سوريون في السودان: لا بد أن يصل الدور إلى الأسد

15 ابريل 2019
السوريون لا يقتربون أبداً من التظاهرات ويكتفون بمراقبتها(فرانس برس)
+ الخط -
"مشاعر مُختلطة، بين فرحتي مع آخرين من حولي هنا في الخرطوم، لنجاح الحراك الشعبي جزئياً ضدّ نظام عمر البشير، وبين حرقة نشعر بها للوضع في بلدنا سورية، وانسداد الأفق حالياً أمام نجاح الثورة فيه أو حتى الحل السياسي... أخشى أيضاً من تأثّر حياتنا الشخصية وأعمالنا ومصالحنا في الأحداث الجارية في السودان، المُقبل على مرحلة من عدم الاستقرار، مع تفاقم تردي الوضع الاقتصادي السيئ أساساً". بهذه الكلمات، وصف ياسر أبو معاذ، السوري المقيم في السودان منذ خمس سنوات، حاله، مع مشاعر المحيطين به من السوريين المقيمين في الخرطوم. إذ تتضارب آراء هؤلاء وتختلط مشاعرهم، جراء التطورات السياسية المفصلية، والتي يعاينوها من حولهم، في بلدٍ لجأوا إليه، بعد أن استحال بقاؤهم في وطنهم.

ويملك ياسر أبو معاذ (36 عاماً) متجراً لبيع مواد التجميل والعطورات في منطقة كافوري، شمال الخرطوم، وقد حصل على الجنسية السودانية قبل أشهر، كحال آلاف السوريين هناك، والذين لا يستطيع عددٌ غير قليل منهم العودة إلى سورية إطلاقاً، كونهم على قوائم التجنيد الإجباري، أو على قوائم المطلوبين لمختلف أجهزة الأمن السورية، على خلفية مشاركتهم في التظاهرات ضد نظام بشار الأسد. ويقول أبو معاذ لـ"العربي الجديد" إنّ "السوريين هنا يراقبون التفاصيل اليومية للتطورات السياسية. عموماً معظم الذين أعرفهم يشعرون بغصة كبيرة، وقد رأيت دموع بعضهم تنهمر، عندما تمرّ من أمام بيوتهم أو متاجرهم تظاهرة كبيرة. إننا نشعر بالسعادة لكون التظاهرات هنا آتت أكلها نسبياً، ونشعر في الوقت نفسه بالحزن والمرارة لكوننا شاركنا في تظاهرات مماثلة في بلدنا، ولكننا بتنا لاجئين خارجه، وما زال النظام يحكمه بعد كل الخراب الذي حصل".

لا تتوفر إحصائية دقيقة تماماً عن أعداد السوريين في السودان؛ ولكن الرقم يدور حول مئتي ألف إلى ربع مليون، وصلوا إلى البلد الأفريقي خلال السنوات القليلة الماضية، لكون السودان بقي البلد العربي الوحيد تقريباً، الذي يسمح للسوريين بدخول أراضيه من دون تعقيدات طلب التأشيرة أو ما شابه من الإجراءات. غير أنّ هذا الوضع تغيّر في كانون الثاني/ يناير الماضي، بعد أن بات على السوريين غير المقيمين في بلدهم، والذين يقصدون السودان، الحصول على تأشيرة من القنصليات والسفارات السودانية، فيما استثنت السلطات في الخرطوم السوريين القادمين جواً من سورية حصراً، من تقديم طلب التأشيرة.

وفضلاً عن أن السودان بقي مُشرعاً أبوابه طيلة السنوات الماضية أمام السوريين، فإنّ عشرات آلاف العائلات منهم قصدت هذا البلد لأسباب إضافية، تتعلق بسهولة الإجراءات القانونية (كمنح الإقامة مثلاً)، وعدم وجود عائق اللغة (كتركيا ومختلف الدول الأوروبية)، إلى جانب احتضان المجتمع السوداني عموماً للوجود السوري.

ودخل السوريون في السودان في مختلف المهن الصناعية، فضلاً عن الزراعة والتجارة، وهم ينتشرون في مختلف الولايات، خصوصاً في أم درمان والخرطوم. وتتركز الكثافة السورية في العاصمة السودانية، بمناطق كافوري بمحيط مجمع النور، إضافة لمنطقة العربي، وشارعي المشتل والرياض، إذ إن وجود السوريين في هذه المناطق واضح جداً من خلال المطاعم والمحال التجارية التي افتتحوها.

ويقول سعيد. ر، وهو شاب سوري يقيم في الخرطوم منذ ثلاث سنوات، إنّ "التطورات منذ البيان الأول للمجلس العسكري عن إطاحة البشير، ثمّ تنحي عوض بن عوف من رئاسة المجلس، هي محط اهتمام جميع السوريين هنا، كما السودانيين، وربما أكثر"، مضيفاً "البعض من السوريين يخشى كثيراً من انهيارٍ ما، أو انزلاقٍ نحو عدم استقرار البلد، وبالتالي بدأوا التفكير ببدائل، فيما البعض رغم قلقه لا يفكر بأي بديل، خصوصاً من أسّس عملاً أو تجارة في هذا البلد". ويؤكّد سعيد لـ"العربي الجديد" أنّ "السوريين لا يقتربون أبداً من التظاهرات إلا ما ندر، ويكتفون بمراقبتها من بعيد والتحسّر على أنفسهم".

ويتابع الرجل، وهو في العقد الرابع من العمر، ويمتلك مع شريك له مطعماً للمأكولات السورية، أنّ "الأسواق هنا تراجعت حركتها كثيراً منذ نحو خمسة أشهر، وهي أساساً مصابة بالركود بسبب تراجع سعر صرف الجنيه السوداني قبل ذلك. هذا أكثر ما يثير قلق السوريين في السودان، خصوصاً من لا يملك منهم خيار العودة إلى سورية".

ووصل سعر صرف الجنيه السوداني في السوق السوداء في الفترة الحالية إلى نحو 74 جنيهاً مقابل كل دولار أميركي، في وقت لا تسمح البنوك السودانية بسحب مبالغ نقدية كبيرة من أرصدة عملائها، إلا وفق شروط عديدة وبسقف محدد. وهذا أحد الأسباب التي دفعت السوري محمد مازن لـ"التفكير جدياً بترك السودان إلى بلدٍ آخر".

ويقول الخمسيني الذي يُتاجرُ بالأقمشة والمشتقات الصوفية بين سورية والسودان ودول أفريقية عدة "أشعر بأنّ أيامي هنا في آخرها"، موضحاً أنّ "تدهور الأسواق عامل مهم جداً يدفعني للتفكير جدياً بترك السودان، رغم أني هنا منذ ما قبل سنة 2011". ويضيف "نراقب الآن ما يجري. الصورة غير متبلورة بعد حتى عند أصدقائي السودانيين، ولا أتوقع استقراراً قريباً".

ويعلل مازن مخاوفه بشأن عدم حصول استقرار قريب، من خلال الإشارة إلى تواصل التظاهرات، وتأكيد "تجمع المهنيين السودانيين"، أبرز قوة سياسية تمثل الشارع السوداني حالياً، في بيان له مساء أول من أمس السبت، أنّ "لا تراجع عن مطالب الثورة، ولا مجال للقبول بالوعود من دون الأفعال... اعتصاماتنا بالعاصمة القومية، أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة وقبالة مقار حامياتها ووحداتها في أقاليم السودان، قائمة ولن تنفض، وإضرابنا وعصياننا المدني مستمر، ريثما تتحقق المطالب".

إلى ذلك، تُبدي نور.س، السورية المقيمة في السودان مع أسرتها، أملها في أنّ انعكاسات نتائج تظاهرات الجزائر التي أطاحت عبد العزيز بوتفليقة، وتظاهرات السودان التي أنهت حكم البشير، "ستصل إلى سورية بشكل أو بآخر، رغم اختلاف الظروف كلياً". وتقول "كسورية مؤيدة بالكامل للثورة ضدّ الأسد، اعتبر أنّ نجاح أي ثورة في محيطنا العربي، يُنعش آمالنا في سورية".

وتضيف الشابة العشرينية لـ"العربي الجديد"، أنّ "البشير قبل نحو أربعة أشهر، كاد يفتح باب تعويم النظام السوري عربياً، بعد أن زار دمشق، لكن الزيارة انقلبت عليه، وشاهدنا بعد ذلك أعلام الثورة السورية ترفرف في بعض التظاهرات هنا في الخرطوم".

وكان شبان سودانيون قد حملوا علم الثورة السورية، بعد أيام قليلة من زيارة البشير إلى دمشق، ولقائه فيها في 16 كانون الأول/ ديسمبر الماضي،برئيس النظام السوري، بشار الأسد، وذلك في أول زيارة لزعيم عربي إلى سورية، منذ اندلاع الثورة فيها عام 2011.

ويوضح السوري ياسر أبو معاذ لـ"العربي الجديد" أنّ التظاهرة التي رُفع فيها علم الثورة السورية، وتحديداً قرب مول "الواحة" في منطقة العربي بالعاصمة السودانية، "دفعت السوريين هنا، المتشوقين في معظمهم لنجاح الثورة السودانية، لإبداء مزيدٍ من التعاطف مع تظاهرات السودانيين، رغم أنهم عموماً، لا يتدخلون في التظاهرات إطلاقاً، خشية أن يخلق ذلك حساسيات مُستقبلية مع أهل البلد، الذين في غالبيتهم العظمى لا يبدون أي سلوكيات سلبية اتجاه الوجود السوري، لكن بينهم أيضاً من لا يرتاح كثيراً لوجود السوريين الكثيف في بعض المناطق".

وتتنوع مستويات الحالة المادية للسوريين في السودان، بين قلةٍ جلبت معها رؤوس أموال وافتتحت أعمالاً متنوعة، وقسم ثانٍ من الطبقة المتوسطة؛ وآخرين من محدودي الدخل الذين يعملون في المصانع والمحال التجارية، ويحصلون على راتب شهري بمتوسط خمسة آلاف جنيه سوداني (نحو 93 دولاراً أميركياً)، وهو لا يسدّ الاحتياجات الرئيسية للمعيشة، خصوصاً مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وإيجارات المنازل، التي تراوح بين أقل من 100 دولار بقليل، وتصل إلى مئتي دولار وأكثر.

المساهمون