربية السعودية، بأن دور المنظمة هو تحقيق التوازن في سوق النفط، وكأن هذا التوازن له صورة واحدة، تتقلص في الجانب الكمي، من جانبي العرض والطلب. في حين أن للتوازن صورا أخرى تتمثل في مصالح المشترين والبائعين.
فمن مصلحة البائعين الحصول على أسعار لسلعتهم الاستراتيجية تساند اقتصادياتهم المتراجعة، وآن لهم أن يكون لهم دور، في إدارة الاقتصاد العالمي، فما زالت الحضارة في ظل عالمنا الحالي تعتمد بشكل رئيس على النفط والغاز الطبيعي كمصدر رئيس للطاقة، ليكون الاقتصاد العالمي، معبرًا بالفعل عن مصالح مشتركة ومتوازنة للجميع، وليس فقط لصالح أميركا والدول الغربية، أو حتى الدول الصاعدة، بينما الدول النامية تعاني العديد من المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
اقــرأ أيضاً
ولن يحظى النفط في السوق الدولية بعلاقة سليمة وصحيحة بين البائعين والمشترين، أو أن يكون ورقة ضغط تحقق مصالح متوازنة، إلا إذا تمتعت الدول المنتجة للنفط بالديمقراطية والشفافية، بحيث يكون قرارها بعيدًا عن التبعية والفساد، ومحققًا لصالح شعوبها، حيث يلاحظ أن جل دور منظمة "الأوبك" تقبع تحت حكم نظم ديكتاتورية وفاسدة.
ولا تشير الظروف السياسية الحالية والقريبة في الأجلين القصير والمتوسط إلى وجود تغيير يذكر في نظم الحكم بالدول الأعضاء بمنظمة "الأوبك"، بل قد يكون التغيير للأسوأ، وهو ما يعني استمرار تحكم المشترين في سوق النفط، ومزيد من التحكم من قبل أميركا، وما تشهده الحرب التجارية خلال الفترة القادمة، وبخاصة ما ستمر به الصين، كأكبر طرف مستهدف في هذه الحرب من قبل أميركا.
ومؤخرًا يلاحظ أن سوق النفط رهن مؤشرات محددة، إما ارتفاع أو انخفاض المخزون الاستراتيجي الأميركي، أو تراجع الطلب الصيني على النفط، فأسعار النفط منذ دخول الحرب التجارية بين أميركا والصين حيز التنفيذ، تتأهب لعمليات هبوط أسعار، وقد ترجم هذا بالفعل يوم الأربعاء 8 أغسطس 2018، حيث هبطت أسعار النفط بنحو 3%، ليصبح سعر خام برنت 72.2 دولارا للبرميل، بينما الخام الأميركي عند سقف 66.3 دولارا للبرميل. ويتوقع إذا ما تصاعدت هذه الحرب، أن يتراجع الطلب على النفط، ليس من قبل الصين فحسب بل من قبل الكثير من الدول وبخاصة تلك التي تعتبر طرفًا في الحرب التجارية مع أميركا، مثل دول الاتحاد الأوروبي، واليابان ودول جنوب شرق آسيا.
أوبك تفقد السيطرة
ظن البعض أن منظمة "أوبك" ستمارس دورًا فاعلًا وشريكًا في سوق النفط منذ مطلع عام 2017، من خلال قرارها بشأن تخفيض سقف الإنتاج، والذي تفاعل معه إيجابيًا منتجو النفط من خارج أوبك مثل روسيا، ولكن الأمر لم يكن أكثر من الوصول لسعر نفط في السوق العالمي، يحافظ على الأداء الاقتصادي للشركات متعدية الجنسية المنتجة للنفط، والتي تضخ استثماراتها عبر المراحل المختلفة من استكشاف واستخراج وتكرير وبيع، وهو ما ساعدت عليه أميركا والدول الغربية، باعتبارها صاحبة مصلحة في الحفاظ على مكتسبات الشركات متعدية الجنسية المستثمرة في سوق النفط.
لقد اختل توازن "أوبك" مع القرارات الأميركية بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران، واستجابت المملكة العربية السعودية لزيادة إنتاجها لتعويض السوق عن العجز المتوقع من تقليص حصة إيران في السوق نتيجة فرض العقوبات.
والغريب أن انخفاض سعر النفط في ضوء سيناريو تصاعد الحرب التجارية من جانب أميركا مع الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وغيرها من الدول، سوف يضر بالموارد النفطية للدول المنتجة للنفط، وبخاصة في دول الخليج، حيث إن هبوط الأسعار تحت سقف 70 دولارا، سوف يفاقم من أزمة عجز الميزانيات لتلك الدول ومنها البحرين والسعودية على وجه الخصوص.
كان المتوقع أن تلجأ "أوبك" لآلية تقليل سقف الإنتاج والحرص عليها، لاستمرار سعر النفط عند 75 دولارا للبرميل، لما يؤدي إليه ذلك من تحقيق حالة من التوازن المالي لميزانيات كافة الدول الأعضاء بها، أما أن تتحمل "أوبك" دومًا فاتورة صراع الكبار، وأن يجني الكبار دومًا ثمار النمو والنشاط الاقتصادي، فهذا من الظلم الذي يعد أحد أعمدة النظام الاقتصادي العالمي، الذي تسيره نظم سياسية استعمارية، ومصالح اقتصادية ترسخ لاستمرار وضع الدول النفطية كدول نامية، ومصدرة للمواد الأولية.
إن الفشل الأكبر لـ "أوبك" منذ نشأتها وحتى الآن، أنها لم تحقق نتائج إيجابية على صعيد مصالحها الضيقة في إطار النفط، سواء بالحصول على سعر عادل، أو حسن توظيف عوائده، أو الدخول في مراحل القيمة المضافة لإنتاج النفط والغاز.
وكذلك فشلت "أوبك" في أن تنتقل من الدائرة الضيقة للمصالح المتحققة من النفط، إلى وجود تكتل سياسي له وزنه على الصعيد العالمي، فمن غير المقبول أن تكون "أوبك" بلا دور في ظل الضغوط التي تمارس على إيران باعتبارها عضوًا مؤسسًا في المنظمة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، بل الأدهى أن تتحالف السعودية مع أميركا ضد إيران لتنفيذ العقوبات، واستعدادها الكامل لتعويض السوق عن النقص المحتمل في ظل تنفيذ العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران.
لقد عادت إيران مؤخرًا لتمارس استراتيجيتها "النفط الرخيص" لمواجهة العقوبات الاقتصادية، والتي من أهم مظاهرها تصدير النفط الإيراني لدول ترفض الحظر الأميركي مثل الصين والهند وتركيا، لتضررها بشكل كبير في حالة تطبيق قواعد العقوبات الأميركية، وفي الغالب تحصل هذه الدول على النفط الإيراني بثمن يقل بنحو من 5 دولارات – 10 دولارات عن سعر السوق.
ولكن هذه المرة، قد تكون هناك ورقة ضغط أميركية على الصعيد لمنعها من استيراد النفط الإيراني الرخيص، بأن تبدى بعض المرونة في ملف الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، وإن كان هذا الأمر يتطلب حسابات دقيقة لكلا الطرفين.
ويضاف إلى ذلك أن حجم التبادل التجاري للصين مع إيران يقترب من نحو 30 مليار دولار، لا يمثل شيئا مقارنة بحجم التبادل التجاري للصين مع أميركا والذي يصل لنحو 570 مليار دولار، وبالتالي قد تغير الصين الأطروحات الأميركية، ولكن قد يكون للصين حسابات أخرى لوجودها في المحيط الإقليمي لإيران، وبخاصة أن لإيران نفوذا فعليا في أكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط.
التوازن المفقود
عادة ما تصرح منظمة أوبك عبر مديرها، أو أبرز أعضائها من قبل المملكة العربية السعودية، بأن دور المنظمة هو تحقيق التوازن في سوق النفط، وكأن هذا التوازن له صورة واحدة، تتقلص في الجانب الكمي، من جانبي العرض والطلب. في حين أن للتوازن صورا أخرى تتمثل في مصالح المشترين والبائعين.
فمن مصلحة البائعين الحصول على أسعار لسلعتهم الاستراتيجية تساند اقتصادياتهم المتراجعة، وآن لهم أن يكون لهم دور، في إدارة الاقتصاد العالمي، فما زالت الحضارة في ظل عالمنا الحالي تعتمد بشكل رئيس على النفط والغاز الطبيعي كمصدر رئيس للطاقة، ليكون الاقتصاد العالمي، معبرًا بالفعل عن مصالح مشتركة ومتوازنة للجميع، وليس فقط لصالح أميركا والدول الغربية، أو حتى الدول الصاعدة، بينما الدول النامية تعاني العديد من المشكلات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولن يحظى النفط في السوق الدولية بعلاقة سليمة وصحيحة بين البائعين والمشترين، أو أن يكون ورقة ضغط تحقق مصالح متوازنة، إلا إذا تمتعت الدول المنتجة للنفط بالديمقراطية والشفافية، بحيث يكون قرارها بعيدًا عن التبعية والفساد، ومحققًا لصالح شعوبها، حيث يلاحظ أن جل دور منظمة "الأوبك" تقبع تحت حكم نظم ديكتاتورية وفاسدة.
ولا تشير الظروف السياسية الحالية والقريبة في الأجلين القصير والمتوسط إلى وجود تغيير يذكر في نظم الحكم بالدول الأعضاء بمنظمة "الأوبك"، بل قد يكون التغيير للأسوأ، وهو ما يعني استمرار تحكم المشترين في سوق النفط، ومزيد من التحكم من قبل أميركا، وما تشهده الحرب التجارية خلال الفترة القادمة، وبخاصة ما ستمر به الصين، كأكبر طرف مستهدف في هذه الحرب من قبل أميركا.