سوق القطيف مهدّد بالنقل

09 مايو 2015
طيور وحيوانات تباع في السوق (العربي الجديد)
+ الخط -
أكثر من مائة عام من التجارة والبيع باتت مهددة بالاندثار ،بسبب حفريات على الطريق الرئيسية المؤدية إلى سوق القطيف التاريخي في المنطقة الشرقية من السعودية.

السوق، الذي تبدّل موعد تنظيمه من الخميس إلى السبت قبل عامين تبعاً لتبدل موعد الإجازة الأسبوعية، يعاني منذ عدة أشهر من نقص في المتسوّقين بسبب الحفريات، التي ضاقت معها الشوارع ومواقف السيارات.

ينتظر باعة السوق معاودة النشاط المعتاد. ومع ذلك، قد لا تتحقق آمالهم، لأنّ خطط التطوير بالقرب من السوق ستأخذ وقتاً طويلاً. وهو أمر بدأ يزيد من تململ التجار، الذين يعانون في الأصل من ضعف الدخل.

لكنّ أكثر ما يقلق قرابة 720 تاجراً يعملون في السوق أسبوعياً إشاعات تقول إنّ هناك خططاً لإزالة مكان تواجدهم ونقلهم إلى مكان آخر خارج المدينة، وهو ما يعتبرونه ضربة قاتلة لهم.

يمثل سوق القطيف جزءاً مهماً من تاريخ المنطقة الشرقية. يباع فيه كل شيء تقريباً، بدءاً من الملابس والأجهزة الكهربائية وأدوات الطبخ، وصولاً إلى اللحوم والطيور والحيوانات الحية. لكنّ الوضع الأخير تسبب في هروب نسبة كبيرة من مرتاديه.

وعن ذلك، يقول البائع، حسين الياقوت (71 عاماً)، وهو أحد أقدم الباعة هناك: "منذ عدة سنوات، لم يعد السوق كما كان. هناك نقص كبير في المتسوقين، وفي الفترة الماضية بات النقص أكبر لصعوبة الوصول إلى السوق". ويضيف، لـ"العربي الجديد": "يقولون إنّهم سيغيرون مكان السوق وينقلونه إلى مكان آخر بسبب مشروع كبير سيقام على أرضه. هي مصيبة بالنسبة لنا، فالمتسوّقون لا يأتون ونحن وسط المدينة، فهل سيأتون ونحن خارجها؟".

كلّ سبت، ينطلق السوق منذ طلوع الفجر حتى انتهاء النهار. يقول الياقوت: "هنا نبيع كل شيء. لا يقتصر البيع على الملابس الجاهزة، سواء النسائية أو الرجالية، بل أيضاً المواد الغذائية باختلاف أنواعها والخضار والحلويات والتحف والأدوات الكهربائية والحيوانات الحية والأسماك". ويضيف: "لا يجد زائر السوق صعوبة في الحصول على السلع المطلوبة، فحتى الكلاب والقطط تباع فيه".

يضمّ السوق مئات البسطات من الجانبين، على مساحة تتجاوز 25 كيلومتراً مربعاً. ويمثل بالنسبة لأهالي المنطقة كرنفالاً احتفالياً خاصاً يتكرر كل أسبوع. فيأتي إليه المتسوّقون من بلدات وقرى محافظة القطيف وجوارها. كما يأتون من محافظات أخرى في المنطقة الشرقية.

قضى مجدي بوالعنين أكثر من أربعين عاماً في السوق، يبيع الساعات القديمة. يتذكر، في حديثه مع "العربي الجديد"، الفترات الذهبية للسوق والتي كانت قبل نحو عشرين عاماً. يؤكد أنّ سوق القطيف كان يعتبر روح المدينة ومصدرها الرئيسي للبضائع طوال قرن من الزمان. لكنّه يشير إلى أنّ الأمور تغيرت على الرغم من الإزدحام، الذي كان يعيشه السوق كل أسبوع حتى فترة قريبة. يفترش بوالعنين إحدى ساحات السوق، ويضع أمامه مجموعة من الساعات المتنوعة الأثرية، والعملات الورقية القديمة، والخواتم المطعّمة بالأحجار الكريمة. لكنّه لم يبع شيئاً منذ الفجر.

يقول: "لم يشهد السوق مثل هذا الركود منذ سنوات طويلة. أنا هنا منذ أربعين عاماً. ولا يمر شهران أو ثلاثة من دون أن أطلب بضاعة جديدة. لكنّي منذ ستة أشهر لم أطلب. والسبب هو حالة الركود الكبيرة التي نعاني منها بسبب أعمال الحفر".

ورث بوالعنين مهنته عن والده الذي بدأها قبل أكثر من تسعين عاماً، وكان ينوي توريثها لابنه جواد الذي يساعده. لكنه اليوم غير واثق من ذلك، مع ندرة المتسوّقين.

على بعد أمتار منه يقف علي الزبيري، وأمامه مجموعة من طيور الدجاج الفرنسي النادرة التي يربيها في مزعته الصغيرة. يقول الزبيري: "الأحوال تغيرت اليوم. كنت في السابق أبيع كلّ ما أجلبه إلى السوق. واليوم، إن بعت نصفه سأكون محظوظاً".

أهم ما يميز السوق الطيور الحية، بدءاً من الصقور، مروراً بالبط والدجاج والحمام بأنواعها النادرة، وصولاً إلى النعام وطيور الزينة المغردة والببغاوات. كما أن فيه سلاحف وثعابين صغيرة وضخمة. ويعتبر مكاناً معروفاً في المنطقة الشرقية لبيع الحيوانات الأليفة من كلاب وقطط وأرانب. ويقول الزبيري: "هنا تباع الطيور والحيوانات بربع قيمتها في محلات الزينة".

يأمل الباعة أن يعود الزبائن المعتادون بعد أن تنتهي هذه الحفريات. أما إذا نقل السوق فستكون نهايته و"نهاية جزء من تاريخ المنطقة استمرّ طوال عقود"، بحسب الزبيري. وهي التي يسميها زميله الياقوت "نهاية حزينة لسوق عريق".
دلالات