استفاق أهالي مدينة دوما في ريف دمشق صباح أمس الخميس، ككل يومٍ تقريباً منذ أشهر، على دوي قصفٍ صاروخي جديد، استهدف الأحياء السكنية، وأدى لوقوع ضحايا من المدنيين، لكن ظروفه كانت مختلفة عما سبقه طيلة نحو أربع سنوات، إذ جاء في أعقاب أنباء عن هدنة غير مسبوقة تمتد لخمسة عشر يوماً، كان من المتوقع أن تبدأ في عموم الغوطة الشرقية فجر أمس، غير أن المحادثات بشأنها تعثرت. لكن ذلك لا يعني أن الفكرة قد ألغيت، بقدر ما يؤكد أن الفترة المقبلة قد تشهد تطورات غير مسبوقة، تُقدم عليها مختلف الأطراف، لاستشعارها بخطورة المرحلة، وضرورة التعاطي مع مقتضياتها بمرونة.
وأعلن "جيش الإسلام" أمس، أنه يدرس اقتراحاً بوقف لإطلاق النار. وقال المتحدث باسم "جيش الإسلام" إسلام علوش، لوكالة "رويترز"، إنه "عُرضت مبادرة وقف إطلاق النار من قبل أحد الوسطاء الدوليين على الرئيس السابق للهيئة الشرعية لدمشق وريفها الشيخ سعيد درويش، والأخير وضع الموضوع بين يدي الفصائل العسكرية والفعاليات المدنية".
كما كانت وكالة "فرانس برس"، قد نقلت عن "مسؤول أمني سوري كبير" تأكيده أن "محادثات تجري بين الحكومة وبين مجموعات مسلحة في الغوطة الشرقية لوضع حد للعمليات العسكرية"، قائلاً:" يقوم حلفاؤنا الروس بدور مباشر في الاتصال مع الذين يدعمون المجموعات المسلحة".
وحاول النظام التعبير عن عدم اكتراثه بالحديث عن الهدنة، إذ إن وزير المصالحة الوطنية في الحكومة علي حيدر، قال ليل الأربعاء لإذاعة محلية موالية، إن "كل الأخبار التي تتحدث عن وقف إطلاق نار في مناطق الغوطة الشرقية بريف دمشق لمدة 15 يوماً هي إشاعة حتى اللحظة".
بالتوازي مع ذلك تقريباً، كان المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد قد أوضح الأربعاء بأنه "ستبدأ يوم غد (الخميس) مبادرة إثبات حسن نية يضمن فيها الروس عدم قيام النظام بقصف الغوطة الشرقية أو استهدافها بأي سلاح لمدة 15 يوماً"، مضيفاً أنه "بعد إثبات حسن النية يتحدد موقف الثوار من إقرار وقف إطلاق النار من عدمه"، مشيراً إلى أن "وقف إطلاق النار يعني وقف كل العمليات القتالية والسماح بعبور المساعدات الإنسانية لمدة متفق عليها وليس اتفاق سلام طويل الأمد".
وعلى الرغم من تحفّظ معظم الشخصيات الرسمية المعنية في المعارضة (فصائل الغوطة العسكرية بشكل خاص)، التي حاولت "العربي الجديد" التواصل معها، التعليق على طبيعة هذه المحادثات، فإن كلاً من النظام والمعارضة، وعبر قنوات رسمية أو شبه رسمية، حاولا التقليل من قيمة الحديث عن الهدنة، وإن لم يبديا رفضاً لها.
ويبدو أن ذلك يأتي، تجنباً للظهور بموقف ضعفٍ عسكري أو سياسي، في هذه الفترة المفصلية، والتي يبدو أن مختلف الأطراف تعي تماماً خطورتها وحساسيتها، في أعقاب اجتماعات فيينا الثلاثة، وما رشح عنها من نتائج ومواقف مختلفة، تُجمع معظمها على أن الطريق نحو وضع آلياتٍ تنفيذية لحلٍ سياسي.
وعليه، فإن أطرافاً عديدة، ذات فاعلية عسكرية وسياسية في الساحة السورية، استشعرت خطورة وحساسية المرحلة، وباتت تتخذ إجراءاتٍ تصب في سياق التعاطي بمرونة، تتوافق وطبيعة التطورات البالغة الخطورة على حاضر ومستقبل القضية السورية.
اقرأ أيضاً: سورية: أنباء عن وقف إطلاق نار بريف دمشق الشرقيّ
وفي هذا السياق، كانت "حركة أحرار الشام الإسلامية" قد أصدرت بياناً في السابع عشر من الشهر الحالي، ينص على إعادة "هيكلة المكتب الشرعي العام، تحت اسم هيئة الدعوة والإرشاد" وبموجبه أنهت الحركة تكليف مسؤولها الشرعي العام أبو محمد الصادق، وتعيين "الشيخ أبو جابر رئيساً لهيئة الدعوة والإرشاد، وأميناً لسر المجلس الشرعي في الحركة". كما نص البيان على إحداث "الهيئة القضائية" وتعيين الشيخ أبو النور رئيساً لها، على أن "يقوم بإعداد النظام الداخلي للهيئة القضائية".
ويشير مراقبون وباحثون في شؤون الجماعات الإسلامية، إلى أن هذا التغيير الجديد في الحركة ذات الثقل العسكري الكبير شمالي البلاد، يأتي في سياق النهج الذي اتبعته في الشهور الماضية، إذ إنها تسعى لتكريس صورتها كفصيل ثوري سوري، وتجلى ذلك تدريجياً، بداية من توقيعها لـ"ميثاق الشرف الثوري" في مايو/أيار عام 2014، ورفعها لاحقاً لشعار "ثورة شعب" إضافة إلى خطوات أخرى، كتوجهها للرأي العام الغربي، من خلال مقالاتٍ نشرها مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة لبيب النحاس في صحفٍ غربية.
ويرى الأمين العام للائتلاف الوطني السوري محمد يحيى مكتبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجميع الآن يدرك خطورة المرحلة الحالية، والأمر الذي تجمع كل الأطراف السياسية والعسكرية في الثورة عليه هو ضرورة أن تتوحّد القوى العسكرية في ظل مشروع وطني لكل سورية"، مؤكداً أن "الائتلاف يرحب بكل خطوة في هذا السياق، وسيكون داعماً لها على كل المستويات". ويشير إلى أن "الائتلاف حريص أشد الحرص على جمع القوى العسكرية في سبيل معركة الخلاص من إجرام نظام بشار الأسد وتنظيم داعش، لأنهما وجهان لعملة واحدة ويوزعان الأدوار بينهما".
وحول الحديث عن وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية، يقول مكتبي، "إن القيادات العسكرية على الأرض التي دافعت عن المدنيين هناك طيلة الفترة الماضية، لديها من الوعي ما يكفي لاتخاذ قراراتٍ تصب في صالح الثورة، وهي أدرى بواقع الجبهات"، معلناً أن "الائتلاف يدعم أي خطوة توقف إجرام النظام وحلفائه الروس والإيرانيين بحق المدنيين".
ويوضح الأمين العام للائتلاف أنه "سيكون لنا غداً (اليوم) لقاء مع الإخوة في الغوطة لبحث عدة مسائل بينها الهدنة"، مشيراً إلى أن "الائتلاف يحرص على حصول وقف نار شامل في كل سورية، لأن الهدن الجزئية تنعكس سلباً على المناطق الأخرى كون النظام سيقوم بتجميع قواته وتحويلها إلى جبهات أخرى". كما يشدد على أن "الحديث عن وقف إطلاق النار يجب أن يكون مرتبطاً بدفع العملية السياسية، حتى لا يتهرب النظام وداعموه من استحقاقات الحل السياسي"، محذراً من "المماطلة والمراوغة والتسويف الذي يشتهر به النظام والإيرانيون الذين يحاولون أن يكسبوا الوقت، ويتملصوا من تعهداتهم".
اقرأ أيضاً: أوباما: لن نتمكن من القضاء على داعش بوجود الأسد