الظروف الأمنيّة في سورية تدفع عدداً كبيراً من الرجال إلى الاعتماد على النساء لانجاز المعاملات الرسمية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ولا يمانع رجال تسجيل ممتلكاتهم بأسماء نساء لتسهيل العمل
تقف الثلاثينية مروى أمام مقر لميليشيا "الدفاع الوطني" في إحدى ضواحي دمشق، المسؤولة عن مسألة الإيجار ونقل الأثاث، في طابور طويل يكاد يكون بمجمله من النساء. تنتظر أن تحصل على ختم الموافقة الأمنية لاستئجارها منزلاً في المنطقة. يسألها العسكري: هل أنت متزوجة؟ تجيب: نعم. أين زوجك؟ مسافر. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنها اضطرت إلى الكذب، و"هذا ما أفعله منذ خمس سنوات لأن زوجي مطلوب لدى إحدى الجهات الأمنية".
منذ عرف زوجها بالأمر، صارت تتولى كل المعاملات الرسمية، خصوصاً أن الدفاع الوطني تحرص على التأكد من أن المتقدم غير مطلوب أمنياً. لذلك، تتولى متابعة كل المعاملات الرسمية لأن زوجها لا يستطيع التحرك بحرية. أما جمانة، التي سجل زوجها عقد شراء منزلهم الجديد باسمها، فهو لا يستطيع الحصول على موافقة أمنية لأنه مطلوب للالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية، كما تقول لـ "العربي الجديد". تضيف: "لم تكن لدي المعرفة أو الاهتمام بمسألة المعاملات الرسمية أو العقود. لكن منذ أربع سنوات، بدأت أتولى كل المعاملات الرسمية التي يحتاج إليها زوجي. وكونه يعمل في مجال العقارات، فإنه يحتاج إلى إتمام العديد من المعاملات الرسمية". تضيف أن "المسألة مرهقة لي ولزوجي. لكنها الطريقة الوحيدة التي يستطيع فيها متابعة عمله. في هذه الظروف، يصعب الوثوق بأحد".
اقــرأ أيضاً
من جهتها، كانت سعاد تعتقد أنها الوحيدة التي ستتقدّم للحصول على سجل تجاري ليتاح لزوجها فتح محلّ. تقول لـ "العربي الجديد": "صدمت بعدد النساء اللواتي يتقدمن لاستخراج سجل تجاري، حتى إن الموظف هناك قال لي إن غالبية من يأتون لاستخراج سجل تجاري هم نساء". تضيف: "كتبت عقد إيجار باسمي، وكان المشهد ذاته في البلدية والمحافظة. فأينما توجهت في المؤسسات الرسمية تجد عدد النساء طاغياً، وحتى بين الموظفين. فبعض الرجال الذين رفضوا الالتحاق بالخدمة الاحتياطية، طردوا من العمل". وتلفت إلى أن "المعاملات الرسمية التي لا تحتاج إلى ورقة لا حكم عليه، وتُطلب من الأمن الجنائي، لا تُعطى للذين في حقهم نشرة أمنية، على الرغم من عدم وجود حكم قضائي".
وتشكو أم مازن من الإرهاق والتعب بسبب ملاحقتها المعاملات الرسمية نيابة عن أبنائها الأربعة. تقول لـ "العربي الجديد": "ثلاثة من أبنائي مطلوبون والرابع سافر إلى خارج البلاد. لديّ توكيلات رسمية منهم. وبما أنهم لا يستطيعون الحركة، أتابع معاملاتهم الرسمية في مختلف المؤسسات، من استخراج الشهادة الثانوية والجامعية إلى استيفاء إيجار منازل اثنين منهم، ودفع ما عليهم من مستحقات. لكن كل هذا يستهلك الكثير من الوقت والجهد". تضيف: "على الرغم من وجود توكيلات معي، لا أستطيع بيع ما هو مسجل باسمهم أو حتى شراء أي شيء لهم. فهذه المعاملات تحتاج إلى موافقة أمنية. وبما أنهم مطلوبون، لن يمنحونا موافقة".
من جهتها، تقول أم ياسر لـ "العربي الجديد": "مسألة شراء زوجي سيارة وتسجيلها باسمي، تسببت لي بمشاكل كبيرة مع عائلة زوجي، وقد تعرّض بدوره إلى ضغوط، ليجعلني أنقل ملكيتها إلى اسم أمه. برأيهم، الزوجة يجب ألا تتملك، علماً أن لدينا أربعة أولاد. مع ذلك، لم نسلم من الانتقادات والتجريح". تضيف: "واقع الأزواج وحتى الأبناء، واعتمادهم على قريباتهم، ساهم في بقاء أسر من دون تفكك، لكنه في الوقت ذاته يؤدي إلى مشاكل اجتماعية حتى على مستوى علاقة الرجل بزوجته. اعتاد مجتمعنا على أن تكون الملكية في يد الرجل".
بدوره، يقول الأربعيني جميل لـ "العربي الجديد": "سجلت أعمالي وممتلكاتي باسم زوجتي، وأعتقد أن كثيرين اختبروا تجارب مماثلة. كدت أن أفقد محلي التجاري وسيارتي بعد خلاف مع زوجتي أدى إلى الطلاق، فقد أرادت الاحتفاظ بهما لنفسها من دون وجه حق. لاحقاً، استطعت استعادة ممتلكاتي من خلال وساطات اجتماعية. فمن الناحية القانونية، هي المالك الحقيقي".
إلى ذلك، يقول الناشط مؤيد الشامي، لـ "العربي الجديد": "في ظل سياسة التضييق التي اعتمدها النظام على الشباب في مناطق سيطرته، بهدف دفعهم للالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية ضمن قواته، خصوصاً مسألة الموافقة الأمنية، اضطر الرجال للاعتماد على النساء بشكل كبير (أم أو أخت أو زوجة). إلا أن لهذا أيضاً ضريبة اجتماعية، بعدما أثار موضوع تسجيل الممتلكات بأسماء النساء حساسيات كثيرة داخل العائلة، وقيّد قوة عمل مئات الآلاف من الشباب السوريين، وجعلهم يخسرون سنوات من حياتهم من دون إنجاز يذكر".
اقــرأ أيضاً
ويبيّن أن البعض يعتقد أن "نسبة النساء اللواتي انخرطن في سوق العمل ارتفع بشكل كبير، ويجب الانتباه إلى أن بعضاً منهن واجهة لا أكثر. وهذا يعني أن النساء دخلن سوق العمل نتيجة الواقع".
تقف الثلاثينية مروى أمام مقر لميليشيا "الدفاع الوطني" في إحدى ضواحي دمشق، المسؤولة عن مسألة الإيجار ونقل الأثاث، في طابور طويل يكاد يكون بمجمله من النساء. تنتظر أن تحصل على ختم الموافقة الأمنية لاستئجارها منزلاً في المنطقة. يسألها العسكري: هل أنت متزوجة؟ تجيب: نعم. أين زوجك؟ مسافر. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنها اضطرت إلى الكذب، و"هذا ما أفعله منذ خمس سنوات لأن زوجي مطلوب لدى إحدى الجهات الأمنية".
منذ عرف زوجها بالأمر، صارت تتولى كل المعاملات الرسمية، خصوصاً أن الدفاع الوطني تحرص على التأكد من أن المتقدم غير مطلوب أمنياً. لذلك، تتولى متابعة كل المعاملات الرسمية لأن زوجها لا يستطيع التحرك بحرية. أما جمانة، التي سجل زوجها عقد شراء منزلهم الجديد باسمها، فهو لا يستطيع الحصول على موافقة أمنية لأنه مطلوب للالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية، كما تقول لـ "العربي الجديد". تضيف: "لم تكن لدي المعرفة أو الاهتمام بمسألة المعاملات الرسمية أو العقود. لكن منذ أربع سنوات، بدأت أتولى كل المعاملات الرسمية التي يحتاج إليها زوجي. وكونه يعمل في مجال العقارات، فإنه يحتاج إلى إتمام العديد من المعاملات الرسمية". تضيف أن "المسألة مرهقة لي ولزوجي. لكنها الطريقة الوحيدة التي يستطيع فيها متابعة عمله. في هذه الظروف، يصعب الوثوق بأحد".
من جهتها، كانت سعاد تعتقد أنها الوحيدة التي ستتقدّم للحصول على سجل تجاري ليتاح لزوجها فتح محلّ. تقول لـ "العربي الجديد": "صدمت بعدد النساء اللواتي يتقدمن لاستخراج سجل تجاري، حتى إن الموظف هناك قال لي إن غالبية من يأتون لاستخراج سجل تجاري هم نساء". تضيف: "كتبت عقد إيجار باسمي، وكان المشهد ذاته في البلدية والمحافظة. فأينما توجهت في المؤسسات الرسمية تجد عدد النساء طاغياً، وحتى بين الموظفين. فبعض الرجال الذين رفضوا الالتحاق بالخدمة الاحتياطية، طردوا من العمل". وتلفت إلى أن "المعاملات الرسمية التي لا تحتاج إلى ورقة لا حكم عليه، وتُطلب من الأمن الجنائي، لا تُعطى للذين في حقهم نشرة أمنية، على الرغم من عدم وجود حكم قضائي".
وتشكو أم مازن من الإرهاق والتعب بسبب ملاحقتها المعاملات الرسمية نيابة عن أبنائها الأربعة. تقول لـ "العربي الجديد": "ثلاثة من أبنائي مطلوبون والرابع سافر إلى خارج البلاد. لديّ توكيلات رسمية منهم. وبما أنهم لا يستطيعون الحركة، أتابع معاملاتهم الرسمية في مختلف المؤسسات، من استخراج الشهادة الثانوية والجامعية إلى استيفاء إيجار منازل اثنين منهم، ودفع ما عليهم من مستحقات. لكن كل هذا يستهلك الكثير من الوقت والجهد". تضيف: "على الرغم من وجود توكيلات معي، لا أستطيع بيع ما هو مسجل باسمهم أو حتى شراء أي شيء لهم. فهذه المعاملات تحتاج إلى موافقة أمنية. وبما أنهم مطلوبون، لن يمنحونا موافقة".
من جهتها، تقول أم ياسر لـ "العربي الجديد": "مسألة شراء زوجي سيارة وتسجيلها باسمي، تسببت لي بمشاكل كبيرة مع عائلة زوجي، وقد تعرّض بدوره إلى ضغوط، ليجعلني أنقل ملكيتها إلى اسم أمه. برأيهم، الزوجة يجب ألا تتملك، علماً أن لدينا أربعة أولاد. مع ذلك، لم نسلم من الانتقادات والتجريح". تضيف: "واقع الأزواج وحتى الأبناء، واعتمادهم على قريباتهم، ساهم في بقاء أسر من دون تفكك، لكنه في الوقت ذاته يؤدي إلى مشاكل اجتماعية حتى على مستوى علاقة الرجل بزوجته. اعتاد مجتمعنا على أن تكون الملكية في يد الرجل".
بدوره، يقول الأربعيني جميل لـ "العربي الجديد": "سجلت أعمالي وممتلكاتي باسم زوجتي، وأعتقد أن كثيرين اختبروا تجارب مماثلة. كدت أن أفقد محلي التجاري وسيارتي بعد خلاف مع زوجتي أدى إلى الطلاق، فقد أرادت الاحتفاظ بهما لنفسها من دون وجه حق. لاحقاً، استطعت استعادة ممتلكاتي من خلال وساطات اجتماعية. فمن الناحية القانونية، هي المالك الحقيقي".
إلى ذلك، يقول الناشط مؤيد الشامي، لـ "العربي الجديد": "في ظل سياسة التضييق التي اعتمدها النظام على الشباب في مناطق سيطرته، بهدف دفعهم للالتحاق بالخدمة العسكرية الإجبارية ضمن قواته، خصوصاً مسألة الموافقة الأمنية، اضطر الرجال للاعتماد على النساء بشكل كبير (أم أو أخت أو زوجة). إلا أن لهذا أيضاً ضريبة اجتماعية، بعدما أثار موضوع تسجيل الممتلكات بأسماء النساء حساسيات كثيرة داخل العائلة، وقيّد قوة عمل مئات الآلاف من الشباب السوريين، وجعلهم يخسرون سنوات من حياتهم من دون إنجاز يذكر".
ويبيّن أن البعض يعتقد أن "نسبة النساء اللواتي انخرطن في سوق العمل ارتفع بشكل كبير، ويجب الانتباه إلى أن بعضاً منهن واجهة لا أكثر. وهذا يعني أن النساء دخلن سوق العمل نتيجة الواقع".