واستأنفت "هيئة تحرير الشام" العملية الأمنية التي تقوم بها في مناطق سيطرتها في ريف إدلب شمال غرب سورية، وتقول إنها تستهدف القضاء على خلايا تابعة لتنظيم "داعش" في المنطقة مسؤولة عن عمليات اغتيال جرت أخيراً، وأشخاصاً متهمين بالترويج لـ"المصالحة مع نظام بشار الأسد". وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن القوى الأمنية التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" أعلنت، أمس الأربعاء، عن حظر للتجول في العديد من القرى والبلدات بريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي المتاخم لريف حماة الشمالي، موضحة أن حظر التجول جاء بالتزامن مع عمليات دهم للعديد من المواقع التي يعتقد أنها "أوكار" لخلايا نائمة تابعة إلى "داعش"، فضلاً عن مداهمة عشرات المنازل، التي يتهم القاطنون فيها "بالترويج للمصالحة مع نظام بشار الأسد".
وشملت العملية، وفق المصادر، قرى وبلدات التمانعة، وأم جلال، وخوين، وتحتايا السرج، والتح، والحديتي، والهلبة، والرفة، وأبوحبة، وكفرباسين، وبابولين، وصهيان، والدير الشرقي، والصرمان، والسحال، وجرجناز والعديد من القرى، والمزارع المحيطة بها. وأكدت مصادر محلية أنه "تم اعتقال أكثر من 50 شخصاً خلال عمليات المداهمة، معظمهم ممن يتنقلون بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته ويتلقون رواتب مقابل وظائف لدى الدوائر الحكومية التي يسيطر عليها النظام في حماة". وكانت "هيئة تحرير الشام" بدأت حملة أمنية في إدلب وريفها الأسبوع الماضي، قال مسؤولون في "الهيئة" إن الهدف منها بشكل أساسي "رؤوس المصالحات في مدينة خان شيخون وقرية مدايا"، تم خلالها اعتقال العديد من الأشخاص. إلى ذلك، تقول مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن قوات تابعة إلى "الجبهة الوطنية للتحرير"، المشكلة حديثاً من فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب قامت، أمس الأربعاء، بحملة دهم واعتقالات في مدينة معرة النعمان بريف إدلب استهدفت أشخاصاً متهمين بالترويج للمصالحة مع النظام.
وتقول مصادر محلية إن النظام بدأ أخيراً بالاتصال مع شخصيات محلية، هي بمثابة "طابور خامس"، في محاولة لتسويق فكرة "المصالحة" مع قوات النظام لتجنيب المنطقة "التدمير"، وفق زعمها، على غرار ما حدث في مناطق من حمص ودرعا والقنيطرة، وهو ما يهدد بسقوط مناطق في جنوب إدلب دون مقاومة في حال شن هجوم من قوات النظام على المنطقة. وبات من الواضح أن النظام بدأ بشن "حرب نفسية" على محافظة إدلب، قبيل عملية عسكرية متوقعة ربما تقوم بها قواته لاستعادة السيطرة على المعقل البارز للمعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام". ويخشى الشارع السوري المعارض من ظهور شخصيات داخل المعارضة تتعامل "سراً" مع النظام من أجل تمهيد الطريق له للعودة مرة أخرى إلى الشمال السوري من خلال ضرب الروح المعنوية للحاضنة الاجتماعية للثورة. واستفاد النظام مما بات يُعرف بـ"الضفادع" (نسبة إلى بسام ضفدع، وهو إمام مسجد كفر بطنا في الغوطة الشرقية تعاون مع قوات النظام)، في التغلب معنوياً وعسكرياً على المعارضة السورية، خصوصاً في غوطة دمشق وفي محافظة درعا جنوب البلاد، وهو يحاول تكرار نفس السيناريو في محافظة إدلب.
وتأتي عمليات الاعتقال والدهم في ظل فلتان أمني تشهده مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" في شمال غربي سورية، والتي يشكل وجودها أصلاً الحجة الأقوى لدى النظام وروسيا للقيام بعمل عسكري في محافظة إدلب. وكان مسلحون مجهولون اقتحموا قبل أيام مستشفى "الساحل" التخصصي، الواقع على طريق عين البيضا بريف إدلب الغربي، واختطفوا أحد الأطباء، وهو في الوقت ذاته مدير "صحة اللاذقية" التابعة للحكومة السورية المؤقتة، الأمر الذي دفع "صحة اللاذقية" إلى تعليق عملها احتجاجاً على الانفلات الأمني بالمنطقة. وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أنه تم العثور، الأحد الماضي، على جثة ممرضة تعمل في مستشفى بنش في ريف إدلب مقطوعة الرأس، مؤكداً مقتل المئات شمال غربي سورية منذ إبريل/نيسان الماضي في عمليات تفجير مفخخات، وعبوات ناسفة وإطلاق نار.
بموازاة ذلك، نسفت قوات النظام السوري اتفاقات أبرمتها فصائل المعارضة السورية في ريف حمص الشمالي، تنص صراحة على عدم دخول هذه القوات إلى مدن وبلدات هذا الريف. وأكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام داهمت مساء الثلاثاء الماضي الأحياء السكنية في بلدة الغنطو بريف حمص الشمالي، واعتقلت خمسة شبّان واقتادتهم إلى جهة مجهولة. وبحسب معلومات من ناشطين فإن قوات النظام تزعم أنها تبحث عن 45 مدنياً في بلدة الغنطو، مطلوبين لـ "دعاوى شخصية ضدهم"، مشيرين إلى أن هذا الزعم مجرد ذريعة لاعتقال وتصفية مدنيين على خلفية موقفهم المؤيد للثورة. وكانت قوات النظام، ومليشيات محلية تابعة لها اقتحمت، الإثنين الماضي، منطقة اللجاة في ريف درعا، واعتقلت مئات المدنيين، تحت ذريعة البحث عن "خلايا تابعة لتنظيم داعش". وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن هذه القوات "تواصل عمليات التضييق على المدنيين وسكان منطقة اللجاة، في القطاع الشمالي الغربي من ريف درعا"، ناقلاً عن مصادر أهلية أن عشرات المدنيين جرى اقتيادهم من قبل قوات النظام، من منازلهم ونقلهم من قرى بمنطقة اللجاة، بذريعة إعلانه القرى التي أخرج المواطنون منها منطقة عسكرية، وتأمين مطار خلخلة العسكري. وأشار "المرصد" إلى أن استياءً يسود القطاع الشمالي الشرقي من ريف درعا، نتيجة عمليات المداهمة المستمرة من قبل قوات النظام. وفي السياق، قضى طبيب من غوطة دمشق الشرقية تحت التعذيب بعد أيام من اعتقاله من قبل قوات النظام رغم الضمانات الروسية بعدم التعرض لمن بقي في مدن وبلدات الغوطة في اتفاق مع المعارضة السورية. وأكدت مصادر عدة منذ أيام مقتل الطبيب معتز حتيتاني، بعد اعتقاله في أحد مراكز الإيواء التي خرج إليها أهالي الغوطة الشرقية بالقرب من العاصمة دمشق.