التطريز الفلسطيني حرفة تراثية معروفة تختص بها النساء. لكنّ الغزي سليمان دخل إلى هذا المجال، وبات معروفاً بجودة عمله، كاسراً حاجز الانتقادات
في حي الفواخير، شرقي مدينة خانيونس، في جنوب قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، يعيش سليمان جبريل أبو طعيمة (23 عاماً) الذي تعلم حرفة قليلا ما يعمل بها الرجال في فلسطين، وهي حرفة التطريز الفلاحي التي تعملها من والدته، ووجد فيها شغفه، خصوصاً في ظلّ البطالة، إذ لا يبالي بالانتقادات الموجهة إليه بأنّها حرفة للنساء فقط.
أكمل سليمان دراسته الثانوية لكنّه لم يتمكن من الانتساب إلى الجامعة بسبب ظروف أسرته المعيشية الصعبة فبحث عن عمل، وأمضى عاماً كاملاً حلاقاً لكنّ الدخل كان ضئيلاً. تعلّم مهنتي السباكة وتركيب وصيانة المكيفات، لكنّه لم يجد عملاً فيهما طوال عام آخر، فلجأ للعمل في البناء على فترات متقطعة، وهو ما دفعه للعمل في هوايته الأصلية وهي التطريز.
يقول سليمان لـ"العربي الجديد": "كان من السهل أن أتعلم التطريز، فأنا أحب ألوان وأشكال الثوب التراثي الفلسطيني. تعلمته وأتقنته عام 2010، ولم أعمل فيه في البداية إلاّ كهواية". في منتصف عام 2010، جذبت سليمان مشغولات والدته فاطمة أبو طعيمة (52 عاماً)، وكان حينها يسألها باستمرار عن طرق التطريز. في تلك الفترة قرر أن يتعلم الحرفة من والدته التي فوجئت بطلبه لكنّها علمته، وخلال شهرين بات ماهراً.
في المرة الأولى طرّز محفظة نسائية بالتطريز الفلاحي، وشعر بسعادة كبيرة إذ نجح فيها ملتزماً بإرشادات والدته، ثم انتقل لإنتاج الساعات الحائطية المطرزة والمحافظ والحقائب النسائية. ومنذ ذلك الحين، لم يقتصر عمله على التطريز نفسه، بل بدأ في تعليم قريباته هذا الفن حتى وصل عددهن إلى 12.
يقول سليمان إنّ التطريز هو فن التزيين بالغرز على القماش أو ما يشبهه من مواد، وذلك باستخدام إبرة الخياطة والخيط. يشير إلى أنّ من الممكن إعداد رسوم مطرزة لا حدّ لها. وتستخدم في التطريز أقمشة مختلفة وخيوط متنوعة وإبر ذات أنواع وأحجام مختلفة، إلى جانب إمكانية التطريز على الخشب، لتستخدم القطع كأواني ضيافة، كما يمكن تطريز الأثاث المنزلي.
يتقن سليمان التطريز الفلاحي والمدني، وهو يفرّق بين النوعين، فالفلاحي يأخذ الطابع التراثي القديم للثوب الفلسطيني وغيره من المطرزات، بينما المدني يضع النقوش القديمة المطرزة فوق أثواب على الموضة، أو مجسمات وميداليات. يقول إنّ "التطريز من الفنون الشعبية، التي اهتمت بها المرأة العربية، خصوصاً الفلسطينية، كونه من التراث الذي يحاربه الاحتلال الإسرائيلي، وأنا كذلك أهتم به من هذا المنطلق أيضاً".
أنتج سليمان العديد من المشغولات اليدوية، منها ما تمكن من بيعه عبر صفحته على موقع "فيسوك" وأخرى وضعها في المنزل كعيّنات عرض، ومن بينها الصواني، والأثواب بمختلف أحجامها، والمحفظات النسائية، والسجاد، وفراش المقاعد، وأطقم الأثاث.
بالرغم من ذلك، رفضت مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات المعنية بحفظ التراث الفلسطيني دعمه من خلال إشراكه في معارض التراث الفلسطيني وعرض منتجاته للبيع، لأنّه شاب ذكر وليس سيدة، إذ يستهجن القيمون عليها ذلك، وقد أخبروه أنّهم لا يريدون له الاختلاط بالسيدات اللواتي يطرزن داخل مؤسساتهم.
تعرض لانتقاد لاذع في صيف 2014 من شبان عندما شاهدوه يطرّز. كان يومها نازحاً مع أسرته بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، إلى إحدى مدارس الأونروا وسط مدينة خانيونس، فشاهده الشبان هناك يعمل وسخروا منه وقالوا إنّ من المعيب العمل في حرفة نسائية. شعر بالألم مما قاله الشبان وترك التطريز، لكنّه عاد في يوليو/ تموز الماضي، بفضل خطيبته، فريال فسيفس (21 عاماً). هي التي أنسته كلّ الانتقادات التي وجهت إليه، إذ تعرّف عليها في بداية 2018، وقد لاحظت بالصدفة أنّه ماهر في التطريز، ويمكنه التفريق بين أنواع المطرزات الفلاحية والمجدلاوية والبدوية والمدنية الفلسطينية، فشجعته على العمل، وقرر منذ ذلك الحين العودة إلى التطريز، وإنشاء صفحة خاصة لعرض المنتجات. يقول سليمان: "أتلقى بعض الطلبات لشراء المطرزات عبر الصفحة. هناك إقبال على عملي بالرغم من تعجب البعض، فقد وجد كثيرون في منتجاتي إتقاناً وتميزاً".
اقــرأ أيضاً
بينما يسعى سليمان لتحقيق أمله في استكمال دراسة تصميم الأزياء التي لم يتمكن منها بسبب صعوبة الوضع المادي في غزة، وفي أسرته بالذات، فإنّه يطمح إلى تأسيس مشغل للتطريز الفلاحي والمدني يعمل فيه مع والدته، ويتعلمان معاً تصميم الأزياء لكي يدمجا التراث الفلسطيني بالأثواب التي تواكب الموضة.