سوق الكتاب العربي: هذه الأرقام لا تكفي

18 يناير 2020
"مكعب القصيدة" لـ سلوى روضة شقير
+ الخط -

يواجه من يحاول أن يجمع بيانات ذات مصداقية حول صناعة الكتاب العربي مشاكل أساسية؛ فبخلاف مختلف مناطق العالم والتي توفر قواعد بيانات ودراسات دورية بل وبحوث أكاديمية حول عالم النشر فيها، لا ينطبق هذا الأمر على المجال العربي، حيث تغيب الأرقام الدقيقة فلا نجد إلا نسباً تقريبية - إن لم تكن مغالطة - وتشيع المقولات الشائعة التي يجري تداولها كحقائق من دون أن تبادر مراكز الإحصاء إلى تقديم براهين تدحضها أو تؤكدها.

غياب البيانات هذا يجعل من الصعوبة بمكان وضع تصوّر دقيق عن معطيات سوق الكتاب، مثل الإقبال على القراءة وعادات الإنسان العربي القرائية وميولاته، وجودة المنتج الذي تقترحه دور النشر إلخ...

من بين القليل المتوفر مؤشر القراءة العربي الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عام 2016، والذي يشير إلى أن المواطن العربي يقرأ 35 ساعة في السنة. بل إن دراسة مسحية أجرتها منظمة روسية غير حكومية عام 2011 حول القرّاء في جميع أنحاء العالم، وضعت مصر بين أكثر الدول قراءة. لكنها مسوح ودراسات يصعب الاعتماد عليها - مثلها مثل الدراسات القليلة التي جاءت بنتائج معاكسة وصار يجري التعامل معها كحقائق.

من جهة أخرى، ووفقاً لبيانات "البنك الدولي"، فإن قيمة سوق الكتاب العربي تعادل بليون دولار سنوياً، كما تشير هذه البيانات إلى أن العالم العربي الذي يبلغ عدد سكانه 366 مليون نسمة، ينتج ما بين 15000 و18000 عنوان جديد بشكل سنويّ، ويتراوح عدد النسخ للكتاب الواحد ما بين ألف وثلاثة آلاف نسخة. غير أنه من المهم أخذ هذه الأرقام ضمن مقارنات، فمثلاً يعادل عدد الكتب التي تنتجها كل المنطقة العربية الكتب التي تصدر في رومانيا (19.53 مليون نسمة) في عام واحد، وما يصدر في أوكرانيا (42.22 مليون نسمة) خلال عام أيضاً، وهو كذلك عدد العناوين التي تنشرها مؤسسة نشر واحدة مثل "بنغوين راندوم هاوس" سنوياً.

ورغم وجود إجماع مستمر على تدني معدلات القراءة، وهي مسألة يعزو إليها الناشرون كل عام تردي سوق الكتاب، فإن الأمر لا يتعلق فقط بـ "طبيعة" الإنسان العربي أو عزوفه المعرفي كما يشيع، بل إلى أسباب أخرى من بينها نسبة الأمية مثلاً، والأوضاع المضطربة وتشرّد مئات الآلاف بسبب الحروب والصراعات، وتراجع الإقبال على التعليم، وانتشار وسائط التواصل الاجتماعي كفضاء تبادل معلومات أساسي، وزيادة معدلات البطالة والفقر.

وعلى الرغم من هذه التعقيدات والعقبات، فإن وجود ملايين القراء بالعربية يجعل سوق الكتاب العربي أكبر من أسواق الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا مجتمعة، لا سيما أن 220 مليونا من القرّاء العرب متصلون بالإنترنت، ومن المفارقة أن هذا العدد الضخم لم ينعش النشر الرقمي على سبيل المثال، الذي ما زال في مراحله الأولى في الأسواق العربية، على الرغم من التحديات العملية في توزيع الكتب الورقية في المنطقة؛ فعلى "كيندل" مثلاً يوجد 12 ألف كتاب عربي فقط، عدد كبير منها ليس سوى كتب مترجمة من لغات أخرى.

المساهمون