سمير قبرصي: باقٍ في حي العجمي

17 مايو 2015
قبرصي أمام منزله بحي العجمي في يافا (العربي الجديد)
+ الخط -
طال الفراق، فمقولة خرجنا لأسبوع زمان وسنرجع حين تهدأ الأمور ويستقر الوضع سقطت سريعاً، والأسبوع أصبح 67 عاماً ولم تستكمل العودة.

أهالي يافا رحلوا وهجروا عبر البحر والسفن الى موانئ بيروت وبورسعيد وصيدا وغزة، إذ إن المدينة كانت العاصمة الاقتصادية والثقافية لفلسطين. لم ينج من عملية تهجير أهلها سوى 3900 شخص من أصل 120 ألفاً كانوا يسكنونها حتى العام 1948.

يقع حي العجمي العريق جنوبي يافا، مباشرة على البحر، وكان الحي الأول الذي بني في يافا في نهاية القرن التاسع عشر، أي قبل 150 عاماً تقريباً. اليوم ثلث سكان الحي هم من عرب فلسطينيين فقط. فالتطهير العرقي وهدم البيوت العربية ما زال مستمراً لطرد الفلسطينيين من الحي، الذي تم تهويده وتهجير أهله من الفلسطينيين، ليسكنه اليوم الإسرائيليون الأغنياء ويخصص أيضاً لبيوت السفراء والقناصل الأجانب.

سمير قبرصي يقطن في حي العجمي بشارع شرقاوي، الذي يسمى اليوم شارع "ايجوز". كان في عام النكبة ابن عشر سنوات واليوم هو في الـ 77 من عمره. ما زال يعيش في نفس البيت الذي بناه جده من فترة الأتراك، فالبيت مكون من ثلاث طبقات. في الطابقين الأول والثاني من البيت شقتان، شقة يسكن بها هو وزوجته وشقه يسكن بها ابنه وعائلته. وفي الطابق الأسفل يسكن ابنه الثاني مع أطفاله وزوجته.

يقول قبرصي لـ "العربي الجديد"، في لقاء معه في بيته، "أبي وجدي من يافا وأمي من اللد. جدي بنى البيت في فترة الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى"، وعن ذكرياته حول النكبة، يشرح "عام النكبة كنت طفلاً ألعب في الشارع أمام البيت، فرأيت مسلحاً يهودياً من العصابات مع جندي إنجليزي، توجه إلي ووجه البندقية على رأسي، فأنا لم أفعل شيئاً عدا اللعب، فهرعت أمي لتحميني وبدأت الصراخ عليه، فرأى الجندي الإنجليزي البريطاني الصليب في رقبة أمي، فسألها أنت مسيحية، قالت نعم، فسألها من أي طائفة أنت، فجاوبت بروتستانت، وكانت الصدفة أنها نفس طائفة الجندي البريطاني، فقام الجندي بالصراخ على اليهودي، وقال له ارم السلاح فوراً".


ويتابع قبرصي سرده لذكريات حدثت معه في عام النكبة، ويقول "في المرة الثانية كنت ألعب بجانب مدرسة عرفة، فكان أبي قد اشترى لي حذاء من يهود قدموا من ألمانيا، وكانت هناك مناوشات. جاء يهودي متسلح ورفع البندقية في اتجاهي، فهربت وركضت ودخلت بين أشجار الصبر المليئة بالشوك، ولكن الحذاء ساعدني وحمى رجلي، فهربت حتى وصلت بيتي".

لم يبق لسمير أي أحد من أقربائه لا من جهة أعمامه القبرصي ولا من جهة أخواله الزبانة. وكانت العصابات الصهيونية قتلت جدته في 1948. عن عائلته، أو من تبقى منها في يافا، يقول قبرصي "لدي أربعة إخوة، أخي البكر هرب إلى غزة في عام 1948، وبعد سنتين ونصف السنة، استطاع أبي إرجاعه إلى يافا عن طريق لم الشمل. فبقي من عائلتنا الكبيرة فقط بيت أبي وأمي وأنا وإخوتي. وجميع البيوت وأملاك أقاربي أخذوها كأملاك متروكة للغائبين".

ليست أملاك الغائبين وحدها التي صودرت، فحتى أملاك الحاضرين عمد المستوطنون إلى الاستيلاء عليها، ويروي قبرصي أن بيته لم يسلم من المصادرة والاحتلال، بعدما دخلت عائلة يهودية إلى الشقة التي يسكنها ابنه والمكونة من ثلاث غرف في الطابق الثاني. ويقول "استوطنوا في الشقة بالقوة، وكانت العائلة مكونة من الأب وعمره 50 سنة وثلاثة أولاد، فسكنوا بالشقة، واستمروا في العيش بها لمدة 18 عاماً ولم نستطع إخراجهم منها، وفقط بعد أن توفي الأب تركوا البيت. فعندما توفي الأب جاء ابنه، وطالبني بأن أدفع له تعويضاً".

لم تنته قصة قبرصي مع السلطات الإسرائيلية، فهو يقارع ويحارب السلطات الإسرائيلية في القضاء، كونها لا تعترف أن البيت له، بل تعتبره أملاك غائبين وتملكه شركة "عميدار" التي تدير أملاك اللاجئين، ويطالبونه بدفع أجرة سنوية لهم أو شراء بيت جده من شركة عميدار.

اقرأ أيضا:اللاجئة أم رزق: "ما بانسى حتى أحجار قريتي"
المساهمون