سودانيون يمضون رمضانهم في مصر
الخرطوم
عبد الحميد عوض
عبد الحميد عوض
يستغل كثير من السودانيين إجازة الصيف منذ سنوات، لإمضاء شهر رمضان في مصر. تتنوع أسباب ذلك، فمنها ما يرتبط بالمناخ والثقافة والسفر عبر الطريق البري، لكنّ أبرزها يرتبط بالفوارق الاقتصادية بين البلدين.
ادخر عادل كمال الدين (42 عاماً) جزءاً من راتبه خلال الأشهر الماضية بهدف أخذ أسرته إلى مصر لإمضاء شهر رمضان هناك، وذلك أسوة بعدد كبير من الأسر التي تفضّل قضاء الشهر الكريم في البلد الجار لأكثر من سبب، أولها الهروب من طقس السودان الذي تصل درجة حرارته في هذه الأيام إلى 45 درجة مئوية، بالإضافة الى توقعاتهم برداءة خدمات الكهرباء والمياه والمواصلات خلال الشهر الكريم، كذلك برزت أزمة شحّ الوقود الأخيرة كعامل إضافي.
يقول كمال الدين لـ"العربي الجديد"، من مقر إقامته في القاهرة، إنّ إيجارات الشقق في مصر رخيصة، وتراوح، بحسب الحيّ ومستوى الشقة، ما بين 4 آلاف جنيه مصري (224 دولاراً أميركياً) شهرياً و8 آلاف (كلّ 1000 جنيه مصري يعادل 56 دولاراً أميركياً). ويشير إلى أنّ السفر الى القاهرة لقضاء شهر رمضان لم يعد حكراً على الأسر، إذ يتوافد شباب سودانيون أيضاً يأتون في شكل مجموعات، وينزلون في فنادق وسط القاهرة، بسعر يتراوح ما بين 100 جنيه مصري و300 جنيه في الليلة. يضيف أنّ أغلب السودانيين المسافرين إلى مصر في هذا الشهر يمضون لياليهم في السهر في المقاهي المنتشرة في القاهرة، أو في زيارة أماكن سياحية ومزارات دينية.
ليست هناك إحصاءات رسمية بعدد الذين يسافرون سنوياً لقضاء أيام رمضان في القاهرة، لكنّ ناشطين تداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ نحو مليوني شخص سافروا هذا العام من السودان، ولو أنّ كمال الدين ينفي هذا الرقم ويعتبره مبالغاً فيه. وفي كلّ الأحوال، تشير الوقائع إلى أنّ افتتاح الطريق البري الذي يربط بين البلدين، عام 2013، زاد من أعداد السودانيين الذين يتقاطرون إلى مصر لقضاء شهر رمضان في ديار "المحروسة".
من جهته، يقول محمد عثمان الموجود في القاهرة أيضاً، إنّ هناك أسباباً أخرى تدفع السودانيين إلى مغادرة بلادهم باتجاه الجارة الشمالية في رمضان تحديداً، لعلَّ أبرزها اتخاذ شهر الصيام موسماً لقضاء العطلة الصيفية في السنوات الأخيرة، خصوصاً أنّ خيار مصر هو الأسهل من نواحٍ اقتصادية وثقافية وسياحية، ويشير إلى أنّ الفرار من حرارة الشمس في السودان هو السبب الأهم، خصوصاً أنّ درجات الحرارة تتخطى في أيام الصيف هذه في بعض المدن حاجز 45 درجة مئوية، ما يفرض مشقة كبيرة على الصائمين، مقابل اعتدال نسبي في مناخ مصر.
مع افتتاح الطريق البري وتحول معظم الرحلات إلى برية عبر الباصات السياحية، لم يعد السفر إلى مصر حكراً على طبقة معينة، وبات في مقدور كثيرين ادخار مبالغ مالية يسيرة خلال عام كامل لتحمل مصاريف التنقل إلى مصر وفيها، إذ لا يكلف الوصول إلى القاهرة المسافر سوى نحو ألفي جنيه، تشمل رسوم تأشيرة الخروج ورسوم استخراج البطاقة الصحية ورسوم الجوازات المصرية، بالإضافة إلى قيمة تذكرة الباص التي بلغت هذا العام 1200 جنيه سوداني (32 دولاراً). لكنّ هذا الرقم لا يعدّ شيئاً بالمقارنة مع تذكرة الطائرة ذهاباً وإياباً التي تتجاوز 20 ألف جنيه (526 دولاراً).
في مصر جالية سودانية كبيرة تقدّر بأربعة ملايين نسمة، يمتلك بعضهم مساكن، وهو ما أسهم بشكل كبير في حلّ مشكلة السكن بالنسبة إلى المسافرين في رمضان، إذ يقيمون لدى أقاربهم أو في شققهم المتروكة لموسم الإجازات، خصوصاً رجال الأعمال الذين تملّكوا سابقاً في مصر.
يختار السودانيون القاهرة وبقية المدن المصرية لقضاء رمضان بسبب الفوارق الاقتصادية بين البلدين، إذ تبلغ قيمة الدولار 19 جنيهاً مصرياً، و38 جنيهاً سودانياً، ما يعطي دافعاً واضحاً للفرار من الغلاء في الأسواق المحلية باتجاه أسواق أقل كلفة وأكثر جودة.
بالإضافة إلى الغلاء، غالباً ما يشهد شهر رمضان في السودان تردّياً في الخدمات. فالكهرباء، بالرغم من تعهدات وزارة الموارد المائية والري والكهرباء، تشهد انقطاعات، وإن بدت بصورة أقل مما كان يجري في سنوات سابقة. وإمدادات المياه تتعثر تارة في عدد من الأحياء، لا سيما الطرفية منها، أما المواصلات فتمثل حالياً معضلة حقيقية نتيجة أزمة الوقود المستمرة منذ أكثر من شهرين.
وأسهمت الدراما التلفزيونية المصرية في تعريف السودانيين بكثير من أماكن الترفيه في مصر، من فنادق، ومتاحف، وقصور، وقلاع، ومقاهٍ شعبية، وحدائق عامة، ومزارات صوفية، بالإضافة إلى الآثار الفرعونية، لا سيما الأهرامات.
كذلك، يستغل السودانيون سفرهم لزيارة الأطباء المصريين وإجراء الفحوص الدورية الشاملة.
من جهتهم، فإنّ السائقين السودانيين، للباصات السياحية المتنقلة بين البلدين، لديهم سبب آخر لقضاء رمضان في القاهرة، وهو اتخاذهم من المدن المصرية محلاً للتزود بالوقود الكافي للرحلات، وهو وقود أرخص يزيد من أرباحهم.