سوريون عازفون عن الزواج

24 نوفمبر 2019
تصفق للعروسين (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

كثيراً ما تركّز منظمات المجتمع المدني على النساء باعتبارهن جزءاً أساسياً من المجتمع. في المقابل، تعاني فئة أخرى من التهميش، وهي فئة الشبان السوريين الذين لم تنصفهم الحياة في سورية، أو كانوا ضحية الوقت الذي انطلقت فيه الثورة، فلم يتمكنوا من الزواج أو عزفوا عنه نتيجة ظروف.

يعيش ناصر مع صديقه في بيت في مدينة نورمبرغ في ألمانيا، والتي وصل إليها بعدما أنهى منحة دراسية في العاصمة الهنغارية بودابست. يتحدث ناصر لـ "العربي الجديد" عن أسباب ابتعاده عن الزواج في الوقت الحالي، قائلاً: "في سورية، كنت قد أنهيت الدراسة الجامعية، وكنت أدرس في فرع هندسة التحكم الآلي. لكن بعد التخرّج، لم يكن أمامي سوى المغادرة إلى لبنان، كوني أصبحت مطلوباً للخدمة العسكرية، وأرفض التورط بها وأكون مجرماً. وبعد الخروج إلى لبنان، عملت في مجال البناء والطلاء، حتى قبلت بمنحة دراسية في بودابست وأتممت دراستي، لكن عدم زواجي حتى الآن ليس رغبة مني، فالظروف صعبة هنا في ألمانيا، وأحتاج إلى تأسيس شيء لي. الزواج في ظروف كهذه مستحيل".

يضيف ناصر: "علي ديون كثيرة، وأهلي في سورية في حاجة إلى مصاريف على الدوام، ومعيشتي هنا مكلفة. من جهة أخرى، لم أجد عملاً حتى الآن، إذ لم يمض على وصولي إلى ألمانيا سوى أشهر. الالتزامات المفروضة علي تدفعني إلى التضحية بكثير من رغباتي ومتطلباتي، وفي مقدمتها الزواج، علماً أن تكوين أسرة أمر جميل، وهدف هام في الحياة التي نعيشها". يضيف ناصر: "كثيراً ما يمازحني أصدقائي وأقاربي قائلين تزوج من فتاة ألمانية، فلا أملك رداً سوى الضحك، وأقول في نفسي إن الزواج في واد وأنا في واد آخر، وأحاول تغيير الموضوع وعدم النقاش فيه".




لكن ليست الظروف المادية فقط عائقاً أمام الشبان السوريين، و لا تقف وحدها عقبة في طريق زواجهم. يقول سالم محمد (40 عاماً): "بالنسبة لي، الزواج شيء ضروري ومهم في الحياة. أما أنا، فتعد حالتي المادية جيدة نوعاً ما بالمقارنة مع محيطي. أعمل في التجارة، لكن حتى الآن لم أجد شريكة حياة مناسبة. والأمر الآخر أن نظرتي في الوقت الحالي للزواج اختلفت عما كانت عليه قبل عشرة أعوام". يضيف محمد لـ "العربي الجديد": "أخشى إن أقدمت على هذه الفكرة أن تتعثر، كما أنني وصلت إلى مرحلة أصبحتُ فيها صعب الإرضاء. والمشاكل التي تحدث مع أصدقائي المتزوجين أيضاً تشعرني بنوع من عدم الرغبة بالزواج". ويوضح: "أهلي يعيشون في دمشق. ولو كانت والدتي هنا، لساعدتني ووجدت زوجة مناسبة لي. ربّما لديها قدرة أكثر مني على البحث عنها، لكن كوني أعيش في تركيا فهذا صعب. صحيح أن أهلي يضغطون علي، ويريدون مني الزواج، لكنني ما زلت أستطيع التملص منهم".

ولا تقتصر حالة العزوف عن الزواج على شبان خارج سورية. عامر خضر (31 عاماً) المهجر من ريف حمص الشمالي، يوضح أنه بالنسبة إلى عائلته، هذا الأمر خارج عن المألوف. والمتعارف عليه أن أقصى سن يبقى فيها الشاب عازباً هي 27 عاماً، ويعتبر هذا عرفاً. يضيف خضر لـ "العربي الجديد": "خلال حصار الريف الشمالي، كانت والدتي تلح علي دائماً حتى أتزوج، لكنّني كنت رافضاً للفكرة بشكل نهائي، فأنا لا أملك دخلاً أو حياة مستقرة أو مستقبلا حتى أفكر فيه. اليوم، أقيم في ريف إدلب، ولا أظن أن هناك فروقات كبيرة عن الواقع الذي نعيش فيه. حتى الآن، أنا مقتنع بأن الزواج في الوقت الحالي عبء لا أكثر".



في المقابل، يتحدث محمد البكر من الرقة عن تجربته، ويقول لـ "العربي الجديد": "بلغت من العمر 45 عاماً. كنت أضع شروطا تعجيزية وأرسم في مخيلتي أفكاراً عن الزواج قد لا تكون واقعية. وطوال الأعوام الماضية، تنقلت في كثير من الأعمال في إطار الثورة السورية، أهمها العمل الإغاثي. أدركت العام الماضي مدى إهمالي لنفسي، كما أن والدتي أصبحت كبيرة في السن ولم أكن أحب أن أزعجها أكثر. دائماً ما تردد أنها تريد أن تراني متزوجاً قبل أن تأتيها المنية، فلم أجد مفراً من ذلك. وكانت تفرح كثيراً برؤية أولاد أخي الأصغر وأخي الأكبر، وتقول إنها تريد أن يكون لي أولاد. ويختم البكر: "العام الماضي شاءت الظروف أن أجد الزوجة المناسبة في مكان إقامتي في مدينة الباب في ريف حلب الشرقي. بالفعل تزوجنا، وانتهيت من حياة العزوبية التعيسة التي كنت أعيشها، وأضعت سنوات كثيرة من العمر بلا ثمن. ونصيحتي للشبان أن يقدموا على الزواج ويؤسسوا أسراً لهم". تجدر الإشارة إلى أنه في مناطق سيطرة النظام، تلاحظ قضية عزوف الشبان عن الزواج بشكل واضح، لظروف في مقدمتها الخدمة الإلزامية، فضلاً عن الواقع المعيشي المتردّي وتراجع الدخل إلى حد كبير.
دلالات