وصل الصراع في سورية بين قوات النظام من جهة وقوات المعارضة من جهة ثانية، قبل نهاية العام الماضي، إلى حالة استعصاء ميداني، إذ تمكّن كل طرف من حماية خطوط دفاعه بطرق مختلفة، تراوحت بين تفخيخ المباني التي يسيطر عليها على خطوط التماس، وبين نصب أنظمة المراقبة بالتصوير المباشر عن طريق شبكة من كاميرات المراقبة. كذلك تم نشر القناصين والنقاط الدفاعية المتقدمة، وصولاً إلى استخدام قوات النظام الطيران في الدفاع عن نقاط سيطرتها في الأماكن المفتوحة.
هذا الوضع دفع قوات المعارضة إلى اعتماد استراتيجية حفر الأنفاق بهدف التسلل من خلالها إلى أسفل المباني، التي تتحصن بها قوات النظام ووضع كميات من المتفجرات أسفل هذه المباني وتفجيرها أو الاشتباك من خلالها مع القوات المتمركزة فيها.
تطور الأمر في ما بعد، إذ حفرت المعارضة شبكات أنفاق متكاملة تصل إلى معظم النقاط ،التي تستخدمها قوات النظام على خطوط المواجهة بين الطرفين. في المقابل، ردّ النظام على ذلك عبر حفر شبكات أنفاق دفاعية بهدف كشف أي خرق قد تحاول المعارضة إحداثه في خطوط التماس من خلال نفق، ومن ثم تفجير النفق بواسطة لغم موجه لينهدم بشكل كامل.
إلا أنه في الشهرين الأخيرين، أصبح النظام يحاول التسلل لمناطق سيطرة المعارضة عن طريق أنفاق يقوم بحفرها تحت الأرض، لتنعكس الصورة تماماً وتأخذ المعارضة مهمة المراقبة والبحث لكشف الأنفاق الهجومية، التي تحفرها قوات النظام وتقوم بتفجيرها عند اكتشافها. وتمكنت المعارضة في الأسبوع الماضي من تفجير عدة أنفاق كان النظام يحاول التسلل من خلالها إلى مناطق سيطرتها في منطقة بيت سحم في ضواحي دمشق الجنوبية.
وكانت قوات النظام قد بدأت باستخدام استراتيجية حفر الانفاق بهدف الوصول إلى مناطق المعارضة في الفترة الأخيرة، بشكل كثيف، في معظم مناطق ضواحي العاصمة دمشق وريفها.
ويوضح الناشط، وائل الداراني، من ريف دمشق لـ"العربي الجديد" أن النظام يحفر الأنفاق على خطوط التماس بهدف التسلل إلى نقاط قوات المعارضة أو تفجيرها، إذ إن تفجير النقاط العسكرية عن طريق نفق يتم حفره أسفل النقطة أكثر فاعلية بكثير من عملية قصف النقطة بالبراميل المتفجرة، التي ثبت لقوات النظام عدم فاعليتها بعد تمكن قوات المعارضة من التأقلم مع القصف واستفادتها من عشوائية رمي البراميل المتفجرة في حماية نفسها.
وعلى عكس الوضع في ريف دمشق وضواحيها، لم تمنح قوات المعارضة في مدينة حلب الفرصة، إلى اليوم، لقوات النظام لتتمكن من حفر أنفاق هجومية على خطوط التماس بين الطرفين وسط المدينة. وتسيطر المعارضة على معظم مدينة حلب القديمة، الأمر الذي مكّنها من استخدام مغاور وأنفاق تاريخية موجودة أسفل بيوت أحياء حلب القديمة في عملية بناء شبكة متكاملة من الأنفاق تحت الأرض، مكّنت قواتها من التفوق الكامل على قوات النظام في عملية حفر الأنفاق.
ونجحت المعارضة في تفجير مقرات كبيرة عدة كانت تتحصن بها قوات النظام وسط مدينة حلب، بينها مبنى القصر العدلي في شهر مارس/آذار الماضي. وهو مبنى ضخم يقع مقابل الباب الرئيسي لقلعة حلب.
كما نجحت في تفجير مبنى فندق الكارلتون، الذي كانت تتحصن فيه قوات النظام إلى الغرب من قلعة حلب، في شهر مايو/أيار الماضي، لتقوم قوات المعارضة بعدها بتفجير مبنى السرايا الحكومي الواقع أمام قلعة حلب أيضاً في شهر يوليو/تموز الماضي، وتتمكن بعدها من السيطرة على محيط قلعة حلب بشكل شبه كامل.
أدت هذه التفجيرات إلى دمار أغنى منطقة بالمعالم التاريخية في مدينة حلب القديمة، إذ دُمّرت المباني المذكورة بسبب التفجيرات وتضررت مبانٍ وأسواق أخرى مجاورة كجامع الأطروش التاريخي وخان الشونة، وهو الأمر الذي دفع الكثير من الناشطين الحقوقيين إلى انتقاد المعارضة بسبب استهتارها بقيمة المباني التاريخية التي فجّرتها بهدف طرد قوات النظام من المنطقة.
لكن قياديين في قوات المعارضة يؤكدون لـ"العربي الجديد" اضطرار قواتهم إلى استخدام هذه الاستراتيجية، مع حالة الاستعصاء الميداني وتمترس قوات النظام في الشوارع الضيقة والمباني السكنية المتلاصقة في مدينة حلب القديمة.
أسباب أخرى دفعت قوات المعارضة إلى استخدام استراتيجية حفر الأنفاق في محيط معسكر وادي الضيف، التابع لقوات النظام في ريف إدلب الشرقي، إذ قامت بين شهري مايو/أيار وأغسطس/آب الماضيين بتفجير حواجز عدة لقوات النظام في محيط العسكر، كان أشهرها حاجز الصحابة الواقع شمال وادي الضيف وحاجز تلة السوادي، اللذين دُمرا بالكامل.
ويشرح الناشط، حسان معرواي، لـ"العربي الجديد" أسباب لجوء قوات المعارضة إلى استخدام استراتيجية حفر الأنفاق في المنطقة الواقعة شرق مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، مشيراً إلى أن "قوات المعارضة حاولت مراراً التقدم نحو هذه الحواجز براً، لكن طبيعة المنطقة المكشوفة مكنت طيران قوات النظام، في كل مرة تقدمت فيها قوات المعارضة، من استهداف هذه القوات بسهولة وإجبارها على الانسحاب". ويوضح أن "هذا الأمر دفع قوات المعارضة إلى حفر أنفاق بلغ طول بعضها أكثر من 700 متر للوصول إلى أسفل حواجز قوات النظام، ووضع كميات كبيرة من المتفجرات أسفلها قبل تفجيرها بالكامل".
وحشدت المعارضة إمكانيات ضخمة على المستوى البشري واللوجستي لحفر الأنفاق. وتسبب حفر الأنفاق لمسافات طويلة في محيط معسكر وادي الضيف بصعوبات جمّة للمعارضة، نظراً لأن فرق الحفر، التي وصل عددها في بعض الأحيان إلى ثلاثمائة شاب، عانت من نقص الأوكسجين في النفق بعد أن زاد طوله عن مائة متر. واضطروا إلى استخدام أجهزة ضخ أوكسجين من أسطوانات تم إدخالها إلى النفق، بدلاً من عمل فتحات لإدخال الهواء خوفاً من كشف قوات النظام الأنفاق التي تعمل قوات المعارضة على حفرها باستخدام أدوات يدوية من معاول وفؤوس وعربات دفع يدوية لنقل الأتربة والصخور خارج النفق.
وعلى الرغم من الإجراءات الاحترازية، التي اتخذتها قوات المعارضة، إلا أن قوات النظام تمكنت أكثر من مرة من كشف الأنفاق التي تحفرها المعارضة.
وفجّرت عدّة أنفاق لها في مدينة حلب، وفي ضواحي دمشق وريفها، بعد تسللها إليها من الأنفاق الدفاعية التي حفرتها قوات النظام.
في المقابل، كانت الأنفاق الدفاعية التي حفرتها قوات النظام صيداً سهلاً لقوات المعارضة، التي تمكنت من السيطرة عليها بعد الاشتباك مع قوات النظام التي تحرس الأنفاق تحت الأرض.
وتمكنت قوات المعارضة، ممثلة بالاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، من التسلل في شهر يوليو/تموز الماضي من حي جوبر، الذي تسيطر عليه شمال دمشق، إلى أسفل حاجز "عارفة"، الذي تحمي قوات النظام من خلال سيطرتها عليه ساحة العباسيين الرئيسية في العاصمة. وتمكنت المعارضة من الاشتباك مع قوات النظام التي تحمي الأنفاق الدفاعية أسفل الحاجز وتسيطر عليها، قبل أن تتسلل إلى المباني، المشرفة على ساحة العباسيين، من خلال الأنفاق وتسيطر على تلك المباني.