منذ مارس/ آذار الماضي، يواجه آلاف من السودانيين، ممن وجدوا أنفسهم عالقين في مصر، أصعب ظروف، بعد سدّ كل السبل أمام عودتهم إلى بلادهم مغلقة الحدود، ضمن إجراءات مواجهة فيروس كورونا الجديد، علماً أنّ معظمهم قصد مصر للاستشفاء
فاطمة أمجد مدني، سيدة سودانية حضرت إلى العاصمة المصرية القاهرة في 29 فبراير/ شباط الماضي، بغرض العلاج. أجرت هناك عملية جراحية في القلب وتعافت منها. وفي يوم 13 مارس/ آذار الماضي، وقبل أن تكمل بقية المقابلات الطبية، حجزت تذكرة العودة إلى العاصمة السودانية الخرطوم بعدما استنفدت مع ابنتها التي رافقتها خلال رحلة العلاج مالهما. وعند مرحلة وزن الحقائب في مطار القاهرة الدولي أخطرتهم شركة الطيران بقرار السودان إغلاق مجاله الجوي، فأجبرت على العودة إلى القاهرة من دون أيّ وسيلة صمود، بما في ذلك أجرة التاكسي الذي يفترض أن يقلها إلى المدينة.
فاطمة أمجد مدني واحدة من نحو خمسة آلاف سوداني حضروا بأغلبهم للعلاج في مصر لكنّهم علقوا فيها، منذ مارس الماضي، وتقطعت بهم السبل، وسط معاناة في السكن والطعام والدواء، وما زالت الحكومة السودانية ترفض عودتهم إلى البلاد. تقول مدني لـ"العربي الجديد" إنّ 70 في المائة من العالقين في مصر جاؤوا للعلاج وأجروا عمليات جراحية بمبالغ طائلة ساعدهم فيها أهلهم وأقاربهم، أو ديوان الزكاة، لكنّهم استنفدوا ما بحوزتهم من أموال بعد توقف حركة الطيران بين الخرطوم والقاهرة. وتشير إلى أنّ كثيرين من بين العالقين مصابون بالسرطان وقد أوقفوا الجلسات العلاجية لضيق ذات اليد فحدثت لهم انتكاسات جديدة، بينما واجه آخرون نقصاً في علاجهم من أمراض أخرى مثل الفشل الكلوي والسكري، فاضطروا مجبرين لتسول غذائهم في القاهرة، عدا عن أزمة إيجارات السكن التي تصل إلى مائة جنيه (6.35 دولارات أميركية) في اليوم الواحد.
تضيف أنّ هناك مبادرات للتكاتف الاجتماعي بين العالقين لتجاوز المحنة بدعم من أفراد الجالية السودانية في مصر، وجمعيات خيرية مصرية، لكنّ كلّ ذلك لم يفِ بالحاجة المطلوبة، خصوصاً أنّ قرار إغلاق المجال الجوي لا يُعرف له أجل.
اقــرأ أيضاً
تحمّل مدني الحكومة السودانية مسؤولية ما حدث من ذلّ ومهانة لمواطنيها من دون أن يدركوا في غربتهم تلك الأسباب والدواعي. توضح أنّ حكومتهم رفضت قبول مبادرة كريمة من رجل أعمال سوداني، أعلن فيها عن تكفله بإعادة العالقين وإيوائهم في مساكن خاصة داخل مزرعة يملكها، بعد عودتهم، وذلك طوال مدة الحجر الصحي المفروض التي تقررها السلطات الصحية، عدا عن تكفله بغذائهم. وتشير إلى أنّ العالقين شعروا بالإحباط بعد رفض المبادرة من جانب الحكومة، إلى حدّ أنّ بعضهم أوقف علاجه.
أما محمد المصطفى، وهو أحد العالقين السودانيين أيضاً، فقد جاء إلى القاهرة لعلاج والدته. يقول إنّهم يواجهون ظروفاً معقدة تتمثل في عدم تمكن كثيرين منهم من دفع إيجارات الشقق التي استأجروها، والبعض لا يملك كلفة مواصلة العلاج، خصوصاً أنّ كلّ واحد منهم جاء بميزانية محدودة لا تسمح له بالإقامة طويلاً مع متابعته الإجراءات الطبية من مقابلات وفحوص، وكذلك شؤونه المعيشية من مأكل ومسكن. ويقول إنّ معظم المرضى هم من النساء وكبار السنّ والأطفال.
يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ بعض العالقين اضطروا إلى إخلاء الشقق المستأجرة، ويعيشون الآن في الشارع من دون مأوى، بعد عجزهم عن سداد الإيجار. ويلفت إلى وقوع عدد من الوفيات بينهم بسبب الجوع والمرض، حتى إنّ هناك أسراً لم تتسلم جثامين المتوفين لعدم تسديدها المبالغ التي تطلبها منها المستشفيات. ويضيف أنّ مرضى الفشل الكلوي الذين يحتاجون إلى غسيل مرتين في الأسبوع هم الأكثر معاناة. يتابع مصطفى أنّ أيّ حكومة مسؤولة ومحترمة لا بدّ من أن تجلي رعاياها من الخارج، بما فيها أضعف الدول، لكنّ الحكومة الانتقالية السودانية "تركت مواطنيها عرضة لظروف أشد قسوة وإيلاماً من دون مراعاة لأبسط حقوقهم الإنسانية".
من جهته، يؤكد الأمين حبيب الله، العالق في مصر أيضاً، أنّ كلّ ساعة تمرّ عليهم تعني احتمال موت مريض من المصابين بالأمراض المزمنة وكبار السنّ، مشيراً إلى أنّهم ينشطون جماعياً لتوفير ما يعينهم غذائياً، وبعض العلاجات المنقذة للحياة، خصوصاً لمرضى السرطان، مع السعي لتوفير ثمن جلسات غسيل الكلى. ويلفت إلى أنّهم أنشأوا فريقاً منهم للتدخل السريع في الحالات الحرجة لمساعدتها، لا سيما في دفع رسوم العلاج.
في الأيام الأخيرة، ذكرت تقارير صحافية أنّ السفارة السودانية في القاهرة اقترحت على العالقين نقلهم إلى الخرطوم على حسابهم الخاص، عدا عن تكفل العالقين كذلك بنفقات مدة الحجر الصحي داخل السودان وهي 300 دولار أميركي للفرد الواحد، وقد رفض العالقون ذلك لعدم قدرتهم على الدفع.
وفي أكثر من مناسبة، أصرّ وزير الصحة السوداني، أكرم علي التوم، على عدم نية السلطات السماح بعودة العالقين من أيّ مكان، بحجة ضعف إمكانات الدولة في الفحص، وعدم توفر أماكن جاهزة للحجر عليهم.
اقــرأ أيضاً
ويكشف عبد السلام عبد الله، وهو عضو في لجنة خاصة بالعالقين شكلوها لإدارة أزمتهم، أنّهم قدموا مبادرة خاصة من جانبهم، تنصّ على ترحيل العالقين في القاهرة وإجلائهم إلى منازلهم في السودان مباشرة، على أن تجهّز لتصبح حجراً صحياً بإشراف السلطات الصحية، وعلى أن يصاحب هذا المقترح وعي مجتمعي من جانب المرحلين بحسب ما تنص عليه وزارة الصحة.
ويوضح عبد الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ المبادرة تقترح كذلك وتشترط فحصاً أولياً للعالقين، عبر المستشارية الطبية بالسفارات، وتوفير المعقمات والكمامات والقفازات للعالقين في دولة الإجلاء قبيل ترحيلهم في أفواج، مع ترتيب ذلك بمجموعات مناسبة عددياً تفادياً للازدحام، بالإضافة إلى أولوية ترحيل الحالات المرضية وكبار السن. وكذلك، تعقيم وسائل النقل، على أن تشكل لجنة متابعه مع أسر العالقين، فضلاً عن ربطهم بأرقام هواتف، وتقديم الإرشادات التوعوية في التعامل، مع العالق العائد، إلى حين انقضاء فترة الحجر المنزلي.
وكان كورونا قد بدأ يتفشّى في السودان في مارس/ آذار الماضي، ليصل عدد الإصابات أمس الأربعاء إلى نحو 2800، معظمها في ولاية الخرطوم، منها نحو 110 وفيات ونحو 290 حالة تعافٍ من المرض تماماً. وتخشى السلطات من تفشي الفيروس بأعداد أكبر، بسبب هشاشة النظام الصحي في البلاد. لذلك، اضطرت مبكراً إلى إغلاق الحدود وإقفال الجامعات والمدارس ومنع التجمعات، وفرض حظر التجول في الخرطوم وعدد من الولايات.
فاطمة أمجد مدني واحدة من نحو خمسة آلاف سوداني حضروا بأغلبهم للعلاج في مصر لكنّهم علقوا فيها، منذ مارس الماضي، وتقطعت بهم السبل، وسط معاناة في السكن والطعام والدواء، وما زالت الحكومة السودانية ترفض عودتهم إلى البلاد. تقول مدني لـ"العربي الجديد" إنّ 70 في المائة من العالقين في مصر جاؤوا للعلاج وأجروا عمليات جراحية بمبالغ طائلة ساعدهم فيها أهلهم وأقاربهم، أو ديوان الزكاة، لكنّهم استنفدوا ما بحوزتهم من أموال بعد توقف حركة الطيران بين الخرطوم والقاهرة. وتشير إلى أنّ كثيرين من بين العالقين مصابون بالسرطان وقد أوقفوا الجلسات العلاجية لضيق ذات اليد فحدثت لهم انتكاسات جديدة، بينما واجه آخرون نقصاً في علاجهم من أمراض أخرى مثل الفشل الكلوي والسكري، فاضطروا مجبرين لتسول غذائهم في القاهرة، عدا عن أزمة إيجارات السكن التي تصل إلى مائة جنيه (6.35 دولارات أميركية) في اليوم الواحد.
تضيف أنّ هناك مبادرات للتكاتف الاجتماعي بين العالقين لتجاوز المحنة بدعم من أفراد الجالية السودانية في مصر، وجمعيات خيرية مصرية، لكنّ كلّ ذلك لم يفِ بالحاجة المطلوبة، خصوصاً أنّ قرار إغلاق المجال الجوي لا يُعرف له أجل.
تحمّل مدني الحكومة السودانية مسؤولية ما حدث من ذلّ ومهانة لمواطنيها من دون أن يدركوا في غربتهم تلك الأسباب والدواعي. توضح أنّ حكومتهم رفضت قبول مبادرة كريمة من رجل أعمال سوداني، أعلن فيها عن تكفله بإعادة العالقين وإيوائهم في مساكن خاصة داخل مزرعة يملكها، بعد عودتهم، وذلك طوال مدة الحجر الصحي المفروض التي تقررها السلطات الصحية، عدا عن تكفله بغذائهم. وتشير إلى أنّ العالقين شعروا بالإحباط بعد رفض المبادرة من جانب الحكومة، إلى حدّ أنّ بعضهم أوقف علاجه.
أما محمد المصطفى، وهو أحد العالقين السودانيين أيضاً، فقد جاء إلى القاهرة لعلاج والدته. يقول إنّهم يواجهون ظروفاً معقدة تتمثل في عدم تمكن كثيرين منهم من دفع إيجارات الشقق التي استأجروها، والبعض لا يملك كلفة مواصلة العلاج، خصوصاً أنّ كلّ واحد منهم جاء بميزانية محدودة لا تسمح له بالإقامة طويلاً مع متابعته الإجراءات الطبية من مقابلات وفحوص، وكذلك شؤونه المعيشية من مأكل ومسكن. ويقول إنّ معظم المرضى هم من النساء وكبار السنّ والأطفال.
يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ بعض العالقين اضطروا إلى إخلاء الشقق المستأجرة، ويعيشون الآن في الشارع من دون مأوى، بعد عجزهم عن سداد الإيجار. ويلفت إلى وقوع عدد من الوفيات بينهم بسبب الجوع والمرض، حتى إنّ هناك أسراً لم تتسلم جثامين المتوفين لعدم تسديدها المبالغ التي تطلبها منها المستشفيات. ويضيف أنّ مرضى الفشل الكلوي الذين يحتاجون إلى غسيل مرتين في الأسبوع هم الأكثر معاناة. يتابع مصطفى أنّ أيّ حكومة مسؤولة ومحترمة لا بدّ من أن تجلي رعاياها من الخارج، بما فيها أضعف الدول، لكنّ الحكومة الانتقالية السودانية "تركت مواطنيها عرضة لظروف أشد قسوة وإيلاماً من دون مراعاة لأبسط حقوقهم الإنسانية".
من جهته، يؤكد الأمين حبيب الله، العالق في مصر أيضاً، أنّ كلّ ساعة تمرّ عليهم تعني احتمال موت مريض من المصابين بالأمراض المزمنة وكبار السنّ، مشيراً إلى أنّهم ينشطون جماعياً لتوفير ما يعينهم غذائياً، وبعض العلاجات المنقذة للحياة، خصوصاً لمرضى السرطان، مع السعي لتوفير ثمن جلسات غسيل الكلى. ويلفت إلى أنّهم أنشأوا فريقاً منهم للتدخل السريع في الحالات الحرجة لمساعدتها، لا سيما في دفع رسوم العلاج.
في الأيام الأخيرة، ذكرت تقارير صحافية أنّ السفارة السودانية في القاهرة اقترحت على العالقين نقلهم إلى الخرطوم على حسابهم الخاص، عدا عن تكفل العالقين كذلك بنفقات مدة الحجر الصحي داخل السودان وهي 300 دولار أميركي للفرد الواحد، وقد رفض العالقون ذلك لعدم قدرتهم على الدفع.
وفي أكثر من مناسبة، أصرّ وزير الصحة السوداني، أكرم علي التوم، على عدم نية السلطات السماح بعودة العالقين من أيّ مكان، بحجة ضعف إمكانات الدولة في الفحص، وعدم توفر أماكن جاهزة للحجر عليهم.
ويكشف عبد السلام عبد الله، وهو عضو في لجنة خاصة بالعالقين شكلوها لإدارة أزمتهم، أنّهم قدموا مبادرة خاصة من جانبهم، تنصّ على ترحيل العالقين في القاهرة وإجلائهم إلى منازلهم في السودان مباشرة، على أن تجهّز لتصبح حجراً صحياً بإشراف السلطات الصحية، وعلى أن يصاحب هذا المقترح وعي مجتمعي من جانب المرحلين بحسب ما تنص عليه وزارة الصحة.
ويوضح عبد الله، لـ"العربي الجديد"، أنّ المبادرة تقترح كذلك وتشترط فحصاً أولياً للعالقين، عبر المستشارية الطبية بالسفارات، وتوفير المعقمات والكمامات والقفازات للعالقين في دولة الإجلاء قبيل ترحيلهم في أفواج، مع ترتيب ذلك بمجموعات مناسبة عددياً تفادياً للازدحام، بالإضافة إلى أولوية ترحيل الحالات المرضية وكبار السن. وكذلك، تعقيم وسائل النقل، على أن تشكل لجنة متابعه مع أسر العالقين، فضلاً عن ربطهم بأرقام هواتف، وتقديم الإرشادات التوعوية في التعامل، مع العالق العائد، إلى حين انقضاء فترة الحجر المنزلي.
وكان كورونا قد بدأ يتفشّى في السودان في مارس/ آذار الماضي، ليصل عدد الإصابات أمس الأربعاء إلى نحو 2800، معظمها في ولاية الخرطوم، منها نحو 110 وفيات ونحو 290 حالة تعافٍ من المرض تماماً. وتخشى السلطات من تفشي الفيروس بأعداد أكبر، بسبب هشاشة النظام الصحي في البلاد. لذلك، اضطرت مبكراً إلى إغلاق الحدود وإقفال الجامعات والمدارس ومنع التجمعات، وفرض حظر التجول في الخرطوم وعدد من الولايات.