سورية: تكليف الحلقي لإعادة إنتاج الدمار

16 اغسطس 2014
الحلقي رئيساً للحكومة مجدداً(وكالة الاناضول/getty)
+ الخط -

كلف الرئيس السوري بشار الأسد بمرسوم جمهوري، رئيس حكومة تصريف الأعمال وائل الحلقي بتشكيل حكومة جديدة، ضمن حملة ترويج الانتصار التي يعتمدها الأسد، وإعادة إنتاج ذهنية وممارسة "الممانعة".

وتأتي خطوة تكليف الحلقي بعد أن أعاد الأسد بمرسوم قبله، نجاح العطار نائبة له، بهدف تأكيد استمرار نهج الاستقواء، وصرف الأنظار عن قتله وتهجيره للشعب وتدميره للبنى والهياكل، وتحويله ثورة الكرامة السورية في إعادة توزيع الثروة وتحسين الدخل، إلى حرب على الإرهاب، أو أزمة إنسانية يتلخص الرد عليها، من الكبار وأصدقاء سورية اللذين دعوا لرحيله، ببناء مخيمات وقبول لجوء الهاربين من الموت، أوبعض مساعدات إنسانية لجياع ومشردين.

تقييم الأداء

تعطى الحكومات عادة، مائة يوم قبل أن تطالب بتقديم كشف عن برامجها ونتائج أعمالها، ليقاس وفقه لاحقاً، تقييم أدائها وإخضاع خططها للنقد والتصويب، وفق مصالح الشعب وأهداف الدولة، لكن "الخصوصية السورية" تجيز الخروج عن كل عرف وقانون، واكتفت دولة البعث الممانعة بتقديم بعض التبريرات لوزراء الاقتصاد والخدمات أمام مجلس الشعب، كان آخرها استجواب رئيس الوزراء وائل الحلقي في 6/29/ 2014 الذي حوله لخطاب وطني، محملاً فشل حكومته في نقص الماء والكهرباء والغذاء، بل وبلوغ السوريين حدود الموت جوعاً، على "المجموعات الإرهابية" التي تستهدف صمود الوطن ومنشآته.

ليست هذه المرّة الأولى التي تغيب خلالها الحكومة السورية عن النقد والتقييم والمحاسبة على النتائج، بل هو نهج سار منذ وصول حزب البعث لسلطة عام 1963، وكرسه حكم الأسدين الأب والابن، منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970 حتى اليوم.

فحتى حكومة محمد ناجي عطري التي امتدت منذ عام 2003 حتى عام 2011، وينسب لأدائها جل الاحتقان الشعبي الذي فجر الثورة، من تجويع وفساد وانتقال غير محسوب النتائج إلى اقتصاد السوق، لم تخضع لأيّ محاسبة أو حجب ثقة، بل أبقى بشار الأسد على ناجي العطري رئيساً لمجلس الوزراء رغم إجراء ثمانية تعديلات رئيسة على حكومته.

إلى ذلك، وحفاظاً على نهج الترقيع البعيد عن أيّ شكل ديمقراطي يشارك عبره السوريون في تقييم أداء الحكومة، أجرى الرئيس السوري تعديلين على حكومة وائل الحلقي عام 2013، الأول عام، شمل وزيرين والثاني طال ست وزارات اقتصادية وخدمية، دون فتح ملفات مؤسسة رئاسة الوزراء التي غابت عن أدائها تقديم المبادرات والحلول وترك الوزارات تعيث في الارتجال والفوضى، فكان فلتان الأسعار على أوجه، ووصل ارتفاعه لبعض السلع إلى 1000 في المائة، ووصلت نسبة الفقر إلى 52 في المائة، وتضخمت الليرة إلى أكثر من 150 في المائة، بعد تبديد كامل الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 18 مليار دولار.

حكومة الخسائر

قد لا يحتاج السوريون لعظيم جهد، لمعرفة فاعلية أداء حكومة وائل الحلقي، الذي كلفه الرئيس ثانية لتشكيل الحكومة، وفق اعتبار الولاء لنهج القمع ولشخص الأسد ليس إلا، لأن إجمالي الخسائر التي لحقت بالوزارات والجهات العامة منذ الثورة السورية في مارس/أذار 2011 بلغت 67.4 تريليون ليرة، بحسب تصريح الحلقي نفسه، موزعة على أضرار مباشرة قدرها 5.779 مليار ليرة و 9.3 تريليون ليرة خسائر غير مباشرة.

وحول أكثر نواحي فشل الحكومة السورية، فربما يكون قطاع الكهرباء أولاً، نظراً لانقطاع التيار عن معظم المدن السورية، بما فيها التي يسيطر عليها النظام، لساعات تصل للعشرين خلال اليوم الواحد، وخسائر مباشرة بلغت 135 مليار ليرة وغير مباشرة تعدت 515 ملياراً نتيجة قصف آلة النظام العسكرية لمحطات الكهرباء وشركات النقل والتحويل.

وكان الفشل الذريع في قطاع النفط، وذلك ليس في عدم القدرة على المحافظة على الحقول والآبار التي يسيطر عليها الثوار الآن، بل وفي عدم القدرة على توفير المشتقات النفطية للسوريين، بل ورفع سعر المازوت والبنزين والتفكير برفع سعر المازوت الآن مرّة أخرى، علة في رفع الدعم وإسعاف لخزينة الدولة الخاوية.

أما عن خسائر هذا القطاع فقد فاقت 1600 مليار ليرة خلال ثلاث سنوات، موزعة بين 200 مليار أضرار مباشرة و1400 مليار خسائر غير مباشرة بسبب فقدان المخزون النفطي.

وبلغت خسائر وزارة النقل 85 مليار ليرة، وخسائر وزارة الصحة 100 مليار ومثلها للتربية والتعليم ، وخسائر القطاع الصناعي الإجمالية، المباشرة وغير المباشرة بما فيها المدن الصناعية التي هدمتها الطائرات والبراميل المتفجرة وسرقت موجوداتها، بلغت 568 مليار ليرة وخسائر وزارة السياحة بلغت 330 مليار ليرة.

لتكون خسائر الوزارات التي تأتي بالقطع الأجنبي وتوفر المال والسلع وتقي الليرة التضخم وسرعة الانهيار، هي الأبلغ فيما لو أراد النظام السوري محاسبة الحكومة ورئيسها بدل إعادة تكليفه للمحافظة على "الأبدية" التي نشأ عليها وتوارثها عن أبيه حافظ الأسد.

هنا، قد يخطر لأيّ متابعٍ سؤال: هل أمام هذه الأرقام يكلف رئيس الحكومة التي أنتجتها وكانت سبباً فيها أو عدم تلافيها على الأقل، بتشكيل حكومة أخرى على ذات الذهنية والأداء؟ فيما نحن في المقابل نسمع عن سحب ثقة عن حكومات لنقص مستوى معروض غذاء أو لحادثة طائرة أو كارثة طبيعية.

المساهمون