"بدأت حياتي بتحدٍ معجز" تقول الكاتبة والنسوية المصرية سهير القلماوي (1911-1997) في مقابلة أجراها معها التلفزيون المصري مطلع الثمانينيات. كانت الشابة لا تجيد من اللغة العربية الفصحى إلا النزر القليل، لكن القدر وضعها في طريق المفكر طه حسين الذي أصبحت تلميذته في كلية آداب اللغة العربية في جامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول سابقاً)، لتكون الوحيدة بين 14 طالباً من الذكور وقتها.
وحين كلّفها حسين بأن تكتب مقالاً عن طرفة بن العبد، كتبته التلميذة بالإنكليزية ثم ترجمته إلى العربية لأنها لم تكن قادرة على التعبير كما تفعل حين تكتب بالإنكليزية والفرنسية.
تنحدر القلماوي، التي تحل ذكرى ميلادها اليوم، من عائلة من أصول مختلطة، كردية شركسية، ومتحرّرة من حيث المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في التعليم والحقوق، لكنها أيضاً محافظة لجهة تمسكها بالقيم الاجتماعية الإيجابية التي لا تنتهك حقوق المرأة.
عُرفت هذه العائلة بتعليم الفتيات إلى مراحل متقدمة وبرفض تزويجهن قبل إتمام العشرين، غير أن القلماوي تقول إنها عانت كثيراً من قسوة والدتها وإصرارها على "الترتيب والأصول والنظام الشديد"، لذلك حين أصبحت أمّاً ثارت على والدتها بأن أعطت ولَديها كامل الحرية، وتقول: "اتفقت مع زوجي أن لا نقول لولدينا لا، إلا إذا كنا مضطرين فعلاً".
من هذه القيم والأجواء خرجت عقلية صاحبة "أستاذي طه حسين" وأضيفت إليها تجربة التحصيل الأكاديمي على يد مفكرين متنورين. من هنا حاولت القلماوي نقل هذه القيم التنويرية لجهة حقوق المرأة إلى المجتمع المصري الأكبر.
أحد أحلام القلماوي التي لم تتمكن من تحقيقها أن تصدر مجلة سياسية يومية؛ لكنها تقول: "أدركت أنني لن أستطيع الخوض في هذا المشروع"، مضيفةً بأن الحياة علمتها أن التحدي يخلق الشخصية، لكنها تؤكد أن الفشل أيضاً يمكنه أن يفعل ذلك إذا أصر المرء على تبديده والنهوض منه، وتصفه بأنه "شعور مؤلم ومؤسف تفاديته. حين أخفقت بدأت شيئاً جديداً على الفور ولم أكن أترك نفسي للتفكير في أنني أخفقت في هذه المسألة أو تلك".
تحمل القلماوي عدة ألقاب ريادية؛ فهي أول مصرية تتحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه، وأول محاضِرة في الجامعة، وأول رئيس قسم فيها، كما أسهمت في إقامة أول معرض دولي للكتاب بالقاهرة سنة 1969، عندما كانت تترأس "المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر" بين عامي 1967 و1971.
كانت صاحبة "أهرامات عربية" أستاذة لنخبة من الكتّاب المصريين، من أمثال صلاح عبد الصبور وعبد المنعم تليمة ورجاء النقاش وجابر عصفور، عملت في الإذاعة، وبعد شهرين من رحيل جمال عبد الناصر عام 1970، كتبت مقالاً مطولاً بعنوان "الثورة الناصرية في الثقافة"، أصبحت نائباً في البرلمان عام 1979، ونالت الكثير من الجوائز التقديرية.
للقلماوي ما يزيد عن مئة منشور، ما بين دراسات ونقد وكتابات أدبية وتراجم، لعلّ أبرزها بحثها الذي نالت من خلاله درجة الدكتوراه عن "ألف ليلة وليلة" من تقديم طه حسين وأطروحتها في الماجستير حول "أدب الخوارج" التي أصدرتها في كتاب، و"في النقد الأدبي"، و"العالم بين دفتي كتاب".
فيما اعتُبر كتابها "أحاديث جدتي" أول عمل من نوعه تنشره امرأة في مصر، فمن خلاله قامت بتحليل الدور الاجتماعي للإناث باعتباره الحافظ والمجدد لتأريخ المجتمع عبر السرد الشفوي.
ورغم كل إنجازات القلماوي، يبدو من الصعب أن نطلق عليها ثائرة في مجال حقوق النساء، فهي ابنة بيئتها المتنورة التي لقيت الدعم من العائلة، وقد حالفها الحظ مرة أخرى حين وصلت إلى الجامعة في لحظة "المؤامرة الخطيرة جداً والسرية" التي وصفها طه حسين حين كشف عن اتفاق مجموعة من الجامعيّين على "أن يخدعوا الحكومة وأن يختلسوا منها حقاً ولا يشاوروها فيه، وهو الإذن للفتيات بالتعليم العالي". قال صاحب "الأيام" ذلك أثناء تخريج القلماوي (مع ثلاث آخريات التحقن بعدها) من كلية الآداب.