سورية ساحة الحرب الباردة

08 أكتوبر 2016
+ الخط -
لم يكن غريباً على السوريين ما أعلنت عنه واشنطن، أخيرا، من تعليق مباحثاتها مع موسكو بخصوص الملف السوري، والذي أُرفق بنفاذ الصبر الأميركي على روسيا، بحجة أنّ الأخيرة لم تلتزم بوعودها بالضغط على نظام الأسد، لمنعه من استهدف المدنيين والفصائل المعتدلة في سورية، تبعاً للاتفاق المنهار بينهما في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي.
يدرك المراقب لسلوك الإدارة الأميركية على مدار خمس سنوات من عمر الصراع في سورية أنّ أميركا تقوم بدور المدير للأزمة وليس حلّها، وما التصريحات الأخيرة لواشنطن في البحث عن خياراتٍ عسكرية، إلا هدر للوقت ليس إلا، فالإدارة التي امتنعت على مدار خمس سنوات من اتخاذ قرارات حاسمة لن تتخذ قراراتٍ في أواخر عهدها، وليس لأنها غير قادرة بل لأنها غير راغبة بذلك.
أميركا لم يهمهما يوماً مصالح الشعب السوري التي منعت تسليح المعارضة حتى يومنا هذا للدفاع عن نفسها، فلا هي راغبة في أن تخسر جندياً أميركياً واحداً، ولا تريد للشعب السوري أن يدافع عن نفسه، والذين يعوّلون على هذه الإدارة ننصحهم أن يعيدوا النظر في حساباتهم، ويستمعوا كثيراً للتصريح المسرّب لوزير الخارجية، جون كيري، والذي طلب بشكل مباشر من المعارضة بقبول بشار الأسد في السلطة، ونسف كل التضحيات التي قدّمها الشعب الذي قدّم الغالي والنفيس للخلاص من نظام الاستبداد ورموزه.
أثبت جون كيري لنا فشل وخذلان إدارته، وأظهر لنا تناقضها، ويدّعي ويقول إنّ أميركا لن تتخلّى عن الشعب السوري، وكيف لا تتخلّى عنه، إذا كانت أساساً لا يعنيها الشعب ببرمته؟ فالدولة التي تنصّب نفسها راعية السلام، وتقف عاجزةً عن المحرقة في حلب، هي دولة معادية للسلام، ولا يهمّها إلا مصالحها، وقالها لنا علانية كيري، بأنّ على الجميع في سورية أن يقاتل من أجل أميركا، وليس لأيّ شيء آخر، وبالنسبة للأسد أجاب إنّه لا يوجد قرار من مجلس الأمن لإسقاطه، وهذا طبيعي طالما أنّ أميركا اجتاحت العراق من دون الرجوع إلى مجلس الأمن، فهي عندما تريد الحفاظ على الأسد ترمي الكرة في أحضان مجلس الأمن وتدير لنا ظهرها.
انهيار اتفاق كيري لافروف ظهرت تداعياته على العلن، فما يصدر على وسائل الإعلام من حرب كلامية بين القطبين، ورمي كل منهما الكرة بمعلب الآخر يوحي، للوهلة الأولى، أنّ رياح الحرب الباردة عادت أدراجها من جديد، ولكن هذه المرة في الملعب السوري.
حمّلت واشنطن موسكو المسؤولية الكاملة لانهيار اتفاقية وقف الأعمال العدائية، متناسيةً أنّها هي من قامت بضربة استفزازية باستهداف قوات النظام في دير الزور بغارةٍ أشعلت هيجان الدب الروسي، وجعلته أكثر شراسةً في المحرقة السورية، وهذا ما ظهرت بوادره من خلال اجتياح روسيا مدينة حلب أرضاً وجواً في مشهدٍ هو الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية.
ولسنا هنا بصدّد الدفاع عن موسكو، فهي أشدّ ضراوةً من واشنطن، حيث ردّ الدب الروسي على التصريحات الأميركية بإرسال تهديدات لواشنطن، مفادها بأنّ أيّ استهدافٍ لقوات النظام في سورية قد يفضي إلى حدوث زلزال في المنطقة، ولم يتردّد بوتين في القول إنه مستعد لحرب عالمية نووية، وباشر على الفور بنشر منظومة دفاعية AS23 في طرطوس، مخصّصة لاستهداف الطائرات والصورايخ الحديثة. علاوةً في ذلك، طلبت موسكو من مجلس الدوما أن يصادق على قرار يسمح لها بنشر قواتها في سورية بشكل دائم، ما يعني استمرار شلّال الدم السوري، ولا رادع ولا هوادة تقف بوجهها.
لن تغير روسيا من سياستها، بل على العكس هي تزيد من قوتها في سورية، وتعزّز وجودها، ليس حفاظاً على الأسد، بل تسعى جاهدةً إلى ما بعد الأسد بالحفاظ على حصّتها وامتلاكها بشكل دائم، وتريد من أميركا أن تقبل بذلك، وربّما يكون التمسّك الروسي مبنياً على الجزء الخفي من الاتفاق الأخير، والتي أعلنت واشنطن عن فشله، أو تنصّلت منه، لأنّها لا تريد إظهار شيء من الترتيبات المعدّة لسورية في الوقت الراهن، فهي أرادت أن تصدر الملف للرئيس الجديد في البيت الأبيض إلا أنّ موسكو تحاول إنجاز كل شيء قبل إعلان الرحيل.
الملاحظ من هذا العرض أنّنا لم نتطرّق لدور أصدقاء سورية، ولا حتى المحاولة الفرنسية بتمرير قرار بخصوص مدينة حلب، ولا حتى دور جامعة الدول العربية التي لم تتحرّك إلا منذ أيام، وتطالب أن يكون لها دور بخصوص حل الأزمة في سورية، ونحن طوال المحرقة الروسية الأخيرة لم نسمع لها حتى تنديداً أو طلب سحب سفراء من موسكو، والمحاولة الفرنسية تبقى محاولةً خجولة ما دام الفيتو الروسي يلوح مسبقاً لمنع هذا القرار .
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)