في خطوة تصعيدية من جانب نظام بشار الأسد ورغم تدهور العلاقات الاقتصادية بين سورية وتركيا أصلا، تعتزم الحكومة السورية خوض معركة جديدة ضد أنقرة على المستوى الاقتصادي عبر "تأسيس مكتب لمقاطعة الشركات التركية".
وسيكون من أولى مهام المكتب الجديد إعداد "لائحة سوداء" تحوي أسماء شركات تجارية تركية لكي يتم حظر عملها في سورية، وبرر معاون وزير الاقتصاد والتجارة السوري عبد السلام علي، اتخاذ هذه الخطوة بأن الشركات التركية خربت الاقتصاد السوري، حسب زعمه.
ويأتي ذلك التطور على خلفية استمرار تدهور العلاقات بين البلدين، على جميع المستويات منذ قيام الثورة السورية في عام 2011.
علاقات وطيدة
وعلى عكس العلاقات المتدهورة الآن بين البلدين، ازدهرت العلاقات طيلة العقد الأول من القرن الحالي، لاسيما في عام 2004 عقب توقيع اتفاقية التبادل التجاري، التي أدت إلى رفع حجم التبادل التجاري بين سورية وتركيا بنسبة 150% في غضون خمس سنوات فقط، إذ ارتفع من 800 مليون دولار العام 2005، إلى نحو 2.5 مليار دولار في العام 2010.
وشكلت سورية الممر الأمثل للبضائع التركية التي اجتاحت الأسواق اللبنانية والأردنية والمصرية، فضلاً عن أسواق بلدان الخليج العربي والسوق السورية، وارتفع عدد المشاريع الاستثمارية التركية في سورية في السنوات الخمس بنحو 100%.
وفي المدينة الصناعية بحلب، شكل المستثمرون الأتراك وحدهم نحو 40% من المستثمرين العرب والأجانب (24 مستثمراً تركياً من أصل 60 مستثمراً عربياً وأجنبياً) بحسب بيانات غرفة تجارة حلب للعام 2010.
وأظهرت إحصاءات وزارة السياحة التركية في مطلع عام 2011، ارتفاعاً كبيراً في أعداد السياح العرب القادمين إلى تركيا.
وحلّت سورية في المركز الأول بحسب صحيفة الوطن السورية، إذ بلغت نسبة الزيادة 91.5% وبواقع 748 ألف سائح، مقابل 390 ألف سائح في العام السابق.
وفي مطلع يونيو/حزيران من العام 2011، ورغم أن النظام شرع في إطلاق الرصاص على المظاهرات السلمية التي عمّت البلاد، إلا أن العلاقات بين البلدين استمرت طبيعية آنذاك، وافتتح بشار ملتقى الأعمال السوري التركي فى ذلك الوقت، وشدد في كلمته الافتتاحية على ضرورة مضاعفة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وأدت العلاقة المزدهرة إلى تأخر تركيا شهورا عدة بعد الثورة في رد فعلها الحاسم بالوقوف ضد نظام بشار.
قطيعة اقتصادية
لكن في شهر سبتمبر/ أيلول 2011 تدهورت العلاقات السياسية بشكل كبير بعد أن أعلنت حكومة أردوغان موقفاً واضحاً لمساندة الثورة السورية، ودانت الحل الأمني الذي يتبعه نظام الأسد.
وكانت النتائج على المستوى الاقتصادي سريعة جداً، إذ أصدرت وزارة الاقتصاد السورية قراراً بفرض حظر واسع النطاق على الواردات التركية.
وبعد أن تغنى المسؤولون في النظام السوري طيلة سنوات ماضية بالتعاون السوري التركي والشراكة والأخوة، بدأ الحديث عن "الاستعمار العثماني الجديد"، وانتقد وزير الاقتصاد والتجارة حينها محمد نضال، اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا ووصفها بـ "غير العادلة"، ودعا إلى "إعادة النظر في كل الاتفاقات".
ولم يقف الأمر هنا، بل دخلت هيئة تنمية وترويج الصادرات السورية، وبصورة مفاجئة على خط الخلاف التركي السوري، حينما قالت إن اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا "أثّرت سلباً على قطاع الأعمال السوري"، إذ تعرضت "صناعة المفروشات المنزلية لمنافسة قوية أدت إلى إغلاق 20% من المنشآت في هذا القطاع".
كما تراجعت صناعة الملابس والنسيج السورية في السنوات الأخيرة، وقدرت الهيئة عدد المنشآت النسيجية التي أغلقت بشكل جزئي أو كامل، بما يتراوح بين 70 و100 منشأة.
رزمة عقوبات
وأعقب ذلك قرار تركي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، بتطبيق رزمة عقوبات على سورية، كان منها حظر بيع الأسلحة، وإغلاق الأجواء التركية أمام الطيران الذي ينقل الأسلحة، وتجميد أموال أي مسؤول أو رجل أعمال سوري يتعاون مع النظام، كما أوقفت التعاملات المالية مع مصرف سورية المركزي، ووقف القروض التي تقدم للحكومة السورية.
وفي نهاية شهر آذار/ مارس 2012 أي بعد عام تقريبا على اندلاع الثورة السورية أعلنت تركيا إغلاق سفارتها في العاصمة السورية دمشق، لتنهي بذلك الفصل الطويل من العلاقات الوطيدة، وليستمر تدهور العلاقات الاقتصادية، إذ سجل التبادل التجاري في عام 2013 تراجعاً بنسبة 85% عن العام السابق، بحسب بيانات وزارة الاقتصاد السورية.
وبذلك تصل العلاقات السورية التركية إلى ذروة التوتر والصدام، بعد أن شهد النصف الثاني من العقد الماضي ( 2005 - 2010) انتعاشا غير مسبوق في تاريخ البلدين.