"أخذوه لكن لا ندري من؟ أو إلى أين؟" هذه العبارة يكررها أهل عشرات آلاف السوريين بعد اختفائهم قسراً. ولا يعود الأمر فقط إلى سنوات الثورة الخمس بل منذ سيطرة النظام على الحكم قبل أكثر من أربعين عاماً.
يتناقل السوريون قصصاً كثيرة عن مدنيين اختفوا من دون أثر، في حين تدلّ كلّ المؤشرات على أنّ أجهزة النظام الأمنية أو العسكرية هي التي خطفتهم. تقول الستينية أم عمر، التي اختفى أبناؤها الأربعة، إنّهم اعتقلوا في أسبوع واحد، نهاية عام 2012 في دمشق. اعتقلتهم قوات النظام واقتادتهم إلى جهة مجهولة. تشرح: "بعد نزوحي من الغوطة إلى دمشق، مع أبنائي وأحفادي، وتحسن أحوالنا من عملهم، أغلقت دورية من سيارتين الشارع لتدقق البطاقات الشخصية للسكان وأصحاب المحال، اعتقلوا حينها عدداً من الشبان من بينهم اثنان من أبنائي". تتابع: "كنت آمل أن يكون الأمر عبارة عن سؤال وجواب، لكن بعد ثلاثة أيام دهمت دورية أمنية المنزل واعتقلت ابني الأوسط، وبعده بأيام قليلة أوقف الحاجز القريب من المنزل ابني الأصغر الذي لم يكمل الثامنة عشرة. وحتى اليوم لا أعلم عنهم شيئاً. ولا أعلم لماذا اعتُقلوا بالرغم من أنّهم لم يتعاطوا يوماً في السياسة".
تقول: "لم نفقد الأمل، ولم نترك باباً إلّا وطرقناه، لمجرد معرفة مصيرهم. دفعنا ما فوقنا وما تحتنا، لكن من دون أي نتيجة. كلّ من نسألهم ويتقاضون أموالنا يتبعون لأجهزة أمنية. أحدهم طلب منا مبلغاً كبيراً جداً لإخراجهم من المعتقل، لكنه اشترط أن يتسلم المبلغ قبل أن يخرجوا، فرفضنا لأنّ أكثر من شخص احتال علينا سابقاً".
لم يكن لاختفاء السوريين القسري، الذي يعتبر النظام المسؤول الأول عنه، يليه تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى الفصائل الإسلامية وفصائل المعارضة، معايير محددة بحسب ناشطين. فقد درجت العادة أن يجري اعتقال الأشخاص من أمام منازلهم أو عن الطرقات، من دون السماح لهم بالاتصال بعائلاتهم أو محاميهم، ومن دون معرفة الجهة التي تنفذ الاعتقال وأسبابه. هناك الكثير من السوريين الذين اعتقلوا سنوات طويلة وخرجوا من دون أي محاكمة. بل منهم من اعتقل أكثر من 20 عاماً.
في هذا الإطار، يقول رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية المحامي أنور البني لـ"العربي الجديد": "النظام يمارس إرهاب الدولة على المواطنين بشكل فج، وينتهك الدستور والقوانين. هناك عقوبات في القانون السوري على كل من يخطف إنساناً ويحرمه من حريته رغماً عنه، كما يمنع القانون احتجاز الضابطة العدلية، ومنها الأفرع الأمنية، أيّ مواطن أكثر من 60 يوماً، وهذا ما لا يؤخذ به. لكنّ القانون نفسه حال دون محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات، فهو لا يسمح بمحاسبتهم إلّا بعد موافقة رؤسائهم".
في الأرقام، يقول البني إنّ "النظام يحتجز حالياً أكثر من 150 ألف معتقل، منهم 100 ألف مختفٍ قسرياً، أي لا يعرف مصيره أو مكان اعتقاله، ولا يسمح لأحد بزيارته أو الاتصال به. وبحسب شهادات من الداخل، يعيش هؤلاء في ظروف اعتقال سيئة للغاية، وقد تكون غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، جراء الشح الشديد بالطعام، وشبه انعدام الرعاية الصحية، بالإضافة إلى التعذيب والازدحام الشديد، ما تسبب بكثير من الوفيات". وعن النقطة الأخيرة يقول: "يقدّر عدد المتوفين في معتقلات النظام بأكثر من 50 ألف معتقل خلال الأزمة السورية الحالية".
في المقابل، ينكر النظام وجود مختفين قسرياً لديه، بالرغم من أنّ بعضهم من الشخصيات المعارضة المعروفة، وتؤكد المعطيات أنهم لدى الجهات الأمنية التابعة للنظام، أمثال القيادي في هيئة التنسيق الوطنية المعارض عبد العزيز الخير، الذي اعتقل في نهاية 2012 مع اثنين من رفاقه، على حاجز يتبع لاستخبارات النظام. ومنهم زميله رجاء الناصر الذي اعتقل من منطقة البرامكة في قلب العاصمة السورية، والناشط السلمي والمحامي خليل معتوق، وباسل خرطبيل، ورامي هناوي.
في الطرف الآخر، تشير المعطيات إلى أنّ الفصائل الإسلامية والمعارضة أخفت قسرياً عدداً من الأشخاص من بينهم الناشطة الحقوقية والمحامية رزان زيتونة التي اختفت مع 3 زملاء لها في دوما نهاية عام 2013. واتهم "جيش الإسلام" بإخفائهم، الأمر الذي نفاه الأخير، ليبقى مصيرهم مجهولاً إلى اليوم.
كذلك أخفى "داعش" آلاف الشباب خصوصاً في منطقة الشعيطات، بالإضافة إلى شخصيات معروفة مثل الأب باولو دالوليو، وهو كاهن يسوعي إيطالي وناشط سلام، وقد خطفه التنظيم في يوليو/ تموز 2013، وما زال مجهول المصير.