سورية: إسقاط المساعدات "الملاذ الأخير" لمحاولة إنقاذ محادثات جنيف

20 مايو 2016
فشل المجتمعون في فيينا بإيجاد حلّ سوري(مايكل غولتشالك/Getty)
+ الخط -
فشل المشاركون في اجتماع "المجموعة الدولية لدعم سورية"، يوم الثلاثاء الماضي، في العاصمة النمساوية فيينا، في تحقيق أي خرق على مستوى التوصل إلى نقاط اتفاق حول القضايا الخلافية بين المحور الداعم للمعارضة السورية والآخر الداعم للنظام السوري. وينذر هذا الأمر، بضعف احتمالات عقد جولة جديدة من المباحثات بين النظام السوري والمعارضة السورية في مدينة جنيف السويسرية على الرغم من تأكيد المشاركين في فيينا، خلال بيانهم الختامي، تعزيز الوقف الهش لإطلاق النار ودعم جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، فضلاً عن إعراب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن تفاؤله في إمكانية استئناف محادثات جنيف.

وفي سياق استمرار المشاورات السياسية، بحث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي، جون كيري، أمس الخميس، تعزيز وقف الأعمال القتالية في سورية

. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان نشر على موقعها، إنّه "استكمالاً لاجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية التي تترأسها روسيا والولايات المتحدة، واصل الجانبان بحث سبل تجاوز النزاع في هذا البلد، بما في ذلك طرق تعزيز وقف أعمال القتال باستثناء مكافحة المجموعات الإرهابية". وأضاف البيان أنّه "تم الاتفاق على قيام العسكريين الروس والأميركيين من خلال آليات التنسيق القائمة بينهما، بوضع تدابير محددة للفصل الأكثر فاعلية بين أنصار الهدنة ومعارضيها، والنظر في خطوات من شأنها منع تغذية الإرهابيين على الأراضي السورية من الخارج".



وعلى الرغم من تصريح المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، المتفائل بعقد جولة مباحثات جديدة في جنيف قبل شهر رمضان (بين 6 و7 يونيو/حزيران المقبل)، بحيث تبدأ في 26 أو 27 مايو/أيار الحالي، تشير المعطيات الميدانية في سورية، وتحديداً منع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة إلى ضعف انعقاد الجولة في هذا التوقيت.

وهذا ما اعترف به المبعوث الأممي، أمس الخميس، إذ تعهد باللجوء لخيار "الملاذ الأخير" بإسقاط المساعدات من الجو، ونقل المساعدات بالطائرات إذا لم يتحسن الوضع على صعيد الوصول للمناطق المحاصرة في سورية بحلول الأول من يونيو/ حزيران المقبل، ولم يستبعد تجاهل اعتراضات الحكومة. وأضاف أنه "إذا لم يتحسن الوضع من ناحية دخول المساعدات وإعادة تطبيق اتفاق وقف الأعمال القتالية، فإن مصداقية الجولة المقبلة من محادثات السلام ستكون محل شكّ". لكن دي ميستورا قال إنه "لن يتخلى عن المحادثات وهو بانتظار الموعد المناسب"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "فرانس برس".

وفشلت الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مطلع الأسبوع الحالي، في إيصال شحنة معونات طبية وإغاثية إلى مدينة داريا، جنوب غرب دمشق، والتي تحاصرها قوات النظام السوري منذ نهاية عام 2012، بعد منع حواجز قوات النظام في المنطقة المحيطة بداريا للقافلة من العبور نحو مناطق سيطرة المعارضة. وتبع ذلك، قصف قوات النظام تجمعات المدنيين من سكان المدينة الذين كانوا ينتظرون استقبال القافلة، ما أدى إلى مقتل شاب ووالده وإصابة أكثر من عشرة آخرين.

ويرجح مراقبون أنّ ما حصل في داريا، أخيراً، دفع خيار إسقاط المساعدات جواً إلى الواجهة مع اجتماع فيينا الأخير، ذلك أن وزير الخارجية الأميركي قال بدوره، عقب الاجتماع، إنه "في حال منع وصول المساعدات، فإن المجتمعين اتفقوا على إقامة جسر جوي لإيصال المساعدات إلى المناطق المحتاجة".

وعبّرت المعارضة السورية عن صدمتها من هذا التطور في الموقف الدولي إزاء إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يحاصرها النظام السوري، إذ نقل موقع "الائتلاف السوري المعارض" عن المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا قوله، إن "اتفاق الدول الكبرى على إسقاط المساعدات بالطائرات هو دليل عجز مخيف، وقصور عن إدخالها إلى المناطق المحاصرة". وتساءل نعسان آغا عن دور روسيا الموجودة بين هذه الدول المجتمعة، "وهي التي تأمر وتنهى النظام وتديره عسكرياً، فإذا كانوا عاجزين عن إدخال علبة حليب، فكيف بمقدورهم إيجاد حل سلمي؟"، على حد قوله.

واعتبر المتحدث باسم الهيئة العليا أن "الحل بعد مؤتمر فيينا بات أسوأ مما كان قبله. فالشعب السوري كان يراهن على بارقة أمل من هذا المؤتمر لعلّه يتقدم خطوة إلى الأمام، فإذا به يعود عشر خطوات إلى الوراء". وقال نعسان آغا إن "روسيا تطارد المعارضة وتعمل على إفشالها، ولا تزال تعد أن كل من يعادي الأسد هو إرهابي"، مضيفاً أن "رهان جولة جديدة من المفاوضات، تحوّل إلى رهان على الأرض، لأن الكلمة باتت للميدان بعد الفشل الدولي الفاضح".

ويشير كلام نعسان آغا، وفقاً لمراقبين، إلى تجديد المعارضة السورية لموقفها الرافض للعودة لمباحثات جنيف من دون التزام النظام السوري بالهدنة والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المناطق المحاصرة، وهي الشروط التي علّقت على أساسها المعارضة السورية عودتها إلى مباحثات جنيف بعد منتصف الشهر الماضي.

وفي ضوء هذه المعطيات التي تتمثل بضعف احتمالات نجاح محاولات إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة وعدم وجود أي آليات لمراقبة خروقات الهدنة المستمرة في جميع مناطق سورية، تبدو احتمالات عودة المعارضة السورية والنظام إلى جنيف لإجراء مباحثات حول الثماني عشرة نقطة لدي ميستورا، وحول الانتقال السياسي، قبل نهاية الشهر الحالي، ضعيفة جداً، بحسب مراقبين. وبالتالي، يعني ذلك ضعف احتمالات عقد جولة أخرى، في يوليو/تموز المقبل، لتشكيل "حكم شامل وغير طائفي"، وفق البرنامج الذي وضعه القرار 2254 لتنطلق العملية السياسية في شهر أغسطس/آب كما نص بيان اجتماع فيينا الأخير.

ويجعل كل ذلك من خيار التصعيد العسكري مرجحاً بسبب استمرار تعنّت النظام السوري المتمثل برفضه السماح بدخول المساعدات الإنسانية واستمرار قصفه مناطق سيطرة المعارضة السورية، وتحضيره شن عملية عسكرية كبيرة في حلب، وتواصل تقدم قواته على حساب المعارضة في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق.