سنة خامسة ثورة.. البحث عن أفق جديد

18 مارس 2015
الحل العسكري لم ولن ينجح في سورية (Getty)
+ الخط -

ليس من قبيل التشاؤم القول إن قوى الثورة الحقيقية المطالبة بدولة مدنية علمانية هي الأضعف اليوم لصالح قوى الثورة المضادة في سورية، فهذا واقع ينبغي الاعتراف به، لا لجلد الذات بل لمقاربة الأمور بشكل واقعي بعيداً عن الرثاء والتباكي، بما يتيح البحث عقلانياً لقراءة حدود الممكن والمتاح لبناء استراتيجية جديدة تسمح بمتابعة النضال.

يبدو واضحاً أن الحل العسكري لم ولن ينجح في سورية، تدلّ على ذلك موازين القوى على الأرض المتموضعة في صيغة لا غالب لا مغلوب، في إدارة "جيدة" من القوى الدولية التي لا تعمل إلا على إبقاء سورية ساحة استنزاف طويلة الأمد لمصالح خاصة بها، مع زراعة الوهم لدى كل طرف بأنه "موعود بالنصر"، الذي لن يأتي إلا على جثة سورية وطناً وشعباً، فأن تعلن أميركا أن برنامج تدريب المعارضة والحرب على داعش يحتاج ثلاث سنوات، لا يشبه إلا قول أوباما بأن "أيام الأسد معدودات"، في الوقت الذي كان لا يفعل إلا إبقائه في السلطة لأجل مزيد من الاستنزاف، الأمر الذي يحتّم الخروج من صيغة الوهم هذه للبحث عن منفذ خروج من هذه الحرب بأسرع وقت ممكن، لأن نتائجها واضحة للعيان حتى لو سقط النظام عسكرياً: حرب أهلية مستمرة، وصراع مليشيات وتمزّق اجتماعي..

ولكن هل إنهاء الحرب يكون لمجرد إنهاء الحرب؟ وهل إنهاؤها يعني وقف المعركة ضد الاستبداد بعد أربع سنوات ثورة؟

أبداً. على العكس، ينبغي إيقاف الحرب لإكمال الثورة والنضال بطرق أخرى، بعد أن تحوّلت الحرب ذاتها إلى معيق للثورة، إذ طغى عليها الإرهاب والبُعد العسكري بعيداً عن أية رؤية سياسية واضحة المعالم.

أحد مآسي الثورة السورية أنها ثورة لا أحزاب سياسية خلفها، فأحزاب المعارضة التقليدية كانت تتعيّش على معارضتها للنظام طيلة عقود أكثر ممّا هي أحزاب طبيعية لها جمهور وخطاب وبرنامج، وهذا أمر كان لنظام الاستبداد القاتل دور فيه بلا شك. إلا أن نتائجه كانت كارثية في غياب السياسة بالمطلق عن الثورة السورية، إذ كشفت الثورة أن المعارضة ليست أكثر من ظل باهت للنظام، بالتوازي مع عجز الجيل الشاب عن التمأسس في أحزاب وقيادة الحراك، بل زاد الأمر سوءاً مع شيوع نظرة تحقيرية للسياسة بعد الأداء الرث لسياسيي المعارضة الذين لم يتح لهم يوماً التشكّل في ظل بيئة صالحة للعمل السياسي.

الانتقال من الحرب إلى ساحة السياسة أو الاستعداد لذلك جدياً، هو ما يجب أن يكون العنوان الأبرز لعمل السوريين في السنة الخامسة للثورة، لأن أية ثورة لا تحقق أهدافها دون قوى سياسية حقيقية لها امتداد شعبي من جهة، ولها رموزها وكواردها المهيئين للوصول إلى السلطة عبر برنامج عمل والدخول في تنافس مع الآخرين من جهة ثانية. فحين تعجز عن تحقيق أهدافك في الحرب، عليك أن تعرف كيف تخوض درب السياسة لتنتزع رقعة ما قد يوفرها اليوم أو غداً للتسوية أو الحل الذي سيفرض على السوريين في نهاية المطاف.

الانتقال إلى السياسة وتعبئة المجتمع في أحزاب، هو المعركة الأهم والميدان الحقيقي لمقارعة النظام الذي لم يعمل إلا على حرق السياسة وكل مَن عمل بها ليبقى هو "السياسي" الوحيد بلبوس القاتل.

هذا هو التحدي المفروض على الثورة السورية اليوم في ظل تحلّل كافة القوى المعارضة وفقدان شرعيتها الرمزية والتمثيلية، لأن استمرار الحرب دون سياسة يعني التحوّل التدريجي من ثورة إلى حرب أهلية صرف لا معنى لها، في حين أن الانتقال من الحرب إلى السياسة يعطي أملاً وأفقاً، رغم أنه بسيط جداً في ظل نظام لا يعترف بالسوريين أنفسهم حتى يعترف بحقهم في ممارسة السياسة، فما بالك والتحولات الدولية تصب في صالحه حتى الآن؟

النظام السوري انتهى عملياً، لكن جثته لم تدفن بعد، فرغم ربحه المعركة، فهو لم يربح الحرب، كما يقول المفكر جلبير الأشقر. وهنا تكمن أهمية السياسة في متابعة الحرب بطرق أخرى إلى حين دفن الجثة التي ستبقى تنشر الموت دون ذلك.


(سورية)

المساهمون