سورية: انتعاش تهريب الآثار... والمعارضة والنظام متهمان

دير الزور (سورية)

ألكسندر أيوب

avata
ألكسندر أيوب
13 مايو 2014
B5E5FCD2-1B34-4F49-BB50-5179EC36ABD8
+ الخط -


المكان: تلة الشيخ حمد بريف دير الزور
الزمان: وضح النهار
كان كل شيء يدعو الى السكون المريب بتلة الشيخ حمد بدير الزور او "الدير" كما يسميها أهلها... فجأة علا هدير محرك سيارة "بيك أب" عتيقة تحمل 7 رجال بالإضافة الى سائقها، نزلوا منها في همة ونشاط ساعدهم عليها الجو الرائع... في ثوان قليلة كانوا قد أفرغوا أجهزتهم الحديثة لكشف الآثار والتنقيب عنها من على متن السيارة، ليستكملوا ما بدأوه قبل أيام.

"لا احد من أهل المنطقة يعرف من هؤلاء، لا أحد يستطيع منعهم فهم مسلحون ومجهولون"، هكذا قال لــ"العربي الجديد" ناشط سوري مهتم بالحفاظ على آثار بلاده التي وصل حجم المسروق منها والمباع عالميا الى ما يقارب الملياري دولار بحسب تقارير دولية.

بالطبع لا يقتصر النهب المنظم لآثار "الدير" على تلة الشيخ حمد بل تكرر ويتكرر باستمرار في معظم مناطق دير الزور كقلعة الرحبة، ودورا أوروبس.

دوائر الآثار في المحافظات السورية، اكدت ان عدد المواقع الأثرية المتضررة، منذ بدء الثورة إلى بداية آذار 2014، بلغ حوالي 420 موقعاً ومبنى أثرياً، فيما أعدّت منظمة الأمم المتحّدة للتربية والعلم والثقافة، "اليونسكو" قائمة بالمناطق التاريخية المدمرة في سوريا تحت اسم "إرث عالمي تحت الخطر"، تضمنّت 6 مناطق تاريخيّة أثريّة دُمّرت مؤخّراً بشكل كامل، إضافة لمناطق أخرى، نجت من القصف والتدمير، لكن تطالها يد السرقة والنهب باستمرار لتهرب مقتنياتها إلى الخارج، وليتحول الإرث الحضاري السوري إلى سلعة برسم البيع في العديد من العواصم والمدن .

لا رقيب ولا حسيب

يعد ريف دير الزور من المواقع الأثرية المهمة في سورية، والمدرجة على قائمة اليونسكو، كتراث عالمي مهدد، حيث تحتوي على مناطق أثرية عدة منها، (قلعة الرحبة، وتلة الشيخ حمد، ودورا أوروبس) .

الناشط رامز الشيخ علي، الذي يوثق عبر كاميرته أعمال التنقيب غير المشروعة في المنطقة، قال لـ "العربي الجديد": "منذ عام ونصف كانت عمليات التنقيب، غير المشروعة تتم بشكل بدائي، حيث يأتي أشخاص على دراجات نارية، ليلا، إلى مواقع محددة، يحملون معاول ومجارف، ويبدؤون بالحفر والتنقيب عن الآثار، فيما تتم عمليات التنقيب اليوم  بشكل علني وفي وضح النهار، عبر آليات ثقيلة للحفر، وأجهزة حديثة لكشف الآثار".

أَضاف علي، متنهدا بحسرة، "المشكلة أن لا أحد يستطيع منع من يقومون بهذه الأعمال، وهم غالبا مسلحون ومجهولون".

وليس بعيداً عن دير الزور، حيث محافظة الرقة، قال الموظف بمديرية الآثار والمتاحف (أ.ع) ، لــ "العربي الجديد": بعد سيطرة "الثوار" على مدينة الرقة، قام لواء (أمناء الرقة) التابع للجيش الحر، بالمساعدة على حماية الآثار وحفظها.. لكن بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" إلى المدينة، ساء الوضع فيها، فقامت المديرية بإجراءات بدائية لتأمين بعض المباني التي تضم قطعاً أثرية، كتحصين النوافذ والأبواب ومن بين تلك المواقع، مبنى (هرقلة) الذي يضم قطعا أثرية عديدة ونادرة لكن مع استمرار التهديد تم نقل تلك القطع إلى بيت، يفترض أنه آمن في قرية هرقلة، حيث بقيت القطع فترة هناك، إلى أن هاجمها مسلحون مجهولون، وعلى مرأى من أعين جميع أهل القرية، سرقوا ما فيها من قطع أثرية ولا أحد يعرف مصيرها".

تقارير دولية، اكدت أن قيمة القطع الأثرية المهربة من سورية تجاوزت الملياري دولار في ظل نهب العديد من المواقع الاثرية حيث تحوي الدولة السورية آلاف المواقع الأثرية ، وأكثر من 12 متحفاً، تعرض معظمها للقصف أو للتخريب والسرقة وأعمال التنقيب غير المشروعة وتهريب مقتنياتها إلى خارج البلاد، بحسب تقارير اليونسكو، بينها مواقع في إدلب وحلب وبصرى الشام.

سرقة منظمة

وبتتبع شبكة التنقيب والتهريب لآثار سورية يمكن القول ان كلاً من تركيا ولبنان والأردن، يمكن اعتبارها نقاط ارتكاز ومحطات أولية لتسويق القطع الأثرية المهربة من سورية، قبل أن يتم نقلها إلى أوربا ففي تركيا قال الشاب (ك.م)، وسيط ومسوِّق للآثار المهربة، ضمن مجموعة للتهريب، انفصل عنها بسبب خلافات مادية لــ " العربي الجديد "  : "كنا نعمل بنظام المجموعات، فهناك من يقوم بعمليات التنقيب في الداخل، وهؤلاء لا أعرفهم، حيث نحصل منهم على القطع عبر وسطاء ، ثم تقوم مجموعة أخرى بإخراجها عبر الحدود إلى تركيا أو لبنان، حسب المنطقة الأقرب وسهولة النقل، فإذا كانت القطعة مستخرجة من درعا نقوم بإخراجها إلى الأردن، أما إذا كان مصدرها دير الزور أو إدلب فنقوم بتهريبها إلى تركيا، حيث تبدأ عملية التسويق".

أضاف وقد بدا أكثر ارتياحاً للحديث: "أعمل هنا في تسويق القطع الاثرية المهربة ، والتواصل مع زبائن محددين، ويساعدني في ذلك أني أتحدث التركية والإنكليزية بطلاقة، وعادةً ما نقوم بالتسويق بشكل إلكتروني،  فنقوم بإرسال صور أو فيديوهات عن القطع الأثرية للزبائن، وغالباً ما يكونون تجاراً ذوي خبرة في الآثار، فإذا أعجبتهم القطع، يرسلون أحداً من طرفهم لفحص القطع والتأكد منها، ثم تتم عملية البيع".

(ك.م) عرض علينا رؤية بعض القطع الأثرية، التي اشتراها أحد التجار في تركيا، وطلب منا أن ندعي بأننا أجانب نرغب في شراء تلك القطع، وأن نطلب تصويرها لعرض الصور على شركائنا، وبذلك نبرر أمام التاجر تصوير القطع، وبالفعل اقتادنا الشاب إلى فندق صغير في اسطنبول، حيث رجل تركي وآخر سوري وفي إحدى غرف الفندق الذي يبدو أنهم يملكونه، عرض علينا 6 قطع أثرية صغيرة، تعود، حسب ادعائهم للعهد الروماني، ومن يتفحص تلك القطع جيداً يكتشف أنها مسروقة يشكل غير احترافي حيث  يوجد بينها (أعضاء ذكرية) تم كسرها من تماثيلها الأساسية، لعدم قدرة لصوص الآثار، فيما يبدو، على إخراج التمثال كاملاً، فيما تراوحت أسعار القطع الاثرية بين 30 و50 ألف دولار، حسبما قال اللصوص.

تبادل اتهامات

وحول المسؤول عن نهب تاريخ سورية قال عضو تجمع، (سوريون لحماية الآثار)، والناشط الحقوقي، راشد مسالمة، لــ "العربي الجديد": "النظام هو المسؤول الأول والأخير، فقصفه للمناطق الأثرية موثق بالفيديوهات، شاهده العالم أجمع، ومن يقصف مناطق أثرية بهذه الهمجية، أو يتخذها متاريس عسكرية لجنوده، لا عجب أن يسرقها".

واردف مسالمة بحدة، "العديد من ضباط المخابرات لديهم خرائط، بالمواقع الأثرية، وقد أشرفوا على إخراجها وسرقتها".

بالمقابل وجه مدير آثار ومتاحف دمشق، مأمون عبد الكريم، في تصريحات عدة سابقة له، "أصابع الاتهام للجيش الحر"، وذكر أنهم يتاجرون بالآثار لتمويل "عملياتهم الإرهابية"، على حد وصفه، مشيراً إلى أن "التقارير الدولية مبالغ فيها، وأن الدولة تسيطر وتحمي جميع الآثار في المناطق الخاضعة لها".

من جانبه بدا عالم الآثار السوري، الدكتور أكرم مراد أكثر وسطية، حيث قال في تصريح لمراسل "العربي الجديد": "لا أستطيع اتهام جهة محددة، فالجميع يتحمل مسؤولية، النظام والمعارضة، فتلك التماثيل والقطع الأثرية لا تتبع لفكر معين، وإنما تمس الهوية التاريخية للسوريين جميعا ويوجد تجار حروب وأزمات، ومقاتلون أجانب، لا يعني لهم تراث البلد أي شيء " .

 

 

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.