02 يونيو 2020
سنرجع يوماً إلى حيّنا
انتصار الدنان
كان طريق صبرا أشبه بصحراء، لا أحد في الشّارع، حتّى القطط اختفى مواؤها، لكنّهما مع ذلك ظلّا يسيران حتّى تجاوزا الحيّ الغربيّ لمخيّم شاتيلا. وصلا إلى دكّان أبو محمّد الدّوخي، فكانت جثّته أوّل جثّة يريانها، في حين فصل جزء من رجله. كانت رجله مبتورة من قبل، ويضع مكانها رجلًا اصطناعيّة. شعر محمود بصدمة كبيرة، وراح الصّحافيّ يلتقط الصّور، بعد أن أوقف محمود الدّرّاجة. لم يعد يقوى محمود على قيادة الدّرّاجة، خوفًا من أن يراهما القتلة، أو من الصّدمة، لم يحدّد والدي سبب توجههما إلى المخيّم سيرًا على الأقدام.
في أثناء سيرهما، وجدا بعض الأحصنة ملقاة على الأرض، مقتولة، ضربًا بالرّصاص، وبينها، وجدا رجلًا قُطع رأسه، تبيّن أنّه عمّ محمود، وفي وقت لاحق تعرّف إلى جثّة زوجة عمّه، فكان محمود ينقّل ناظريْه في المكان، والغضب يكاد يأكله، والأشقر يلتقط الصّور.
تركا المكان، وتابعا طريقهما، فشاهدا سيّارة (بيك آب) صغيرة، وتحتها مجموعةٌ من الأشخاص، كان قد تم إعدامهم، وبينما كانا في المكان، سمعا صوت أقدام تقترب منهما، فالتفت الأشقر نحو مصدر الصّوت، وقال:" شو هاد؟
فأجابه محمود: "قد يكون صوت أقدام لأناس يهربون".
بقيا في مكانهما لحظات، قبل أن يسمعا صوت تلقيم سلاح، حينها بدآ بالرّكض، وشعرا بأنّ الدّرّاجة النّارية بعيدة جدًّا عنهما، فكأنّها مسافة فاصلة بين الموت والحياة، وفور بلوغهما الدّرّاجة النّاريّة، انطلقا مسرعيْن، وهما يسمعان صوت بعض الرّشقات النّاريّة، ولم يعلما إن كانت موجّهة نحوهما.
شعرت بكآبةٍ تنهشني، شعرت بعجز أو ماذا، لا أعرف، ألقيت الأوراق جانبًا، وحاولت الخروج من الغرفة، لكن، كأنّ صوتًا ما كان يندهني، يريدني أن أقرأ ما في الأوراق.
الجثث كانت ملقاة في جانبي الطّريق، الجوُّ كان حزينًا، تكاسل المساء في الهبوط، كأنّه ينادي من يحمل تلك الجثث إلى مثواها الأخير. متطوّعو اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر عملوا على رشّ الجثث بالكلس، قبل أن يتمّ نقلها إلى المقابر الجماعيّة، هذا المشهد رآه محمود، فعائلة أبو ردينة كلّها قضت في المجزرة، ما عدا ابنته أميمة التي اختبأت في الغسّالة، لكنها مع هذا كله قتلت لاحقًا.
الصّمت يصرخ في كلّ أنحاء المخيّم، أشلاء الجثث تتكوّم بعضها فوق بعض في حارات المخيّم. توجّه جميل إلى المخيّم باحثًا عن حبيبته، صار يناديها باسمها، لكنّ صوته كان صداه يتردّد في أزقّة المخيّم الصّامتة، توجّه نحو بيتها متثاقل الخطى، تتعثّر قدماه بالقتلى، وببعضٍ من أثاث البيوت، وبرائحة الدّمّ. وصل إلى بيتها، وضربات قلبه يكاد يسمعها من في الشّارع العام. فتح الباب، فوجد جسدها الغضّ مضرّجًا بالدّماء، وهوى قلبها الصّغير، وأغمضت عينيْها، ورقدت روحها إلى الأبد. رفع عن وجهها غبار الموت، ليمسح ما تبقّى من ذكرى لهما، حملها وسار بها في الشّارع، والوجوم ينهش وجهه، لم يصرخ، ولم يبكِ. سار حتّى وصل إلى حيث يرقد والده، وضعها على الأرض، وغنّى لها " سنرجع يومًا إلى حيّنا، ونغرق في دافئات المنى، سنرجع مهما يمرّ الزّمن، وتنأى المسافات بيننا".
في أثناء سيرهما، وجدا بعض الأحصنة ملقاة على الأرض، مقتولة، ضربًا بالرّصاص، وبينها، وجدا رجلًا قُطع رأسه، تبيّن أنّه عمّ محمود، وفي وقت لاحق تعرّف إلى جثّة زوجة عمّه، فكان محمود ينقّل ناظريْه في المكان، والغضب يكاد يأكله، والأشقر يلتقط الصّور.
تركا المكان، وتابعا طريقهما، فشاهدا سيّارة (بيك آب) صغيرة، وتحتها مجموعةٌ من الأشخاص، كان قد تم إعدامهم، وبينما كانا في المكان، سمعا صوت أقدام تقترب منهما، فالتفت الأشقر نحو مصدر الصّوت، وقال:" شو هاد؟
فأجابه محمود: "قد يكون صوت أقدام لأناس يهربون".
بقيا في مكانهما لحظات، قبل أن يسمعا صوت تلقيم سلاح، حينها بدآ بالرّكض، وشعرا بأنّ الدّرّاجة النّارية بعيدة جدًّا عنهما، فكأنّها مسافة فاصلة بين الموت والحياة، وفور بلوغهما الدّرّاجة النّاريّة، انطلقا مسرعيْن، وهما يسمعان صوت بعض الرّشقات النّاريّة، ولم يعلما إن كانت موجّهة نحوهما.
شعرت بكآبةٍ تنهشني، شعرت بعجز أو ماذا، لا أعرف، ألقيت الأوراق جانبًا، وحاولت الخروج من الغرفة، لكن، كأنّ صوتًا ما كان يندهني، يريدني أن أقرأ ما في الأوراق.
الجثث كانت ملقاة في جانبي الطّريق، الجوُّ كان حزينًا، تكاسل المساء في الهبوط، كأنّه ينادي من يحمل تلك الجثث إلى مثواها الأخير. متطوّعو اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر عملوا على رشّ الجثث بالكلس، قبل أن يتمّ نقلها إلى المقابر الجماعيّة، هذا المشهد رآه محمود، فعائلة أبو ردينة كلّها قضت في المجزرة، ما عدا ابنته أميمة التي اختبأت في الغسّالة، لكنها مع هذا كله قتلت لاحقًا.
الصّمت يصرخ في كلّ أنحاء المخيّم، أشلاء الجثث تتكوّم بعضها فوق بعض في حارات المخيّم. توجّه جميل إلى المخيّم باحثًا عن حبيبته، صار يناديها باسمها، لكنّ صوته كان صداه يتردّد في أزقّة المخيّم الصّامتة، توجّه نحو بيتها متثاقل الخطى، تتعثّر قدماه بالقتلى، وببعضٍ من أثاث البيوت، وبرائحة الدّمّ. وصل إلى بيتها، وضربات قلبه يكاد يسمعها من في الشّارع العام. فتح الباب، فوجد جسدها الغضّ مضرّجًا بالدّماء، وهوى قلبها الصّغير، وأغمضت عينيْها، ورقدت روحها إلى الأبد. رفع عن وجهها غبار الموت، ليمسح ما تبقّى من ذكرى لهما، حملها وسار بها في الشّارع، والوجوم ينهش وجهه، لم يصرخ، ولم يبكِ. سار حتّى وصل إلى حيث يرقد والده، وضعها على الأرض، وغنّى لها " سنرجع يومًا إلى حيّنا، ونغرق في دافئات المنى، سنرجع مهما يمرّ الزّمن، وتنأى المسافات بيننا".